رباعية أنثى ل(روان شقورة)
والبحث عن المجهول*
رواية (رباعية أنثى) للأديبة روان شقورة.
رواية اجتماعيّة بطلتها حوّاء. و لم يتمّ اختيار هذا الاسم عبثيًّا، فحوّاء هي رمزٌ من رموز البشرية، بل هي الرمز الأول، وباختيارها هذا الاسم تختزل كل نساء الأرض ومعاناتهنّ في شتّى مجالات الحياة…
حواء هي فتاة فلسطينيّة عزباء تعيش في غزّة وتعاني كما يعاني الشعب الفلسطينيّ أجمع من الخوف من المجهول والقلق على المستقبل، خصوصًا أنّهم يعيشون تحت ظلم وبطش الاحتلال الإسرائيلي.
إذًا حواء تعيش في سجن كبير اسمه وطن، وتعاني كما يعاني الجميع من دمار نفسيّ وفرح النجاة من الموت على رغم الدمار والحصار.
وعندما ترى اسم حواء، بالطبع ستسأل: من هو آدم أو أين هو آدم ؟ وهذا ما كشفت عنه الرواية بين سطورها. فحواء حبيبها الحقيقيّ هو آدم، رجلٌ أربعينيّ يرتدي الأبيض وهي ترتدي الأسود أي النقيض؛ تجده دائمًا حولها دون أن تراه، يرافقها في كلّ مكان، يلاحقها برسائله حتّى يحتويها ويُشعرها بالأمان مهما مرّت الأيّام .
رواية (رباعية أنثى) هي صندوق مقفل يحتوي بداخله حياة كاملة عن الوضع الراهن في منطقة غزّة. فحوّاء فتاة على رغم الألم والخوف تبحث دائمًا عن الفرح، وتلتقي بأصدقائها وأقاربها لتكسر روتين الحياة؛ فتشارك في المعارض الفنّيّة، وهنا التقت بفريد الذي عرض عليها الزواج ورفضت بسبب تفكيرها الدائم بآدم.
وحازم هو ابن عمها ورفضته أيضًا بسبب حبّها لآدم وبسبب سلوكه الغريب. وعلى رغم رفضها له بقي صديقًا لشقيقها إبراهيم. إبراهيم هو فتى يبحث عن مستقبل خارج الوطن لأنّه ظلمه، فيبحر ويخاطر ويبحث، ثمّ يعود جثّة إلى وطنه، وتخسره حوّاء كما خسرت والدها الذي كان رفيقها وسندها. وليست هنا المفاجأة، إنّما المفاجأة هي حين تعلم أنّها اتُّهمت بقتله!. كيف تجرؤ فتاة على قتل والدها؟ وهو من ساندها في كلّ اختياراتها حتّى بعد سفر إبراهيم. وبسبب عملها كإعلاميّة في تلفزيون فلسطين، سمح لها أن تسافر وتجول برحلة طويلة كانت بدايتها مصر ولها قصّة ستجدها بين دفّتَي الرواية عن الحشيش
(والحشيش هو رمز لغياب الوعي، والشعب الذي يتعاطاه يريد أن ينسى واقعه وهمومه. هو نوع من الهروب. والقائم بتوزيع الحشيش يريد أن يغيب الوعي لدى الشعب، بمعنى سياسة تجهيل مقصودة، والسبب أنّ مصر أكبر دولة عربيّة ولذا يُراد تغييبها،
وذلك عن طريق
شخص يتعاطى الحشيش صادفته البطلة وقصّ عليها حياته، وكيف تعاطاه، وكيف قتل عن طريق المسؤولين عن توزيع الحشيش)
كما وصلت إلى اسطنبول وتحدّثت عن برود أهلها. وبعدها انتقلت إلى برلين البلد العلماني حيث وجدت الحقيقة الواضحة وهي أنّ العرب قد تخلّوا عن القضية وأنّ أيّ عراك يجب أن يكون متوازيًا لتستقيم المعركة. هذا وتحدّثت عن فتاة تدعى ألين حاولت أن تأخذها عشيقة لها، في إشارة إلى انتشار المثلية الجنسية و ظهورها على مسرح الحياة بقوة، وهي تجربة صعبة مرّت بها. ثمّ انتقلت إلى الكويت، وهنا تكتب بألمٍ عن دولة عربية تتعامل مع الفلسطيني بفوقيّة وعنصريّة من قبل الدولة لا الشعب. أيّام تمرّ، ثمّ تتنقل إلى بغداد العراق بلدها الثاني، كيف لا والعراق حسب قول الكاتبة فتح أبوابه لكلّ لاجئ فلسطينيّ، وقدّم له الجنسيّة فيما تمّ نبذه وقهره وظلمه من باقي الدول الشقيقة التي تشفق على الفلسطنيّين كَليبْيا واليمن ولبنان. وبعدها انتقلت إلى لندن وعادت إلى بلدها وتفاجأت بجثّة أخيها على السفينة. وتتحدث هنا عن ألم الفراق، فراق الأخ الذي اعترف في آخر رسالة لها إنّه يشعر بالغربة، وإنّ الإنسان الحقيقي لا يشعر
بالأمان إلّا في أرض وطنه ولو كانت أرض دمار .
عادت إلى وطنها بجثّة أخيها. وبعد وفاة أخيها ومرض والدها وبضغط من عمّتها قرّرت الارتباط بإياد وهو أوّل عريس تقدّم لها حتّى تصبح حسب قولها مقبولة اجتماعيًّا. فالمرأة حسب الأعراف ناقصة، ودائمًا تحتاج إلى أن تكتمل، ونصفها الآخر هو الرجل.
الرجل في الرواية تُظهره الكاتبة بعدّة وجوه. فهناك الخائن كزوج خالتها، وهناك القاتل كحازم، وهناك المهاجر والقتيل كأخيها إبراهيم، وهناك الصديق الزميل الأخ، الزميل العاشق الحقيقي والمدافع عن حبيبته في كلّ مكان وهو آدم، الرجل بكلّ ما للكلمة من معنى.
هذا وتطرّقت الرواية إلى أحداث تاريخيّة مهمّة في عصرنا الحالي كحرب أوكرانيا وتأثيراتها، جائحة كورونا، قضيّة سجن جلبوع، مقتل الصحفيّة شيرين على يد الاحتلال وعدم محاسبته. كما تطرّقت إلى أوضاع اجتماعيّة يعاني منها الشعب الفلسطيني من انهيار التعليم، وتشرّد الأطفال.
هذا وطبعت في دفّتَي الرواية حالات نفسيّة عديدة ستتوصّل لها من خلال متابعتك الدقيقة لكلّ
الشخصيّات التي وردت في الرواية، الأماكن، الأزمنة المختلفة، الألم، العشق، الهروب، النسيان، العناق…
وفي ختام الرواية ينتصر الحبّ الحقيقيّ وتظهر براءة حواء وترتبط بحبيبها آدم. ولكن تتركه وحيدًا بعد أن تركت له فتاة يعيش لأجلها ويضحّي …
في نهاية قراءتي أعلن ميلاد أديبة فلسطينيّة في مصر تغرّد لنا بحرفها…
__
_صدرت الرواية عن دار صفقات كتابيّة للنشر والتوزيع في البحيرة في ١٩٨ صفحة من القطع المتوسّط، وقدّم لها الأديب الفلسطيني هاني سالمي. وكانت الكاتبة قد أرسلتها قبل طباعتها لإبداء الرأي،
فكانت هذه القراءة.
خاصية التعليق غير مفعلة - يمكنك المشاركة على مواقع التواصل الاجتماعي