،، مهاة ،،الشعر: من قصيدها يتضوّع عبق الحياة
بقلم سعد الله بركات .
عرفناها مديرة ، لكنها أميرة ،…أميرة قيم ورؤى ، محمولة على ثقة وهي تنثر أزاهيرها تحفيزا ودعما، أو تذليل عقبات ونصحا ، فليس بوسعك إلاّ أن تغبط وهو ينساب في الذهن على نحو شفيف رفيف كما اسمها .
كان ذلك قبل 4 عقود ونيّف ، حين قادتني المهنة في محاسن صدفها ، إلى معرفة د. مها قربي حين تسلّمت إدارة الإعلام الطلابي ، وكنت معدّا للبرنامج الإذاعي وكاتب زوايا واستطلاعات صحفية .
نعم ،، مها ،، كما اسمها لغة وصفات ، فهو من الأسماء العربية القديمة، ،، جمع مهاة ،، نوع من الظباء ،، أو الدرّة واللؤلؤة ، تراها تجمع بجدارة ما وسمه علم النفس من صفات حامل الإسم :” قيادية طموحة ،لكن بسعي لبلوغ الهدف ، وبذكاء وتخطيط ، ينمّ عن سعة ثقافة ورؤية ، محمولة على تواضع جم ّ، مرفوقا بوفاء الصداقة والتوادد “، ،لقد عايشنا كل ذلك ولمسناه، لكن لم نكن نعرف أنها شاعرة ،ولها من اسمها كلّ النصيب.
كيف أنسى موقفها ، يوم قست لهجة رئيس المكتب الجديد بما لا يفترض ، لتأخري قليلا عن أول اجتماع معه ، وأنا المتنقّل من سرفيس إلى ميكرو ، هو كان في الإدارة السابقة ، وكنّا على معرفة ، حينها تحدّثت بهدوئها المعهود ، كفّت ووفّت مثنية على عملي، قبل أن تطوي بيدها برفق كتاب استقالتي وكانت معرفتنا في بداياتها، …أما إشادته فيما بعد بمهنيتي عبر أخيه ،فلم تحل دون تركي العمل …
بعد حين من تباعد مكان العمل ومجاله ، ولتقصير منّي انقطع التواصل ، حتى إذا لمحت اسمها ويراعها يتضوّع شعرا على صفحات مجلة ،،أزهار الحرف،، الغرّاء تلاقت مبادرتنا في التواصل ، ليعبق وفاء الودّ محمولا على عبارتها الأثيرة ،، صديق الزمن الجميل ،، التي خفّفت وجعي، وقد جاءت غداة رسالة مطابقة من صديق عتيق .
سرّني جدا ماقرأت ، ورحت أمتّع الروح بأشعارها العذبة ، لغة و أفكارا وقيما ، رحت أداوي الغربة ، بموسيقى شعرية حالمة بالحب والسلام ..كيف لا وأنت تقرأ :
((جاء الصباح…هيّا
انطلق
افرد جناحك
وانطلق
كفراشةٍ
نحو وهج من لهب .
ذاك وهج الشمس
لا تخش أحدا.
……..ّ………
هيا ..انطلق ….
رفرف
وغرّد
مثل حسّونٍ صغير….
مثل نحلات الربيع
عانق العبق …وحلّق .
………….
ليس أجمل في الصباح
من تراتيل السلام
والتحايا والدعاء
في الصباح تشرق الأرواح
تلتقط المدى مثل
شهقة.
والندى
مثل رشفة
والحبّ مثل قبلة .
والوجوه الطيبة
مثل بسمة.
