حاوره سعدالله بركات ، الناقد الأكاديمي والمحامي السوري د.أحمد مبارك الخطيب: النقد الأدبي يعاني من أزمة كبيرة
بين بحر وجبل ، بين ساحل اللاذقية وصلنفة. بين فضاء وسع المدى ، وذرى شامخات تاريخا وحضارات ، يعيش د. احمد الخطيب ، متعة البحث ،أطلق شراعه في بحر الأدب ،وعاد بصيد ثمين ،ولج النقد من بابه الأكاديمي، وراح يتفحّص كتب القانون متنكّبا إحقاق العدل ، في مزاوجة فريدة نعم د. الخطيب ، محام وأديب ، حمل الوزنتين ، فكان أهلا لهما ، رسالة الحق والعروبة ، دفاعا قانونيا ، ورسالة الفكر والأدب رقيّا وجماهيرية ، أهلا بك ضيفا عزيزا في مجلة ،، أزهار الحرف ،، لتنثر درر أفكارك ورؤاك الأدبية والنقدية فيتضّوع أريجها لقراء صفحاتها .
*اهلا بك أستاذ سعد الله ، وتحياتي الى قراء مجلتكم الوازنة.
س١. ربما تكون الوحيد يجمع بين والقانون و الأدب ، عملا وتخصّصاأكاديميا ،لا هواية ،ما يعني أنك حامل الوزنتين ، كيف تمارسهما معا في وقت واحد؟
*سبق لي أن وضحت أكثر من مرة، العلاقة بين المحاماة والأدب . هما مهنتان مغريتان ، في الأدب تدافع عن الكلمة الحرة المبدعة وتحارب الابتذال فيه ، وفي المحاماة أنت مقيد أكثر بسلطة القوانين ، الوصول الى الحق من خلال المحاماة ليس سهلا . ولكن إذا حصلت عليه فالمتعة كبيرة ، بغض النظر عن الأتعاب ،كلتا المهنتين تحتاجان إلى الاجتهاد والموقف الصادق ، وتقديم الأفضل .
س٢.المتابع لكتاباتك ،يلفته اهتمامك بالمتنبي ، ما وراء ذلك ؟
*مبدئيا رسالتي في الدكتوراه كانت في الانزياح الشعري عند المتنبي . وهذا بحدّ ذاته محرّض دائم لاستكمال بحوثي عنه ، إضافة إلى ذلك ، فإن المتنبي شخصية بارزة جدا في التراث العربي ، وتحمل غنى ، ليس في الشعر فقط ، بل في ميادين ثقافية أخرى . هو رمز في البطولة والتعبير عنها ، هو رمز في التزام المبادئ العظيمة لم يحد عنها في حياته ، هو رمز متقدم في العروبة ، وقد زرع في رحمها إيمانا عميقا بها ، ولّد ثقافة لم تزل تطاردنا وتشعرنا بالتقصير .
أودّ أن أشير الى أن نصّ المتنبي الشعري، هو الأغنى الذي تجد فيه الدراسات الحديثة ضالتها ، ومنها نظرية الانزياح الشعري التي كانت موضوع دراستي ..
