من جعبة التعليم
لا تظن يا سمير أن المعلمة لم تشاهدك فقد لمحتك حينما دخلت الصف لأول مرة ، وقد وقف الطلاب كلُّهم احتراماً ، ورَدّوا التحية بأحسن منها – إلا أنت ! يوَمَها طلتَ متهالكاً على مقعدك ترمقني بعين ملؤها الرفض ، رغم صغر
سنك !
تجاهلت ، كتمت شعوري – رغم ضيقي ….
ورفيقك المجاور كان ينكزك خلسة ، قف قف – لكنك لم تبالي …
منذ تلك الساعة – أخذت استجمع معرفتي في كيفية جذب الطالب للمدرس وللدرس إنها مهمة صعبة .
ولكنها غير مستحيلة ، ولو أن إختلاف طباع الطلاب ، وبيئاتهم – وأفكارهم ومقدراتهم النفسية – وإختلاف عقول الأهالي ، له دوره في هذا …
كان اهتمامي فيه ِ كبيراً ؛ خاصة أن تصرفاتهُ لم أعهدها من قبل !
و بإصرار صممت على تسوية أمره ….
ملاحظات التوجيه كانت عامة وشاملة حساً مني أنه سيأخذ شيئاً منها ….
ولم أجد نفعاً … إنما آلمي يزداد مع طيشه المتزايد ، استغرابي يبدو على وجهي عندما يدخل متأخراً و دون إعتذار ودون تحية !
وفي يده مجموعة من الطباشير المكسرة الجاهزة لرميها على رفاقهِ …
عندما يُسأل عن واجبه يجيب ببرود وعدم اكتراث ٍ ، لم أكتبهُ .
أصاب بصداع – و مع هذا اتظاهر بتصدقيهِ …
وأربت على كتفهِ لا بأس المرة القادمه سيمنحك الوقت فرصة لجلب الواجب …
كاد ينفذ صبري ، لولا أن منَّ علي الله بطول البال …
وظلت يدي بجعبتي التعليمية تبحث عن حلٍ تربوي مناسب .
دون أن أحرج مشاعره فقد يكون إنسانياً عظيماً يوماً ما ؟!!
ترى ؟ هل في أمر هذا الغلام سر ؟!
بأسرتهِ لا يوجد ما يبرر تصرفاته ِ .
استدعيته لنتحدث في فسحة المدرسة الساعة العاشرة ؛ وسألته هل تحبني يا سمير ؟ لا … لا … وبحدة حينها الدم غزا معالم وجهي ، وبدأت نفسي بالغليان ، وبهدوء قلت : يا سمير أحب الصدق وقد وجدته في شخصيتك … ابتسم بإرتياح وفي اليوم التالي كان مقعده شاغراً سألت الطلاب أين زميلكم أجابوا بصوت عالً مريض ، إنه غائب و واحد منهم انفراد بصوتهِ قائلاً (( الحمد الله )) عند الإنصراف توجهت نحو منزله ومعي هدية لطيفة له …
الأم استقبلتني بدمعة ومع ابتسامة رقيقة ، تفضلي ، دهشتْ عندما سمير رفع رأسه وهو في السرير يطلب
الصفح ، وبصوت مخنوق أحبك يا معلمتي … أنت تحملين عواطف والداتي عندها ايقنتُ تماماً أن قلوب الصغار
لا تعرف الحقد أو الكراهية ، مما زاد عطائي …
جمال عبيد
خاصية التعليق غير مفعلة - يمكنك المشاركة على مواقع التواصل الاجتماعي