القادمون..
يد حَزَمت أمتعة روحي وأقلعت بي باسم القدر … يد كونية حملتني .. بعيدا عن سريرها … ثلاث سنوات لم أستيقظ لأحصي أنفاسها كل دقيقة … ربما لأنني لم أنم أصلا.. ثلاثة سنوات لم أنهض لأغطي مشاغبة جسدها أثناء النوم خوفا عليها من البرد … ربما لأني خفت عليها من برد أخطر .. فأخذت صقيع العالم بعيدا عنها لأتجمد وحدي … وكنت إذا رأيتها عادت وديان روحي تسيل …
القادمون .. كلمة كتبت بخط عريض فوق باب يشبه فرجا يضع سلالة نبيلة لروحك .. خلف زجاج شف كجسدي … كنت شبحا ينتظر …
فيما روحي تحلق كقائد الطائرة وترفرف في الأرض كمراقب الأرضية لإتمام الهبوط … وهل يصعب على قلب أم الهبوط بطائرة تحمل ابنتها .. حتى ولو لم تقد دراجة من قبل ؟؟
كنت أرقب هبوط قلبي من سماء حزينة لأرض الفرح … كانت الأرض تنمحي خلف كل متر تقطعها باتجاه روحي … كنت هنا لا بل هناك .. لا بل حيث لاأعلم … ما أعلمه أني انتظر جسدها الصغير الشقي الجميل أن يدلف بالنور على ظلمتي ..
لا أعلم كم مر من السنوات وأنا أتشظى خلف باب القادمون .. لا أعلم كم مرة مُتُّ ووِلدتُ مع من يولد ويموت من فرج هذا الباب …
كان نبض قلبي وقع أقدامها …
هذه هي … لمن كنت أشرح او أقول لا أدري غير أنني كنت أصرخ بهذه العبارة في صمتي ألف مرة … نعم هذه هي … هي الآن كل القادمين …
عانقتها … عانقتها
وكل ما بي يذوب … عدا دموعي .. لم أستطع النطق كما لم أستطع البكاء ..
سرت تحت كل مشنقة كتب عليها المغادرون… دون أن تلتف حول عنقي …
هل حقا عدت حرّة … وعُتِقت أعناقي؟؟
أخذت بيدها الملائكية إلي … ووصلنا لسرير يجمعنا .. نمت ملىء قلبي بعد عمر من السهر … نمت ملىء روحي بعد يقظة سهد كالسفر …
نمت بالرغم من أن شيطان خوفي مازال يلوح لي بتلك الحبال المتدلية من السماء التي تذكرك دوما بالرحيل… أما أنا منذ ولادتي أشحذ نصل روحي على حجر جسدي لأقطعها…
أنا التي لا أستطيع وداع حتى من جاءني لزيارة .. أنا التي أهرب حتى لا ألوح لأي مغادر … أنا التي أهرب سرقة من أمي وتقول عني أنني أذهب (قفاوة … ) يعني بلا وداع وبلا شكر …
نعم أنا أهرب
أنا أكثر جُبناً من التفاتة للخلف… أنا أكثر ضعفا من التلويح بالروح لأحدهم
أنا أرجوكم لاتودعوني حتى في صدفة تلتقوني … لا تودعوني … فالوداع عندي موت متجدد يطحن تلافيف دماغي مع كل صوت وصورة وذكرى وتفاصيل قد لا تخطر ببالكم حتى …
قلت مرة لأهلي حين ولدت بعد سفر … اشتقت لأحذيتكم …
أنا أكره الوداع …
حقا هناك أبواب تلدنا في كل اتجاه وأبواب تُفتح لمصرعنا … ليت الدنيا لها باب واحد كتب عليه: للدخول فقط …
يقين حمد جنود
خاصية التعليق غير مفعلة - يمكنك المشاركة على مواقع التواصل الاجتماعي