العمل العامّ شاقّ وصعب يحتاج إلى شخصيّة قويّة ومحبّة للجمال والإبداع. والفن التّشكيليّ إمتاع وإبداع، فإذا توفّر كلاهما في شخصيّةٍ كان الجمال ماثلًا يمشي على قدمين. وإذا كانت المهمّة وراءها أنثى، حقّ لنا أن نرفع لها القبّعة ونحيّيها ونشجّعها. من هنا كان لنا في مجلّة أزهار الحرف هذا الحوار مع الفنّانة التّشكيليّة الأردنيّة /إزدهار الصعوب
حاورتها من لبنان
نجوى الغزال
١- هل احترافك للفنّ التّشكيليّ كان لصقل موهبة ظهرت في طفولتك، أم كان اهتمامًا بالفنّ في مرحلة الجامعة؟
- اهتمامي بالفنون يعود إلى وجودي في أسرة تعشق الفنّ، إذ كان والدي رحمه اللّه يحبّ الشّعر وله قصائد عديدة، لكنّها لم تكن للنّشر. وغالبيّة إخوتي فيهم مَن يحبّ الخطّ العربيّ والفنّ التّشكيليّ. وكَوني جزءًا من أسرة تتمتّع بميول فنّيّة، فكان لا بدّ من أن أكون قد أخذت جزءًا بسيطًا من هذه الفنون. وبعد الانتهاء من دراستي توجّهت إلى صقل موهبتي بالرّسم بدعم من الأسرة، ولا أنسى كذلك الأصدقاء من الفنّانين الّذين ساعدوني في تطوير هذه الموهبة.
2- ما هو حال هذه الأنواع من الفنون على امتداد الوطن العربيّ؟ وهل الفنّ التّشكيليّ أخذ حقّه كأنواع أخرى من الفنون؟ - بشكل عامّ هناك دائمًا نهضة فنّيّة ووجود فنانين على مستوًى عالميّ، ولكن ورغم ذلك، الفنّ التّشكيليّ في الوطن العربيّ لا يزال في مرحلة غير ناضجة بالشّكل الكبير الّذي نطمح إليه. لا بدّ لنا من تطويره، ليس فقط الفنّ التّشكيليّ وإنّما الفنون الأخرى من مسرح وغيره… ويكون ذلك من خلال تعليمها في المدارس من خلال منهاج مثل أيّ مادة تدريس أخرى، فالفنّ هو غذاء الرّوح ومن خلاله تتشكل شخصية الفرد.
٣_ ماذا أضاف الفنّ التّشكيليّ إلى شخصيّة إزدهار وماذا أخذ منها؟ - لقد أضاف إليّ الفنّ التّشكيليّ الكثير من المعارف والأفق الواسع. ومن خلاله أصبحت أرى الجمال حتّى في القبيح بعيون الآخرين، فهو أي الفنّ يغرس الجمال في داخلك فلا تعود ترى إلّا كلّ شيء جميل. وهذا الجمال الدّاخليّ أُخرجه من خلال اللّوحات الّتي أقوم برسمها والتّركيز على التّفاصيل الّتي تغرقني بجمالها، فأنقل إحساسي بالجمال إلى المتلقّي. أعتبر أنّ الفنّ هو عطاء دون مقابل، كلّما أعطيت كلما شعرت بالسّعادة.
٤- ما هو سرّ اهتمامك بالسّياحة والتّراث؟ - منذ الصّغر كنت أعشق الحكايات والقصص عن مدينة الكرك حتّى أصبح لديّ إحساس بضرورة البحث عن الماضي وجماليّاته. فوجدت أنّ مدينتي زاخرة بتاريخ وآثار من قبل الميلاد. إنّها تشكّل حالة فريدة حيث أنّها مدينة تعيش نسيجًا اجتماعيًّا متميّزًا، فالجميع أسرة واحدة لا تفرقة بينهم. كما أنّ لها مواقف سياسيّة كبيرة من التّضحية من أجل المبادئ والقيم والأخلاق وحبّ الوطن. وهنالك قصص وحكايات لا تزال تحكى عن الكرك وسيّدات من الكرك كانت لهنّ مواقف كمواقف الرّجال من فداء الوطن والوقوف في وجه مَن يحاول الاعتداء عليه. ولكونها مدينة تراثيّة أثريّة أسعى إلى جعلها مقصدًا سياحيًّا من كلّ العالم.
٥- هل اهتمامك بالفنّ كان وراء اهتمامك بالتّراث؟ - أن تعشق بلدك وتاريخك وتسخّر الفنّ في خدمته هو أمر طبيعيّ. فالفنّ هو تراث، والتّراث هو فنّ.
