لافت أن يكون الشعر هواية ، ولافت أكثر ، ألاّ تغرق المهنة صاحبها في تفاصيلها والمشاغل ،فتئد بذرة الإبداع …،فكيف إذا احترف مهنة المتاعب !.مثلما سنرى من تجارب ونماذج لكوثر دحدل ، توفيق أحمد و عبد الحكيم مرزوق .
أن تكون صحفيا حقيقيا ، فهمك ليس فرديا وحسب، وإنما معجون بهموم الناس ، وأن تكون أديبا مبدعا ، فطموحك مركب من طموحاتهم ، أما أن تجمع بين الصحافة والإبداع الشعري ، فذاك يضاعف مهمتك ، ويلقي على منكبيك مسؤوليات جساما…..
لكنّها ازدواجية محببّة بين مهنة وهواية لا يستطيعهما أي إنسان ، المهنة هنا ترفد الشاعر بمعطيات ومؤشرات لآفاق وأعماق ، أمّا الموهبة الشعرية ، فتراها فسحة راحة تارة ، أومحرّضة على أفكار أو سبل المقاربة ، وبلغة صافية من صفاء النفس الشاعرية ..،على نحو ما كان عبقري الصحافة والأدب حنا مينه .
الأدب والصحافة توأمان بحسب عبد الغني العطري ، [أديب الصحفيين وصحفي الأدباء ] كما وسمه د.غسان الكلاس في عنوان لكتاب عنه ، وقد اختط ّنهجه ، كما الروائي وليد رباح رئيس تحرير جريدة صوت العروبة ، وأحمد بهاء الدين ، عبد القادر المازني ، وأنسي الحاج …، وكما زميل الجامعة والمهنة الصديق الأثير ،،حيدر علي ،، الذي فارقنا مبكرا ، قبل أن يرتوي ، أو يروي ظمأنا من قيثارته الشعرية..
يرى الصحافي المصري محمد زكى عبد القادر، أن “الصحفي هو عين القارئ على العالم، والأديب هو عين نفسه….. غاية النجاح للصحفى أن يسبق الحوادث ، وغاية النجاح للأديب ألا تفوته دلالتها”، والصحافة مدرسة حياة كما يرى الروائي عبده جبير :((الصحافة علّمتنى …وضعتنى فى معترك الحياة وأثرت تجربتى الإبداعية ..)) .
الأديبة والصحافية ابتسام عازم تقول : ((أما الأدب فساعدني فيما يخصّ الصحافة بتأطير النصّ بشكل جذّاب ، وككاتبة في المجال الإبداعي والروائي، تعلّمت أنْ استمع وأهتم بالتفاصيل الصغيرة إن أردت الاقتراب من الأشخاص )) ، وأخيرا وليس آخرا الأديبة والكاتبة الصحفيّة غادة السمّان.
من يقرأ أشعار الزميلة كوثر دحدل ، يتلّمس مزاوجة راقية بين قلم يغرف من واقع الناس ، محرضا على تحسينه ، وبين قلم مبدع يحلق في فضاء إنساني :
يا امرأة أثقلتها
الأنوثة والرقة
يا زهرة شذاها
يعطّر المكان
……. ……….
أذبلتك حكايا..الزمان
أتعبت أوصالك
ترّهات الأنام ……
مفاجأة كوثر ، أنها ليست حديثة الموهبة ، بل منذ الصغر ، أحسّت بما يدفعها إلى صوغ أفكارها على وقع دلالي خاص ، وعاما بعد عام ، راحت موهبتها تنمو وتتفتح ، أزاهير شعر وموسيقى:
على نغمات الناي
ونفحات ألحانه
تتموج مع نسمات …الربيع
حنّ القلب لأيام
الوداد وطيب ..الهوى ….
ما قيمة الإبداع إذا لم يكن للناس ، الإبداع الشعري تحديدا ،لا يتألق ويأخذ مداه ، إلا بين الجمهور سماعا وتذوّقا ، أو قراءة وحوارا ، فيصقل ويغتني ، وإلّا فهو كلام وترّهات :
كلام كثير
هراء بهراء
لا معنى ..لا إحساس
………………
تكاد تصرخ الكلمات..
من رصفها ووصفها
على لسان أصحاب ….المعجزات
………………
لو كان لها لسان
لنادت من الأعماق …..أنقذوني من الترّهات……
ومن آه على ثرثرات ، تلوذ كوثر أو تعود إلى آه حبّ مركبّة للشام ،مرابع الصبا والعمل والذكريات :
بالحب آه يا دمشق. ..…بالحزن آه يا دمشق
دمشق يا أم المدائن …ياقصة زمان
أنت الوطن
مطبوعة بكتاب …محفورة بذكريات
أنت النجوى والمنى
دمشق يا فرحة …شبّ و صبية
فيحاء يا قصة عشق
ياهمسة حبّ رتّلها بردى …
أنت عنوان الشآم ……
عاطفة صادقة شفيفة رفيفة ” مسكونة في القلب “
((مسكونة في القلب حروفك
منسوجة بشغاف الحنين
تعزف ألحان الزمان والمكان
تصدح بآهات الحب والشكوى
ترتل نبضات الفجر وتهمس
بسكون الليل و صمت الحياة
…………..
