دقة قلب
تئن الساعة وتتمطى في حضرة الغياب الطويل، يتمدد الوقت وتصير الدقائق أكثر طولاً وأشد بعداً، وتئز الريح خارجاً لتتلاعب بالنافذة الوحيدة في الغرفة الكئيبة.
تنظر للساعة المعلقة كمشنقة على الحائط الذي شحب لونه بفعل الانتظار، تمعن النظر في تلك الساعة العتيقة، وجلدها البالي يطوق مرفقها الهزيل المتجعد، تطاردها الذكرى وهي تتمشى بلا هدف ما بين النافذة والباب الموارب قليلاً بانتظار طيفا افتقدته سنيناً.
سحبت الوريقة من على المنضدة ذات الرجل المكسورة، كادت أن تأكلها بعينيها، قربتها لفمها، وقبلتها، وضمتها لصدرها المُتَغَضِّن، وأغمضت عينيها فرحة بوريقة الأمل البعيد، مسدت عليها بيدها، ثم عادت وقبلتها مرة أخرى قبل أن تنظر للافق البعيد منتظرةً ظلاً تشتاق له روحها، حدثث نفسها بتساؤل: لم تكون ساعات الانتظار دوماً بحجم دهرٍ عصي، لم تأبى تلك الساعة المريضة أن تتحرَّك، لِمَ، وَلِمَ، لِمً يكون انتظار الغياب صعباً ومُنهكاً وطويلاً ومملاً، إيه، يا حشى القلب، تطلق الآهات، وتغني: يا حبيبي يا خويا، سعيدة، جذلة، مرحة، وابتساماتها تغطى الكون كله فرحاً وسعادة، فشقيقها سوف يأتي اليوم بعد غياب لعقد من الزمان، هكذا أخبرتها رسالته، سوف يعود لتقبله طفلاً حبا بين رفة العين ودقات القلب بعد وفاة أمها، شقيقها الذي رفضت الزواج لأجله، شقيقها الذي ربته “كل شبر بنذر” بانتظار أن يكبر ويصبح عريساً لتفرح به، كانت رقصتها الأولى يوم نجاحه بالثانوية، ورقصتها الثانية يوم فرحه على من انتقاها قلبه، ليتركها لاحقاً ويمضي في طريق الاغتراب الطويل، واعداً إياها باحضارها لتقيم معه قريباً، ومضت عشر سنين كاملة وهي تنتظر “قريباً”، عشر شتاءات باردة موغلة في الوحدة، وعشرة فصول صيف ساخنة، آه يا شقيقي، كيف أصبح شكله يا ترى، هل بقي على عهده ووده، كيف صار وجهه العذب الجميل، كيف، وكيف، قلبها يتكتك بقوة على عكس تلك الساعة الكئيبة، إيه يا قلبي، اهدأ، توقف عن الغليان، فالغالي في طريقه إلينا، عادت لتمسد على جسد الوريقة، تقبلها مرة أخرى، تشمها، وتبتسم لمفتاح الحظ خاصتها الذي يبلغها بحضور شقيقها.
وأخيراً، وبعد مضي ساعات وذكريات عمر مضى، طرق الباب، ركضت وقلبها يرجو ويخفق، فتحت الباب، لتتفاجأ بوجه ساعي البريد يناولها مظروفاً، استغربت وسألته: ممن؟!
فأجابها: من شقيقك، حوالة مالية، وساد الصمت من جديد!!!!!
عائدة محمود الأدهش المعايطة
