قراءة في كتاب “نقوش من الذاكرة”
في الحقيقة أن تناقش هذا الكتاب يعني أن تغوص في رحلة البحث عن الجمال ..يعني أن تختار عن أي جمال تتكلم ..
هل عن جمال الشعر ؟ ام جمال القصة ؟ ام جمال المقالة ؟
وهل تتكلم عن جمال الأديبة ام الشاعرة ام الناصحة الحكيمة ام الأم ام المعلمة ام الحكيمة .
ففي مضامير هذا الكتاب تكتشف كم أن الأديبة جمال متعلقة بتراب ارضها وبكل تفاصيل كل شارع في بلدها ..كم أنها شغوفة بمهنتها وكم تعتبرها رسالة سماوية في صناعة الأجيال ..كم نجدها مرتبطة ارتباطا وثيقاً بمجتمعها الذي تسعى دائما على التغيير والإصلاح فيه .
في هذا الكتاب الكثير من الجمال من حيث المواضيع المتنوعة التي اختارتها الكاتبة والتي جمعت فيها علم الإجتماع والنفس والفلسفة والتي لعبت فيها دور الناصح والقاص والمرشد . فنجد ان الإنسانية هاجسها وتناولت كل قضاياها بطريقة موضوعية وعقلانية وحيادية ففي نصوصها الإجتماعية او المقالة قد اتخذت منحى الجاحظ من حيث الموضوعية أما من حيث النصوص الفلسفية فقد نصّتها في قوالب منهجية فيها الصيغ اللغوية والبرهنة لأهداف سامية .
الكاتبة جمال من الناحية البحثية نجدها تبحث عن قضايا إنسانية تكاد تنسى وتختفي في مجتمعنا وكأنها قامت بدور التذكير بها لأنها تمس أفراد المجتمع وتطور علاقاتهم فيما بينهم فتناولت الإخاء والصداقة والغيرة والتواصل الاجتماعي والطلاق وآثاره والمواطنية …
كما أنها استندت إلى الشواهد من اقوال الأدباء والحكماء والشعراء كي توثق فكرتها بالبراهين ولتكون أكثر إقناعا للقارىء فيتماهى معها وينتهي به المطاف بتأييدها حرفا حرفا.
أما القصة فقد سردتها بكل شفافية وبساطة وابتعدت عن المشاهد الوصفية والصور الفنية وذلك لأن همها أن توصل الغاية والموعظة من خلال قصتها التي نقلتها من الواقع إلى الورق .وهذا ما يسمى بالأدب الواقعي الذي همه ان يضّوي
على آفة ما وتصحيحها أو ظروف قاسية لأشخاص للحث على احترامهاوالعمل على تغيير مفاهيم خاطئه .
هنا نرى الأديبة وكأنها تنتمي إلى فئة الأدباء الذين ينتمون إلى مدرسة “
Le naturalisme »
وكم كان الحوار في قصصها عاملا لتقصير مدة السرد وإغناء المعنى والمغزى فعندما تكلمت عن قهوة ابو علي كانت ترمي إلى تقليد في البلاد العربية وهو الإجتماع في المقهى للتحادث إلا أنها وجهت انتقادا لأولئك الذين يهدرون الوقت دون جدوى .
وفي قصة الطالب عمر ,أشارت إلى ضرورة احترام الوضع النفسي والإقتصادي والإجتماعي للطالب والعمل على عدم إحراجه .
أما في القصة والحوار مع ” عادل”
الذي كانت تنصحه بالإبتسامة نتذكر قصيدة إيليا ابو ماضي حين قال : قال السماء كئيبة وتجهما
قلت ابتسم يكفي التجهم في السما
وقد استخدمت الكاتبة العبارة ذاتها وغيرها من القصص والأفكار التي نسجتها على شكل نثري قصصي لعبت فيه دور المرشد الإجتماعي والطبيب النفسي وكأنها كانت تقدم نصائحا في مواجهة تلك العوائق.
الحديث عن هذا الكتاب يطول من حيث تنوعت فيه الأنواع الأدبية وانا كقارئة كنت اتمنى لو كان قد اقتصر على نوع ادبي محدد وأنه قسم إلى عدة كتب وان يكون للقصص الحصة الأكبر لأنها فعلا قد رويت بانسياب وصياغة جميلة .
القراءة في هذا الكتاب ماتعة فالعناوين تجذب القارىء وتحثه إلى قراءتها وتدعوه إلى أن يتأمل في كل المواضيع وإن يتماهى مع محتواها الفكري والثقافي بسبب الأسلوب الإنسيابي والسهل الممتنع في السرد والوجدانية الراقية في الشعر والإقناع والبرهان في المقالة .
وفي الختام , أبارك للكاتبة جمال عبيد هذا الكتاب الذي يوازي مجموعة كتب لما يحتويه من تنوع ونشكرها لأنها لم تبخل علينا بكل المواضيع والمفاهيم وهذا يذكر بقول فريديريك نيتشه:
لا تخشَ من رجل يملك مكتبة ويقرأ كل الكتب التي فيها بل اخش الإنسان الذي يمتلك كتابا واحدا ويعتبره مقدسا ولا يقرأه ولا يجعله بمتناول الآخرين “
أبارك لك الكاتبة والشاعرة والباحثة الإجتماعية ( وهذا اللقب أطلقته عليك ) لأني وجدت أن وسواسك القهري وهاجسك الجميل هو اصلاح المجتمع والإنسانية .
وأقول لك عبر منصة ملتقى الشعراء العرب وازهار الحرف ان كتابك ” نقوش من الذاكرة ” نقش في ذاكرتنا وفكرنا متسعاً ومزيدا من الأدب والثقافة وان اسمك البهي لن يغادر الذاكرة والقلب .
مع تحياتي
الشاعرة آمنة ناصر
السبت ١٦ كانون الأول ٢٠٢٣
خاصية التعليق غير مفعلة - يمكنك المشاركة على مواقع التواصل الاجتماعي