أحلما عشنا أم يقينا
كأني خلقت للحياة قربانا
وللهوى هوا وللحنين أشجانا.
نتاج كوثر الشعري واكبه شعراء ونقاد من غير بلد عربي ،الشاعر والناقد والإعلامي ناصر رمضان ، رئيس ملتقى الشعراء العرب ، ورئيس تحرير مجلة ،، أزهار الحرف،، المصرية لفته يراعها من أول نص قرأه لها فراح شعرها يتضوّع من صفحات ،،أزهار الحرف ،، لأنه :” ،، كوثر،، [ معناه العذب والخير الوفير] لغة ومعنى ، أسلوبا ومبنى ، قيما ورؤى شاعرية ، تنثر أزاهير الأمل أمام الناشئة ، وهي تغوص في عمق قضايا المرأة العربية لترفع لواء نصرتها وإنصافها “.
الأديب والناقد السوداني صلاح صالح ، تذوّق قصائد كوثر ،فتلمّسها رقيقة المشاعر :((…فيها البوح الشعري غالب ،والتناجي ناصع ، والنبض واسع، يتواتر مع الروح في فضاء مدهش )) ، وحين توقّف عند نص،، صحوة ،، قال إنّه : (( راق ،عالي الجودة والإحساس ، فيه من البوح الشعري ، ركيزة يتّخذها من القلب وصحوته..افتتاحية عميقة تترى بهدوء دون تشنّج…أمسكت الشاعرة بأدواتها وفكرتها في سبر أغوار النفس ..نص عندما قرأته أصابتني عبرة ، وكاد أن يطفر دمعي ، هنا الصدق الأدبي والفنيّ ، كاتبته متمرّسة ،وأغبطها عليه ..))، وهي ترتّل:
،،وللقلب صحوة
وأي صحوة
للماضي للحاضر
…..
نبضات هنا ونبضات هناك
يهتاج ويستكين
يداري العقل قليلا
لكن يفلت بعضا من
زمام الوصال….،،
الناقد اليمني فتحي المقرب ، يخاطب الشاعرة بشغف الدهشة : (( أيّ قلم بديع هذا الذي تحرّكه أناملك فينثر السعادة !!..، وأي فنّ تملكين أميرة الهمس الراقي !!؟ كشتلات نعناع ، منعش حرفك ….يرد الأنفاس عطرا لطيفا ،.. ويفوح أمطار محبة .. تعزف على وتر القلب …فتنبض الشرايين عذبة مع كل حرف من حروفك !!. )) وهو يعني على الأخص قصيدة ،، أجمل الحروف ،،:
في رحاب الحروف
طاف عشاق….
والنبضات ترقص حينا
وتتهادى حينا
……
ونوارس تهاجر
مع عبارات المحبين
إلى الزمن اللا محدود
وأنا أترقب الحروف
تغزل من الآهات
أناشيد وقوافي….
الشاعر الأردني صابر الهزايمة ،جذبته ((جمالية الصور الشعرية ، والحساسيّة المتقدة )) في نصوص كوثر ، مثلما جذب أ.نسرين المدهون من فلسطين (( بوح شفيف وحرف بهي رقيق المشاعر )) .
حروف كوثر حسب الشاعر العراقي عقيل الجابري :(( ..ذو ترانيم شجية ،خلقت للجمال من بين أناملك…كلماتك رائعة ، تعانق السماء بشذى الياسمين ))، ومواطنها الشاعر علي هواري ، يرى نصوص ((المبدعة كوثر، ساحرة المشاعر ، رائعة الجمال ، كما يحدث أحيانا ،حينما تحضن الأرض القمر ..)) قبل أن يغرّد مواطنها الشاعر أكرم وردة :(( ما أجمل التوق ،والأغصان جفّت لتعصر من السراب ، ماء الحياة الروحية ،تزهر خمائل فردوسها بالغرام ظبية )) ..وهو يخصّ عباراته عن قصيدة ،،أتوق إلى السماء ،،:
أتوق إلى السماء
أنتظر غيثا”
جفت أغصاني
والقلب يكابد
اللوعة و الفراق
تربتي أضناها الظمأ ..
جذوري تخاف الفناء
بعض قطرات من حب
تعيد النبض
فتورق
أزهاري بعد عناء…
ولعلّ ما يؤكد شغف الشاعرة باللغة مانظمته خصيصا ل ،،لغة الضاد ،،:
،، منك نهلت عبير المعاني
وبحروفك عبرت الحياة
……..
أنت يا أقدم اللغات
يا أبجدية الأباة
……
لغتي يا نجم اللغات
……
فيك الإعجاز
والإبهار صفات …،،
نالت شاعرتنا عشرات التنويهات والتكريمات من ملتقيات أدبية سورية وعربية ، فهلاّ تسارع شاعرتنا كوثر دحدل ، إلى نشر باكورة أعمالها ، لتتحف القراء بعبق قصيدها ، تعويضا عن تأخّر استثمرته في إغناء تجربة واعدة بالمزيد …، فهي اسم على مسمى بما يعنيه الكوثر من عذوبة وخير وفير…
خاصية التعليق غير مفعلة - يمكنك المشاركة على مواقع التواصل الاجتماعي