٦- لماذا أطلقتم على جمعيّتكم اسم “ميشع المؤابي”؟ ومَن هي هذه الشّخصيّة؟ وماذا تعني لمدينة الكرك الأردنيّة؟ - كانت تسمية الجمعيّة باسم الملك “ميشع المؤابي” صاحب المسلة المشهورة والموجودة الآن في متحف اللوفر كحال كلّ آثار الوطن العربيّ. ميشع هو مَن طرد اليهود ولم يسمح لهم بالاعتداء على مملكته وحاربهم ونصر شعبه، فأحببت أن أعيد اسمه للظّهور وأن يعلم الجميع أنّ مدينتي الكرك هي مدينة من قبل التّاريخ زاخرة بالحضارة والملوك الأشدّاء الّذين أحبّوا وطنهم ودافعوا عنه، وأنّنا أصل الحضارات كما هو حال الوطن العربيّ الكبير الزّاخر بتاريخه العريق وحضارته الواضحة للعالم أجمع.
٧- ماذا حقّقت على الصّعيد الثّقافيّ الاجتماعيّ لمدينتك من خلال جمعيّتكم؟ - إنّ أهداف الجمعيّة متنوّعة لدرجة أنّها تفتح المجال لتحقيق رؤية الجمعيّة الّتي هي دعم الشّباب والمرأة والطّفل وحتّى ذوي الإعاقة من خلال مشاركتهم في العمل العامّ المجتمعيّ. ومن خلال هذه الجمعيّة يتعاون الجميع لتطوير وتنمية محافظة الكرك.
ومن خلال التّعاون بين الجهات الحكوميّة والمجتمع المحلّيّ، كانت الجمعيّة بكادرها قادرة على تحقيق ولو الشّيء البسيط ممّا يعاني منه المجتمع. والمثال على ذلك أنّنا ومع المجتمع والجهات الشّعبيّة قد حقّقنا إنجازًا يُعتبر خادمًا ليس فقط لمدينة الكرك وإنّما لإقليم الجنوب وهو وجود مركز للسّكّريّ والغدد في مدينة الكرك ، وهو إحدى المبادرات الّتي انطلقت من الجمعيّة.
٨- أين تجد إزدهار الصعوب نفسها أكثر؟ في الفنّ التّشكيليّ أم الاجتماعيّ؟ - الفنّ التّشكيليّ والعمل الاجتماعيّ لا ينفصلان عن بعضهما من وجهة نظري. فأنا أحلم برسم مدينة جميلة وأسعى إلى تحقيقها على أرض الواقع من خلال العمل المجتمعيّ والتّشاركيّة بين كافّة فئات المجتمع؛ والحلم بالجمال لا بدّ من السّعي إلى تحقيقه.
٩_ هل تجدين في انتشار المنتديات الثّقافيّة أمرًا جيّدًا أم لزوم ما لا يلزم؟ - إنّ الانتشار الكبير للمنتديات الثّقافيّة غير المدروس يسبّب وجود الكمّ بدون الفعل. لو تكاتفت الجهود لجعل الفعل الثّقافيّ تشاركيًّا لا يقتصر على أشخاص معيّنين لكان النّتاج الثّقافيّ متميّزًا وزاخرًا بالعطاء ولَأخذ المستحقّ حقّه.
١٠- ما رأيك في الدّور الذي يقوم به ملتقى الشّعراء العرب الذي يرأسه الشّاعر ناصر عبد الحميد رمضان؟ - “ملتقى الشّعراء العرب” اسم كفيل بمفرده بأن يخبرك عن الوحدة العربيّة وبأنّنا جسد واحد نلتقي لنرتقي وأنّ أفكارنا وطموحاتنا لا حدود لها، فكلّ الوطن العربيّ مكاننا ومسرحنا.
أتمنّى أن تُعمَّم فكرة “ملتقى الشّعراء العرب” ليكون هناك ملتقى الفنانين التّشكيليّين العرب وملتقى فنّاني المسرح العربي.
أودّ أن أشكر الشّاعر الرّائع الأستاذ ناصر رمضان، فهو صديق الكلّ ويعبر الحدود الوهميّة الّتي صُنعت ليصل إلى كلّ فنّان وشاعر في بيته. له كلّ التّقدير والاحترام.
وأشكر الأستاذة نجوى غزال على الحوار اللّطيف والأسئلة القيّمة الّتي أظهرت مدى العمق الثّقافيّ الإبداعيّ لديها.
لكم جزيل الشّكر، وأتمنّى أن نلتقي في الأردن وطني ووطن كلّ العرب.
دمتم بخير
ازدهار فارس الصعوب
خاصية التعليق غير مفعلة - يمكنك المشاركة على مواقع التواصل الاجتماعي