س٣.في خضمّ اهتمامك بشعر المتنبي ، طرقت بابا أحسب أنّ أحدا في سورية لم يسبقك إليه ، وهو الجانب العاطفي ، أي حبّه لخولة ، فهلاّ أوضحتها للقراء ؟
* الجانب العاطفي عند أبي الطيب، أحد ألغازه المحيّرة . لم يتعرّض القدماء إليه إلا نادرا جدا . ولكن المدارس النقدية الحديثة تؤكد على النصوص ذاتها في قراءة ما غمض ، وهو ما استندت إليه بشكل رئيسي . لقد سبق أن رثى المتنبي ، قبل تأبينه خولته ، والدة سيف الدولة وأخته الاخرى ، وحصل ذلك في أوج العلاقة بينهما ، فكان رثاؤهما أقل حرارة ، وهو أقرب إلى الرثاء العادي . لكن خولة توفيت في الفترة الباردة بينهما بعد رحيله عن حلب ، ما الذي جعله يؤبنها بهذه العواطف الساخنة التي لم نشهدها قبلا في شعره وفي شخصيته ، حاول إقناع نفسه بأن الخبر كاذب حين سمع به ، وحين تأكّد منه انفجر باكيا ، وسالت دموعه مدرارا ، ولم يأبه بماضيه الذي لايقره على هذا السلوك ، وإنما أرسل دموعه على سجيّتها . ولايكون ذلك إلا نتيجة حب جارف وعميق . القصيدة ذاتها تحدّثنا بذلك مثل قوله :
((طوى الجزيرة حتى جاءني خبر فزعت فيه بآمالي الى الكذب .
حتى إذا لم يدع لي صدقه أملا. شرقت بالدمع حتى كاد يشرق بي
………
لا يملك الطرب المحزون منطقه ودمعه وهما في قبضة الطرب *))
.
تراه نزّهها عن أن تكون كأية امراة أخرى . وما ذلك إلا نوع من الهيام المكبوت ، الهيام الذي حرص طرفاه الكبيران أن يبقياه سرّا دفينا ، والآن جاء موتها ليكشف ذلك الغطاء السميك عن هذا الحب الكبير .
أمر آخر ، حين ترك المتنبي حلب ، كان على وشك أن يقتله بعض بطانة سيف الدولة ، ولكنه لم يخرج منه كلمة نابية او حاقدة او ناقمة تجاه سيف الدولة ، واكتفى بإظهار حزنه وأسفه وعذابه ، معاتبا فقط ، واستمر على ذلك مدة بقائه في مصر ، لماذا ؟ أرى أنه حين تحدّث عن غربته في مصر كانت خولة حاضرة معه هناك ، وأنه لم يكن يريد قطع العلاقة مع سيف الدولة ، لأنه كان يمهد لخط الرجعة الى حلب حيث الحبيبة الأثيرة الوفيّة الصابرة .
س4.كنت من السباقين في تناول ” أدب الفيسبوك” بدلالة
مقالاتك العديدة عن شعر الفسبكة ، وأحسبك أول الدارسين الجدييّن لهذه الظاهرة التي تشبه تسونامي ،هل لك أن توضح لنا ذلك؟
* نعم . سعيد بسؤالك هذا . شعر الفسبكة ، وأقصد به الشعر الذي يكتب على صفحات التواصل الاجتماعي ، هو شعر كالطوفان ، غزير جدا ، ولا يخضع إلى أية شروط ، الجميع يحاولون الحصول بواسطته على لقب شاعر بأسهل مما يتوقّع ، ومعظمهم ليس لديهم ثقافة شعرية أو أدبية ، وليس لهم خبرة في الوزن أو الإيقاع ، ويجهلون قواعد اللغة العربية وأساليبها ، ومع ذلك فما يسمونه قصائد تحظى بإطراءات و إعجابات عديدة ، تنصبّ على شخص القائل وليس على النص ،وهذه المشكلة تتفاقم باستمرار .
وقد كتبت مقالات عدة عن هذه الظاهرة ، وبيّنت أن النقد غائب عنها ، وأنّ النقد الأكاديمي والنقاد المرموقين يترفّعون عن دراسته ، ما يشبه وضع النعامة رأسها في الرمال .
