اللَّوْحَة الرّسُولة
انتظر الفجر طويلا طويلا حتى ظهر من غنج عتمته غير مبالٍ باحتراق انتظاره، أحضر ألوانه وأفرغ كل محتويات عبوات الألوان على البالته (لوحة الألوان أو المَلْوَن)
ناسيا الخوف الذي كان يعتريه لو أشرف لون من ألوانه الغالية على نهايته، نثر حولها كل ما يملكه من فُرَش ووقف أمام لوحته وجها لوجه غير أن وجهه كان من نار ووجها من نور… نثر عليها كل ألوانه بطريقة غير مفهومة حتى تضرجت بالألوان.
تنهد ملتقطا أنفاسه ..
والتفت للقرد الذي أَجْلَسَهُ بجانبه مقفلا عليهما المرسم الذي أخذ يتأمل ما كان يفعله بعناية .. خطى نحوه وقرّبه للوحة فارغة وأمسكه الريشة مقربا نحوه مزّاجة الألوان،
فبدأ القرد يلوّن حينا ويقفز حينا آخر، يلعق اللون أو يمسح به وجهه ضاحكا .. وفجأة حدّق في الرّيشة وكسرها بطريقة خاطفة لم تسمح له بانقاذها، كاسرا معه شيئا من قلبه…
تجاهل وتابع تشجيع القرد فبدأ القرد التلوين بأصابعه أخذ يضرب على اللوحة بفرح كأنها وجه دف، ثم يمسحها كمساحة زجاج السيارة حتى استعمرت الألوان كل خليه في القماش أو الخام الأبيض. كافأه بثمرة وأخرجه من المرسم،
أحضر آلة التصوير وصوّر الفنان اللوحة واتجه لأهم دار نشر وطلب مقابلة المدير لأمر سري وضروري، مخرجا له الصورة من المغلف قائلا : هذه لوحة مسؤول مهم جدا أكبر مني ومنك .. طلب مني أن أعطيك إياها لتعلن عن جائزة مالية خيالية لأجمل دراسة نقدية تقدم حولها، ودفع له مبلغا يعادل جميع ما باعه من لوحاته وأعماله الفنية لسنوات لينفي أي شك حول قدسية مرسلها، وعلى الفور نُشِرت المسابقة في الصفحات الأولى كأمر سماوي مع صورة اللوحة، في اليوم التالي انهالت الدراسات القراءات التحليلات حول عمق اللون وفلسفة الظل تفرد الخيال والمأساة والملهاة لا بل ملحمة جلجامش التي مرت بها كرمز خفي وقصة أهل الكهف وصلب اليسوع كل حسب رؤيته .. وصولا لدراسة أهم وأكبر عميد في الكلية الذي كان مسؤولا عن آخر مسابقة أقيمت .. وسمّاها اللوحة الرسولة
صاحب هذه اللوحة الرسولة والدراسة العميقة، هو نفسه من جعل من لوحة هذا الفنان اللبائس السماوية شيطانا..ليضغي الملائكية على أعمال أبناء ظل الله على الأرض المقدسين، لأن لَوْحتة من نسل الطبقة الكادحة يتيمة المال والسلطة والجنس والإغراء .. لاتملك سوى ريشة صادقة ودموع الألوان … لوحته التي سمّاها وطن…جعلته يخسر جميع الأضواء ليتم اسقاطها على لوحة RIP والذي رسم بها ابن المسؤول قبرا لكلبه الذي مرض بسبب اهماله له،
أمام هذه التراجيديا المبكية المضحكة أعلن عن صورة المسؤول الذي رسم اللوحة ونشر له الفيديوهات على كافة المواقع ليظهر في نهاية الفيديو جامعا كل كرّاسات التعليم وكافة مدارس الفن وعمالقتها وأصخم الأعمال التي كان يحبها يحرقها .. تتجمد الصورة على لوحة النار كاتبا فوق اللظى
RIP
يقين حمد جَنّود
خاصية التعليق غير مفعلة - يمكنك المشاركة على مواقع التواصل الاجتماعي