في الذاكرة يفوح شذى العز و في القلب يرقد الحنين لأيامه.
هو من رست عليه مهارة أجدادنا و جعلوا لها مواسماً.
أسموها “مواسم العز”.
إنها لمسات من حضارتنا الحريرية، تعود للقرن التاسع عشر، حيث كانت تربية دود القز و صناعة الحرير في أساس الإقتصاد والنسيج الإجتماعي.
كانت تعتبر زراعة التوت او الشجرة المُذهّبة من الزراعات الأساسية، منها تقتات آلات الغزل والنسيج ومنها إرتدى التراث ثوباً منسوجاً بالعز والفخر.
بلمحة عن تاريخ صناعة الحرير في لبنان، تذكر المراجع أنه عُرف منذ نحو 2500سنة. كان يرد إليه في الصين عن “طريق الحرير”عبر بلاد فارس والعراق،وكان يُصنّع و يُصبغ في المدن الفينيقية ويصدر إلى اكبر وجهة تصدير مدن الحوض المتوسط و خصوصاً روما.
و”طريق الحرير” هو أطول طريق تجارية عرفها التاريخ في حكم الأمير فخر الدين.
إمتاز اللبنانيون بمهاراتهم في صناعة الحرير وتصديره.
مرّت الأزمات بكل أشكالها على هذه المواسم، حاولت الصمود مُتسلحة بالشغف، المهارة والخبرة.
إلاَّ أن الثورة الإقتصادية والتطور التكنولوجي كبّلَ قدراتها على الصمود.
بالعودة الى بعض ميزات دودة القز و تربيتها التي تعتبر عمل غير شاق، ولا يتطلب مجهوداً جسدياً كبيراً. يستطيع المسنون والنساء والأطفال القيام به.
هو موسم بركة ويعتبر من المواسم المستدامة.
كيف ذلك؟
هي معجزة الخالق التي خُلقت في دودة القز.
فهي تبيض حوالي 500بيضة، يبلغ طول خيط الحرير الذي تفرزه من فمها 1500متر تقريباً.
تُغلف نفسها بما يُسمى الشرانق، لها ثلاثة ألوان:
-الأبيض هو من أجود أنواع الخيوط.
-الأصفر باب ثاني من حيث الجودة.
-البرتقالي باب ثالث من حيث الجودة.
لتصل بعدها إلى مرحلة الخادرة أو الزيز، وعندما تصبح فراشة تخرج من شرنقتها و تضع بيوضها .
يتم المحافظة عليها للسنة القادمة، عندما ينمو ورق التوت عبر حفظها في البراد، ثم استخراجها منه ووضعها في مكان دافئ لتعود الى دورتها الحياتية التي منها نُسجت و بخيطانها المتينة مشاعر الفخر بهوية إعتادت على الإكتفاء والكرامة والصمود.
اليوم و بحثاً عما ذُكر، و بمحاولة مسح الغبار عن حقبة ذهبية من تاريخنا المراد منها إنتشالنا من الوهم الإصطناعي الذي نكتسيه، لا بل يكسينا.
كان لابد من الإضاءة على تربية دود القز. كوقفة قد تُعيد ترتيب وجهة نظرنا للحياة بأكملها،والبحث العميق عن اجوبة لأسئلة تحمل خبايا الكون وقدرة خالقه.
فهل من يعلم أن خيط الحرير و خيط الفولاذ بالقطر نفسه يمتلكان المتانة نفسها؟!
وهل من يعلم، يستشعر ، يتعظ و يثور أن بفضل 110شرانق تقريباً تُصنّع ربطة عنق من الحرير، يرتديها مسؤولون مُزيّفون باعوا التراث وجعلوا من تربية دود القز وصناعة الحرير مهنة و حرفة هي الأخرى باتت في سجلات إرثنا مكتومة القيد؟!.
بقلم رحاب هاني
خاصية التعليق غير مفعلة - يمكنك المشاركة على مواقع التواصل الاجتماعي