رشؤها أَيْنَعَ في عين الجبل
توفيق أحمد
نائب رئيس اتحاد الكتاب العرب في سورية
هي من حصةِ الأجداد
الذين تَقَاذَفَتْهُمُ الجهاتُ
وهي مِنْ ذاتِ بصمةِ الدَّمِ
وهي جنونٌ كامنٌ
لم تَلْحَظهُ ماضويَّةُ الغابةِ
رغم بصيرةِ أشجارها الثاقبة
طَوَّعَها تُفّاح صوتي
وأدارَها صوب ارتداءِ خطيئةٍ ما
خطيئةٍ خارجَ عقوبات المألوف
يا لَكم أحاطت بها المواعظُ
ولكنّها رَمَتْها بالازْوِرَار..
في هضبات مَسْقَطِها
لا يوجدُ سوى الغزلان
وطمأنينةِ الصوفيّة
هكذا يبدو لهم
ولكنْ ما بدا لها ولي
أنَّ أباليسَ من التمرُّدِ
تَختبئ في عباءات
الذين يُظَنُّ أنهم غافلون
هَرَبَتْ بنفسِها إلى نشيدٍ آخر
وأَلْبَسَتِ العُزلةَ ثَوْبَ الفشل..
حَمَلَتني على رُدُهاتِ ضميرها
بينما كنتُ سادراً في متاهات العواصم
أتْعَبَها الحنينُ إلى نهاراتي
ويا ليتها لم تَلْتَقِها
هي امرأةٌ بصيغةٍ
تَغْرَقُ نصوصُ الأنوثةِ في أصابِعها
وهي كَوْنٌ كاملٌ من الإصغاءِ
لنداءات الرجال..
هي أكثرُ من واحدةٍ
وتُتْقِنُ فُنونَ الوصْلِ وقَطْعِهِ
وتستطيعُ أَنْ تحمل كثيراً من الأعاصير
على روابي مشاعره الوقّادة
تَتْعبُ كثيراً
ويسوؤها أن ترتاحَ
إلاَّ جانبَ مدفأةِ حبيبها
الذي رماه الزمنُ
في الضفَّةِ الأخرى من الوادي
وهذا يحصل كثيراً وقليلاً
مكتويةٌ بالانتظار والهواجس
تَشْعُرُ بالإحباط وليس بالخوف
تقطف ثمارَ عُرْي الجراح
وتهاتِفُ حبيبَها البعيدَ
تنتقي من الذواكرِ
أجملَ ما قيلَ في الحبّ
وأكثرَهُ تناسُباً مع قَلقِها
كبرياؤها العنيفُ ينزلقُ أحياناً
بيدٍ واحدةٍ
تلوِّحُ بالتوحُّدِ والافتراقِ معاً
وأسوارُ الحياةِ تستديرُ حولها
أعتقدُ أنها تنسى رأْسَها
عندما يمتلِئ بالحبيبِ البعيد
في قريتها التي تُزَيِّنُ تلك الجبالَ
يوجدُ قطعانٌ للغيم والفراغِ والألوان
ويُعَنْوِنُ الطُّهْرُ رؤوسَ الساكتين
لا يُريدون إحداث صِدامٍ
إلاّ مع الأحلام البعيدة
الخُسرانُ الدنيويُّ يلفُّهم كالجبال
ولكنهم لا يعبؤون بالأرباح العابرة
أحزانُ التاريخ وإشكالاتُهُ
تندلع ما بين الصخرةِ والأخرى
ولكنهم يحافظونَ على مزاج الطبيعة
ويُقاتلون دفاعاً عن إقفارِ المسافات
وغياب صُداح العصافيرِ
وهم يعرفون ما يفعلون
أعودُ إلى التي احترقَتِ انتظاراً
للفارس الذي سطا على مُقَدَّراتها
وهو خارجَ ساحات الميدان
وأعودُ إلى بُنْية قامتِها
التي صاغَتْها التنانير والزوفا والطّيّون
تُريدُ أن يَحْتَضِنَها النَّزَقُ
ومداهَمَةُ الرجلِ المُزَنَّر بالحريق
وتُريدُ مَعَهُ لها الغفران..
ذلك القابِعُ جنوبَ القلب
أصبحَ دليلاً على هَذَيانِها
واحتلالِ أساورِها وكُحْلِها وبريقِها
يا لَبَساطَتها التي خَدَعَتْني..
إذْ لا توجدُ امرأةٌ في الدنيا
إلاّ ويفور في أعصابِها ودماغِها
كُلُّ الأشكالِ التي تؤدي إلى فهم الحياة
بالمفاهيمَ التي تعجُنُها وحدَها كخميرةٍ..
قولي لقلبِك أن يصعَدَ تلكَ القمّةَ
ويحتسي الصَّبْرَ
والإقلالَ من صناعةِ الأساطير..
عودي إلى آفاقِك الأولى
ليَسْقُطَ هذا الحبيبُ كنجمةٍ على مساحاتِكِ
لا تَنْدمي على أي سلوكٍ لم يُعْجِبْكِ
تصالحي مَعَ كلِّ ما حولَكِ..
وسيأتيكِ فارساً على صهوةٍ من ضوءٍ
يبحث عن إيقاعاتِكِ
وقيعانِ الحنينِ في ما تبقَّى
وستقودين خطاهُ إلى حيث يريدُ الحبّ..
لا داعي للندم
فالأشياءُ الأولى هي التي أقامَتْ
كُلَّ هذا الحوار وهذا الحُبِّ..
خاصية التعليق غير مفعلة - يمكنك المشاركة على مواقع التواصل الاجتماعي