دراسة نقدية حول كتاب ( الحب لا يتكلم كثيراً) للشاعرة سعاد الناصر
بقلم الشاعرة : زينة حمود
عنوان الدراسة : سعاد الناصر بين الحب والوطن
أول ما يلفت نظرنا في المجموعة الشعرية للشاعرة العراقية سعاد الناصر هو اختيار العنوان (الحب لا يتكلم كثيراً) ؛فما هو الحب ؟ الحب كلمة تتألف من حرفين الحاء والباء ولكنّها تحمل في طياتها مجموعة متنوعة من المشاعر الإيجابية والحالات العاطفية والتي تحتاج الى الكثير من الكلام للتعبير عنها ،!فحب الأم أو الأخت يختلف عن حب الزوج أو الزوجة أو الصديق …ويختلف كل الاختلاف عن حب الوطن والأرض والمقدسات.
وهنا استطاعت الشاعرة سعاد بقدرتها الإبداعية وبالصور البديعية وحسن اختيار الألفاظ إلى تحويل الحب الى كائن بشريّ فاستعارت الكلام من الإنسان ونسبته إلى الحب مع اختلاف بسيط أن هذا الشخص قليل الكلام وربما أرادت أن تقول بمعنى آخر أن الحب أفعال لا أقوال…
وعبرت الشاعرة سعاد الناصر من خلال مجموعتها الشعرية (الحب لا يتكلم كثيراً) عن الحب بكل أنواعه حب الله ورسوله وآل البيت الأطهار
حب العائلة(الأم ،الأب،الزوج ،الابنة،الحفيدة)
ففي قصيدة( لأنك علي) تقول :
سيظلُ اسمكَ رايةً خفاقةً ويعيدُ في كل النفوس وفاقاً
وفي قصيدة (رجال صدقوا) تقول:
نفسي فداكَ أيا سليلَ نبينا أضحت لكمُ كُلُ الحناجرُ تهتفُ
وللاب قالت : أنت فخري يا أبي
وللأم قالت : أمي ربيع حياتي ….أنت حياتي ولا حياة بدونك …
وتنوعت النصوص الشعرية بين نصوص اعتمدت على الوزن والقافيو وشعر التفعيلة وقصيدة النثر فحافظت الشاعرة على الموروث مع تطلع إلى التجديد .
وتميزت لغتها بالسلاسة مما يقربها إلى مسامع المتلقي وبالوضوح والواقعية والبعد عن الغرابة كما استلهمت الشاعرة سعاد بعض المفردات والتراكيب التي استخدمها الإمام الحسين حين تحدثت بقصيدتها (كلمة )قائلة :
الكلمة نور
وبعض الكلمات
تبقى دهور
تفرحك كلمة
تحزنك كلمة
فاختر لنفسك كلمة
وأسعد نفسك بكلمة
فما الحياةُ إلا بعضاً من سطور ….
ولا تكاد تنتقل من قصيدة لأخرى إلا وجدت نفسك تغوص في أعماق وأحاسيس الشاعرة التي ترسمها من خلال الكلمات…
ومما سوف يتوقف عنده القارىء في هذا الديوان هو غزارة الحقول المعجمية التي تتعلق بالحب والوطن :(حب وإصرار) ،(حب لا ينتهي)،(بحبهم نحيا )،(تجليات الحب )، وللوطن تقول :(إليك أغني)
بالحبُ يا بغدادُ يجمعُ شملُنا في دوحةِ الإخلاص سِرُّ إخاء
وفي رسالة من القلب تقول :
فلا فتنةٌ فرقتنا وكانت دُروس المحبةِ نبعَ الإخاء
كما لا حظنا تكرا ضمير المتكلم ( أنا ) في معظم القصائد ويدل هذا على أن الشاعرة تتحدث عن تجربتها الشخصية وحالتها النفسية ومشاعرها الذاتية : أنا أمرأة_أنا هنا_ أنا امرأة عاديةجدا_ أنا امرأة عربية_أنا الأميرة _أنا بحر متلاطم الأمواج_أنا أسكن في حدائق عينيك _أنا أدركُ أنكِ هديتي في السماء وما بيننا حاء وباء _أنا أسافر_ أنا شاعرةٌ أهبُ النجومَ لجيد حفيدتي ….
