قراءة في كتاب “استروبيا” للكاتب د. محمد فتحي عبد العال
بقلم الشاعرة والمترجمة اللبنانية تغريد بو مرعي
في عالم يعج بالتحديات والتجارب المختلفة، تظل القصص القصيرة مصدرًا للإلهام والتأمل، حيث تعكس تجارب البشر وصراعاتهم وانتصاراتهم. تجوّل معنا في صفحات هذا الكتاب لنستكشف معًا مجموعة من القصص التي تروي تجارب مختلفة للبشرية، من تحديات الحياة إلى لحظات الفرح والألم. تختلف هذه القصص في مواضيعها وأبطالها، لكنها تشترك في رسالتها العميقة التي تتحدث إلى الروح وتثير العقل.
تأتي القصص بأشكال متعددة لتلامس القلوب وتشد الأذهان، فهي تعتبر نافذة تفتح على عوالم مختلفة، ومرآة تعكس صورة الإنسان ومجتمعه. من خلال القصص، نتعلم دروسًا قيمة ونكتسب فهمًا أعمق للحياة ولأنفسنا. إن قوة القصة تكمن في قدرتها على إلهام الأفكار وتشكيل المشاعر والمواقف التي تبقى مع القارئ طويلاً بعد إنهاء القراءة، وأهميتها في قدرتها على توصيل رسالة معينة، سواء كانت تحمل عبرًا اجتماعيًا أو رسالة شخصية للتأمل والتعمق. تعمل القصة على توجيه القارئ نحو تفكير جديد، أو تحفيزه لاتخاذ إجراء معين، أو حتى تقديم رؤية جديدة لواقع معين، أو تحفيز المشاعر والعواطف. إنها وسيلة لنقل الخبرات والحكمة من جيل إلى آخر، وتسليط الضوء على قضايا تهم الإنسانية بصورة ملهمة ومؤثرة، معززة القيم الإنسانية الأساسية مثل العدالة، والصدق، والإيمان بالنفس وبالآخرين. إنها وسيلة للتواصل العميق بين الكتاب والقراء، وبين الإنسان وذاته، وبين الإنسان والعالم من حوله.
فلنستعد معًا للانطلاق في هذه الرحلة الرائعة مع “استروبيا”: مجموعة من القصص القصيرة، للكاتب د. محمد فتحي عبد العال، لنختبر سحر الكلمات وقوة القصة في تحول حياتنا وتوجيهنا نحو آفاق جديدة من الفهم والإلهام.
صاغ الكاتب تجارب إنسانية بلغته ورؤياه، عبّر عن ذاته وسط صراعات وجوديّة فكريّة، تلك الذّات الإنسانيّة التي تحزن وتسخر وتثور وتتألّم، وترى الكون من حولها بعيون ناقدة متمرّدة على السلبيات والجرائم والظلم والشرور.
لم يستخدم الكاتب الرّمزية تعبيرًا عمّا لا يمكن أن يقال مباشرةً، بل كشف الوقائع الحقيقية وتداعياتها وما يترتب عليها، ليصيغها صياغة لغوية مترابطة منسجمة مع المفردات مشكّلاً لوحة متكاملة الإبداع، يكتبها بأسلوبه السردي التعبيري الرائع، فنحن أمام كاتبٍ غير نمطيّ، مبتكر، متميز يبني قصصه ويفتح آفاق القارئ لإدراك أهمية تلك المواضيع ليتماهى ضمنيًا مع أفكار الكاتب يسقطها على نفسه بطريقةٍ أو بأخرى.
وما الأوجاعُ التي صقلَت الشخصيات السردية في النصوص إلا أوجاع متفرقة ، منها ما سببه الفقدان، ومنها ما سببته الخيانة ،وأخرى بسبب الأهواء ، وغيرها من الأوجاع الإنسانية التي تسجّل مشهدًا من مشاهد الفجيعة، بأسماء الشخصياتِ الوهمية وأحداثها المأساويّة .
لا شك أن الانسان يحتاج للاتّزان، للأمل ، للحياة ، فيدورُ الكاتب بالقارئ حول الحياة، والإنسان هو الحياة نفسها، وهو شريك الأمل، ورفيق الطّريق، يقدّم الكاتب الإنسان بشفافيّة، تجده في نهاية القصص يربت على الكتف الموجوع ويستمر بالبوح.
يلفت انتباهنا قصة الفرح، القصة التي تحمل في طياتها العديد من العناصر المؤثرة والمثيرة للاهتمام، مثل الحب المحرّم والخيانة. يمكن استخدام هذه العناصر لإثارة مشاعر القارئ وتشويقه. فالخيانة عمل يتسم بالغدر والخداع، وهي قادرة على تحطيم الثقة والعلاقات بين الأشخاص. تأثير الخيانة يمكن أن يكون عميقًا ومدمرًا، حيث يشعر الشخص المخون بالألم والحزن والغضب. يفقد الشعور بالأمان والثقة في الآخرين، ويصاب بالشك والارتباك في العلاقات القادمة. قد يؤدي ذلك إلى انهيار العلاقات القائمة وصعوبة بناء الثقة من جديد في المستقبل، فكيف وأن الخائن هنا هو صديقة عمر البطلة .