كلها تنشد الخير
وأحلى الأمنيات
…………
**
والإبداع عندها ليس تكلّفا،بل بوح بفكر ودلالات ،كما تفصح في قصيدتها ،، نزال في العشق ،،:
((فالشعر عندي بعضٌ من أحاديثٍ
لاشدّوه قصدي ولا النظم يعنيني
أُطلقه حين القلب من مُلْهِمٍ يشدو
لعل من يصغي للبوح يفقهه
لا أملكُ حرز القوافي
ولا خضت البحور غماراً من تفاعيلٍ
لك جماع القول
ولي دلالته
لك التأويل والقصد
ولب الشعر يعنيني))
****
بعيدا عن عروض الفراهيدي وقيودها ، ومن ينابيع المجتمع والحياة ، تطلق شاعرتنا بوحها الوجداني في فضاء شاسع ، تراه الأمل يحدوها ، وهل من إبداع بلا عاطفة أو حلم ؟!! تقول في قصيدة ،، في انتظار الفجر ،، :
((يتعبني شوقي إليك
وأعلم أن لامفرّ
منكَ إلا… إليكْ
…………..
ماكنت وحدي ولا كنت وحدك
كان المكان صغيرا جدا
سريراً ولهفة
لهاثاً وقبلة
اشتعل الفراغ بوهج الحضور
راحت يداك تلامس وجهي
أحسك أقرب وأقرب وأقرب
واعرف أن الفجر قريب
وأن اشتعال النهار
سيطفىء نار السعير))
**
هوذا سحر الرومانسية ، يأخذك بعذوبة لغة ، وسلاسة أفكار محمولة على لوحات وتراكيب لمّاحة ، إلى عوالم الحياة ، ربّما صقله تخصّصها الأكاديمي في الأدب الفرنسي ، وتدريسه في الجامعة ، وقد نشرت بعض قصائدها بالفرنسية في مجلتي ،،الفاصلة ، والموقف الأدبي ،، ومنصة ،، ترجمة بلا حدود ،، لكن من دون أن تبتعد عن واقع وطن رصدت بعض جوانبه كما في قصيدة ،، تداعيات ،، :
((كان يوماً متخماً بالحكايا
وضجيج أخبار
عن ازدياد أعداد الضحايا
عن حروب تصطاد الفرائس عن بعد
عن انفجار سيارة مفخخة وقتلى
عن لغم يحصد فلاحاً يرعى خرافاً
عن عصاه وهي تنغرس في خاصرة حقل لتتحول شاهدة قبر .
كان يوماًمفعماً حتى الثمالة
بكل أحاسيس الغضب…
حزن …ألم…وجع
قهر ..تعب
من الوقوف في الطوابير
للحصول على الرغيف
أو جواز سفر ..))
*
محنة الوطن لاتشغل شاعرتنا عمّا حوله ، عن فلسطين التي تحيي ،، الأمل من قلب اليأس،، :
((الأمل ….هو
اليأس من يأسٍ.
يا لأحزاني
كم تحتاج ثقباً هائلاً
كي يبتلعها..
هل تراها ليلة
قريبةً؟!؟!
نصحو بعدها
من هول صدماتٍ شديدة
في مواعيد
لانملك فيها
غير الجروح النازفة….
………………
الموت في وطني
انتظار مقلق
لأمل شاحب
فهل نغادره ؟؟؟
لنحلِّق
كطيور القُبَّرِ
فوق الحقول الراعشة
فنحتمي بالنرجس البري
وشقائق النعمان.
…………
ليس للأحلام
تاريخ انتهاء..
فلنحاول مرةً أخرى
هو المساء
يدنيني من صقيع
الجثث
فأركض هادرةً مثل ريح
على صراط الكلمات
علَّني أخرج
من صدمتي
فأستعيد سلامي
وعزلتي والوضوح
وأرى الأشياء
في وضح النهار
لا دم يغرقها
ولا أشلاء
فهل سيأتي يوم
كل ما فيه سلام؟؟!؟
****
شعر ،، مها،، كان له صداه في منابر مهرجانات عدة ، كما جال في عديد منصات الميديا الإلكترونية ، وملتقياتها الأدبية ، وخاصة (العربي اليوم ، وأزهار الحرف ) . وقد ورد اسمها في أكثر من موسوعة أدبية عربية وعالمية ترصد نتاج الأدب والشعر، ولعلّها تتحف القراء بطباعة بعض من نتاجها الثرّ الثمين .
خاصية التعليق غير مفعلة - يمكنك المشاركة على مواقع التواصل الاجتماعي