س5.في حوارك مع د. آسية يوسف مديرة ملتقى عشتار الثقافي رأيت أنّه لاخوف على القصيدة العمودية ، هل لديك شيء آخر تضيفه إلى رأيك هذا ؟
*التجارب الشعرية التي انحصرت الآن في ثلاثة أنماط من الشعر ، وهي القصيدة العمودية ، وقصيدة التفعيلة ، وقصيدة النثر ( وأفضل استخدام مصطلح النثيرة ) ، وهذه الأنماط حاضرة في الساحة الشعرية ، وهي تزيد الشعر غنى كبيرا . مع الإشارة إلى أنه مضى على التجارب الشعرية الحداثية أكثر من سبعين عاما ، لم تنهزم فيها القصيدة العمودية ، وماتزال حاضرة بقوة في المحافل الشعرية ، ومن الصعب تصور انسحابها من الميدان ، بل هي تواكب التطور المطلوب وتحظى بشعبية كبيرة . ولا بدّ من الاعتراف أيضا بأن قصيدتي التفعيلة والنثيرة تمتلئ بهما الصحف والدوريات ، ويزداد انتشارهما وأنصارهما .
كيف ترى
س6.كيف ترى حال النقد الأدبي ؟
* النقد الأدبي على صعيد العالم العربي يعاني أزمة كبيرة . وفي الوسط الذي أعيش به يكاد يكون معدوما ، الشعر يتورّم ، والنقد يضمحل . و هذا الجو لا يريح الناقد ، فمن غير المعقول أن يلتقط أنفاسه وسط مئات القصائد التي يضخها شعراء من مختلف الفئات . الناقد دوره تقويمي بموضوعية ، لديه أدوات بواسطتها يأخذ بيد الشاعر ، فيشير الى مواطن الضعف لتلافيها ، وإلى مواطن الإبداع لتعزيزها . ولكن قلّة العاملين في النقد الأدبي يزيد الفراع النقدي . ومن جهة أخرى ، فهناك فساد في النقد ، كجزء من الفساد المسيطر ، يتمظهر بالمحاباة والإطراء المبالغ به ، والاقتصار في ذلك على الجوانب الإيجابية . أما الجوانب السلبية فقد تخلق أزمة بين الشاعر والناقد .
هناك من يقول إن كثيرا من المقالات النقدية مدفوعة الأجر سلفا . وبناء على ذلك فإن الأزمة في النقد ستتضخّم في المراحل القادمة .
س7.ما قصتك مع حرف ،،القاف ..ق،، ؟
حرف القاف الذي تعرّض الى ظلم كبير في اللغة العربية المستخدمة . وحين كنت أدرّس في جامعة جازان في السعودية لفتني أن السعوديين في جميع مناطقهم ، ولا سيما مكة والمدينة ، لا يلفظون حرف القاف إلا جيما مصرية ، وحاولت أن أجد تفسيرا لذلك فلم أجده . كما أن البيئات العربية المدنية في سورية ولبنان ومصر تحوّله الى همزة بكل فخر ..بينما في دول المغرب العربي يلفظونه صحيحا . وقد كتبت مقالا عن مظلومية حرف القاف ، وطالبت فيها بإعادة الاعتبار إليه هههه.
كل الشكر د. أحمد لهذه الإطلالة القيمة على صفحات مجلة،، أزهار الحرف ،،.
د. أحمد مبارك الخطيب :
— حاصل على شهادة الدكتوراه في الأدب و النقد من قسم اللغة العربية في جامعة حلب .
— عضو هيئة تعليمية في جامعة تشرين منذ العام 1987 حتى العام 2002 ، وقد درّس خلالها عددا مقررات قسم اللغة العربية .
أستاذ مساعد في قسم اللغة العربية من كلية الآداب في جامعة جازان
في المملكة العربية السعودية من العام 2004 حتى العام 2010
له كتابان مطبوعان هما :
— الانزياح الشعري عند المتنبي .
— الإنشاد والغناء في الشعر الجاهلي .
وله عدد كبير من الدراسات النقدية والثقافية العامة في الدوريات المحكمة وغير المحكمة
— يعمل الآن محاميا في قصر العدل باللاذقية ، ويمارس الكتابة في الأدب والنقد ، كما يحاضر في المنتديات الثقافية
===============
* الطرب :الحزين ، والطرب : الحزن
خاصية التعليق غير مفعلة - يمكنك المشاركة على مواقع التواصل الاجتماعي