وفي التراكيب والصيغ لاحظنا اعتماد الشاعرة على النداء في الكثير من النصوص وتكاد لا تخلو أي قصيدة من النداء والغاية من هذه النداءات هو جذب انتباه المتلقي الى الشخص المنادى أو طلب جوابه أو للدلالة إلى مكانة المنادى الرفيعة : يا سيد الخلق_أيا سليل نبينا_يا آسر كل القلوب_يا أيها المغوارُ_ يا بغدادُ_أمي ياء نداء…
هذا وعمدت الشاعرة الى التنويع في الأفعال بين الماضي (حطمَ_قالت_ وصل_سطرت_غرست_تمددوا_تدلى…) مما يساهم في سرد الحوادث والذكريات.
والأفعال المضارعة التي تدل على الاستمرار والتجدد في النصوص كما في قولها بالمضارع المرفوع:(أروم_يهتف_سيظل_يعرف_يضيء_….)
المضارع المنصوب:(لأقولَ_كي يدخلَ_ليشتعلَ…)
المضارع المجزوم: لم تبقَ _لم أجدْ_ لم يخجلوا….)
بالاضافة الى استخدامها أفعال الأمر التي تعكس إنفعال الشاعرة كما في قولها: (خذْقلبي_كنْ عيدي_اكتبْ لنا_إئذن لي بالدخول_اسمعي_اشربي_سلوا_حاذروا…).
أما الجمل فتنوعت بين الجمل الاسمية والفعلية وبين الخبرية والإنشائية مع غلبة للجمل الإنشائية ومنها الإستفهامية والتي تعبر عن القلق الوجودي الذي تعيشه الشاعرة:
أين المفر؟ هل أبوحُ؟ يا فارسَ الحزنِ ألا ترى؟
ماذا أبوحُ من الأسى لا أعرفُ؟
ما الذي يُسعدُ امرأة مثلي ؟
أحقاً سنذهبُ للحبيبة ّ ؟ ونحلقُ في الفضاء ؟ ونفترشُ السحاب ؟
هذا ونوعت الشاعرة سعاد الناصر في الصور البيانية فاكثرت من التشابيه : أهيم كالمجنون_شفتاك كالربيع_ كطفل وديع_ كطود شامخ_ شعر منساب كنهر سواد _كطلة الصبح أو كالنور في الحدق…
والاستعارات : أجر الخيبة السوداء_تبتسمُ لنا الشمسُ_ أدوّن فوق السحاب روايتي _سرق الدهرُ بعض نبضي….
أما في الصور البديعية فغلب الطباق: ننتمي اليها#نرحل عنها_يبدأ#يختم _
الأخضر#اليابس_ بيني#بينك_ تشرق#تختفي_الحياة#الممات_ غالب#مغلوب_لم أخلق#خُلقتُ…
وأن استخدام الصور البيانية والبديعية يهدف الى تجميل المعنى وتزيين الكلام وإضفاء رونق على النصوص والسمو بها إلى عالم الخيال.
كما يلفتنا في هذه النصوص افتخار الشاعرة واعتزازها بنفسها وقدرتها على المواجهة ويظهر ذلك من خلال الشواهد التالية:
_أنا من حملتُ رؤى الكتاب بخافقي كالأم تحملُ طِفلها في منكبِ
_لكِ أسوةٌ يا حلوتي
في جدة
كانت بلتغتُها دُرِرْ
وقفَت كطود شامخ
والخصمُ قد فقدَ الأعنةَ
واندحرْ …
_سرقتُ قلبكَ
وكنتُ فيه الاميرة
ساحرة مثيرة …
_أنا شاعرةٌ أهبُ النجومَ لجيد حفيدي قلادة … لذا في الختام يمكن القول أن هذا النتاج المميز يعبر عن هواجس الشاعرة وتأملاتها وأشواقها وذكرياتها وحبها للوطن بكلمات ثائرة خالدة ،فهي المؤمنة باهمية الكلمة والقائلة: الكلمة نور وتبقى لدهور والكل يرحل والكل على سفر وما الحياة إلا بعضا من سطور….
خاصية التعليق غير مفعلة - يمكنك المشاركة على مواقع التواصل الاجتماعي