و راحت تمشي في طريقها لا تلتفت يمينا ولا يسارا، إلى أن وصلت إلى المكان الذي أشار إليه . فتقدّمت بضع خطوات و هي تجول بنظرها بحثا عن الناسك فرأته يجلس على صخرة ينظر إلى السماء و يتفكّر ، غير شاعر بما حوله ، فأمسكت بخمارها و غطّت وجهها به ، و راحت تقترب منه شيئا فشيئا و هو في شغل يناجي ربّه. و لمّا وصلت إلى بعد خطوات منه قالت له : ” طاب يومك أيّها الرجل الصالح.”
بدت على وجه الناسك علامات الانزعاج، فمن هذا الدخيل الذي قاطع خلوته ؟ و لكنّ انزعاجه لم ينل من عزم جنّات مثقال ذرّة . وفي الوقت الذي كان يلتفت فيه ليرى من المتكلم حسرت خمارها عن وجهها و ابتسمت ابتسامة ملائكيّة . و ما إن وقعت عينا الناسك عليها حتّى تعوّذ بالله من جمالها و فتنتها .ولكنّه لم يلبثْ أن أشاح بنظره عن وجهها مرغما، و راح ينظر إلى الأرض و قال بصوت متحشرج :” أهلا بك ، لأيّ شأن جئت ؟”
فردت بصوتها العذب :” لقد سمعت عنك الكثير، و جئتك من أقصى المملكة و كلّي أمل بأن تحلّ مشكلتي .”
فسألها وهو لا يرفع نظره عن الأرض : ” وما هي مشكلتك ؟”
فردّت عليه بصوت حزين منكسر :” أنا فتاة ذات حظّ سيّئ ،أينما توجّهت صادفت النحس في طريقي ، فلا يتمّ لي أمر ، و لا أجد خيرا في أيّ شيء أفعله ، وها قد بلغت الخامسة و العشرين من عمري و تقدّم لخطبتي الكثير من أعيان المملكة و وجهائها ، و لكن لم تكتمل بالزواج لي قصّة ، ولم أنل من السعادة حصّة .
و في يوم من الأيّام مرّ على قصر والدي حكيم عرك الحياة و عركته ، و نال من علوم الأوّلين ما جعله مستبصرا وعالما بجلّ الأمور، فأخبره أبي بقصّتي وما بي ، فأسرّ الحكيم في أذنه بأنّ ما يجري لي هو بسبب مسّ حاقد ، و أنّه لن يخلّصني منه سوى ناسك زاهد .”
خاصية التعليق غير مفعلة - يمكنك المشاركة على مواقع التواصل الاجتماعي