قصة النسيان، من القصص القصيرةالتي تأثرت بها جدًا ، فهذا الأب الذي أفنى عمره بعد وفاة زوجته في تربية ابنتيه ، وحين كبر وأصبح بحاجة لهما، لم يجد أي منهما بجانبه، وهذا حال العديد من الآباء و الأمهات الذين يُتركون في وحدة خانقة، ينتظرون حتى رنة هاتف … ألهذه الدرجة تأبط النسيان ضمير الأبناء!؟..
“استروبيا” عنوان الكتاب له دور هام في جذب انتباه القارئ وإثارة فضوله لمعرفة محتوى الكتاب. يجب أن يكون العنوان لافتًا للنظر ويعكس جوهر المحتوى بشكل ملموس وجذاب. عندما يكون العنوان جيدًا، يمكنه أن يلفت الانتباه ويحفز القارئ على فتح الكتاب واكتشاف ما يحتويه.
كلمة “استروبيا” تعني في اللغة اليونانية القديمة ” “وهم” أو “صورة مغلوطة”، وغالبًا ما تُستخدم في الأدب والفلسفة للإشارة إلى وهم أو صورة زائفة يخدع بها الفرد ويتصور أنها حقيقة.
بالتالي، يمكن القول بأن استروبيا ليست إيجابية، بل هي سلبية بالأساس، حيث تختلف عن الواقع الحقيقي وتلتوي الحقائق وتشوه الواقع. ومن السلبيات في استروبيا أنها قد تؤدي إلى الخداع والسذاجة، حيث يصعب على الأفراد تمييز الحقيقة من الوهم والتعامل مع الأمور بشكل مناسب وعقلاني. كما قد تؤدي استروبيا إلى اتخاذ قرارات خاطئة أو اتجاهات غير ملائمة بناءً على صورة غير حقيقية للأمور.
لذا لا يمكن أن يكون لاستروبيا أي أثر إيجابي على النفس والعقل، وأحيانًا كثيرة يتجاوز تأثير استروبيا الفرد ليمتد إلى المجتمع بأكمله.
إن القصص القصيرة الهادفة تعتبر وسيلة فعّالة لتقديم النصائح والحكم، حيث تسلط الضوء على مواقف وشخصيات قادرة على تحفيز التفكير والتأمل. من خلال سردها، تعكس هذه القصص قيمًا وأخلاقيات تساعد القارئ على تجنب الشر والظلم في حياته وعمله.
فعندما يقرأ الشخص قصة قصيرة، يمكن له استنباط العديد من الدروس والحكم التي يمكنه تطبيقها في حياته اليومية. فمثلاً، قصة الفرح تتحدث عن الخيانة بين الأصدقاء ، يمكن للقارئ أن يستنتج أن لا يأمن لصديق أو قريب بشكل مطلق، فهذا الصديق قد يضمر الشر مثلما حصل مع صديقة البطلة التي كانت تعمل بالسر وتخون صديقتها. بهذه الطريقة، تساهم القصص القصيرة الهادفة في توجيه الأفراد نحو السلوكيات الإيجابية وتشجيعهم على تجنب السلوكيات الضارة، مما يساهم في تحسين جودة حياتهم وعملهم.
“استروبيا”، عنوان يحمل في طياته عوالمًا متنوعة من القصص المشوقة والمليئة بالحكمة والعبر. كل قصة في هذه المجموعة القصصية لها روحها الخاصة ومدلولاتها العميقة، تصحب القارئ في رحلة مثيرة تتخللها مفاجآت وتحولات مثيرة. يستحضر الكتاب في أسلوبه وهدفه رسالات تصل إلى القلوب والعقول، محملة بنوع من الاستروبيا، حيث تتجلى الحقائق الخفية وتتراقص الحكمة بين طيات الكلمات. الكاتب عبدالعال من خلال قصصه المتنوعة، يسلط الضوء على جوانب مختلفة من الحياة، ويوجهنا نحو تفسيرات جديدة للواقع والإنسانية.
يا ترى ما هي نسبة الوقت والجهد الضائعين في العالم اليوم وكل يوم .. ما هي نسبة حياتنا التي ستكون استروبيا في الطوابير والازدحام والإهمال .. أتمنى أن نفلح في تقليص آثارها على حياتنا وحياة الأجيال القادمة .. وهناك ما هو أهم من ذلك، أتمنى أن تفك استروبيا الشرور حصارها عن الضمائر والإنسانية ….
تغريد بو مرعي
شاعرة وأديبة وإعلامية ومترجمة لبنانية مقيمة في البرازيل.
خاصية التعليق غير مفعلة - يمكنك المشاركة على مواقع التواصل الاجتماعي