صورة
انتصار السري صديقي ذلك الشاعر, إنه شخص غريب الأطوار, نعم غريب الأطوار, فقد كان دائم الحديث عن حبيبته, عندما كان يتحدث عنها كنت أصفه بالغبي, لا أتجرأ على قول ذلك, كنت أحدِّث بها نفسي فقط, أجل غبي فهو حتى لا يعلم اسمها كاملاً, يذكر لنا أنه التقى ذات يوم في محل التصوير مع عائلتها وهما أطفال, وتصور معها, هو ما زال يحتفظ بتلك الصورة حتى الآن, يصفها بأنها أجمل طفلة رآها.
يشعرك أحياناً بالضيق وهو يصف حسنها, يمضى وقته معنا لا أقول كله بل أغلبه يمتدح جمالها, يتغزل فيها يكتب أشعاره, يسهب في وصف شهد شفتيها فتصدق أنه تذوق ذلك الشهد, هو تارة يبحر في سحر رونق عينيها حتى إنك تتخيل تلك البحيرة التي تبحر في عينيها.
صداقته لي ليس لأني كاتبة جيدة كما يقول لي أحياناً فقد أصدقني قوله ذات مرة حين قال:
- إن لعينيكِ نفس بريق عينيها.
كنت أسعد لقوله ذلك وتمنيت لو كنت أنا هي, نعم لقد تمنيت ذلك!! هذا بالإضافة إلى أنها تحمل اسمي نفسه. هذا ما جعله يتعلق بي أكثر, غير أنني لا أستطيع القول بأنه أحبني, كم أُصاب بالإحباط عندما يتغزل فيها ويتجاهلني!! أنا التي بقربه, كيف له أن يحب فتاة ويترك أنثى جميلة مثلي!!
إنني أشعر بضيق عندما يجلس معنا ويشركها في جلستنا, يتحدث عنها كأنها صديقته المقربة, في حقيقة الأمر أنا لا أحقد عليها, لكن أضيق من تصرفاته فهو لا يشعر بي!! رغم أنني لم أفض له بمشاعري نحوه.
الصراحة هو شخص يستحق أن يحب, فله فتنة وجذب!! طويل نوعاً ما, له شارب مرسوم بعناية, ورغم أن شعره قصير فإنه ساحر!! أجل ساحر.
كما أنه يهتم باختيار ثيابه بعناية مفرطة, يدفع نصف راتبه لشراء الثياب الأنيقة.
في يوم حدثنا أنه وجدها وأنها أتت إليه, كان سعيداً وهو يسرد لنا كيف التقاها وكيف أمضى وقتاً لطيفاً معها, كيف طوقته وكيف أمضيا ليلتهما الأولى معاً, تلك الأحداث كانت تثير نفوري وحنقي منه, عندما سألناه كيف وأين وجدها؟ قال ضاحكاً: - إنها قصة نسجتها من وحي خيالي ليوم لقائها.
وفي يوم قرر السفر للبحث عنها في المحافظات ولكي يهرب من ملاحقه والديه له بالزواج!! عندما واجهاه بأنه يعيش في وهم, واحتمال أنها قد تكون ميتة منذ زمن, أو فارقت الحياة نتيجة حادث ما, أو تهدَّم منزلهم نتيجة لسقوط قذيفة أيام الحرب, قد تكون أصابتها طلقة رصاصة طائشة وقد… وقد… يومها غضب مني لأنني أتحدث عن حبيبته بتلك الطريقة, غضب بشدة حتى إنه ظل يقاطعني لفترة طويلة, أكاد أجزم أنه أحمق.
مرت سنوات وتزوج من فتاة أخرى حسب قوله من عائلته لكي يرضي والديه, لم ينجب منها أولاداً فهو لا يشعر نحوها بشيء غير البرود, إنهُ لا يحبها, ولا يطيق قربها منه, تثير نفوره نحوها.
عند مرضه رفض زوجي زيارتي له في المستشفى قال كيف أزور رجلاً غريباً مع علمه بأنني لستُ وحدي من يزوره, كان يشعر بشعوري نحو صديقي لذلك كان يغار منه, لكني زرته وفي يوم إصابته بالذبحة الصدرية زرته في منزله حالته كانت قد ساءت كثيراً, ولأول مرة أزوره في بيته, ولجت غرفته الكئيبة بعض الشيء, زوجته امرأة عادية لا تعيره اهتماماً بالغاً, أثاث غرفته جميل, فيه لمسة كلاسيكية محببة لي, لون الستائر بلون السماء, الإضاءة لا بأس بها, لوحات معلقة في جدران غرفته, في إحدى الزوايا كانت هناك شماعة يعلق عليها ثيابه آه منها تنبعث من بينها رائحته التي تسحرني فيما مضى, على السرير سكن جسده المنهك, عيناه غائرتان, شحوب يرتسم على ملامح وجهه الجميل, آآآه كم أحببت ذلك الوجه, تبسم لرؤيتي كان سعيداً لقربي منه, على طرف الكومودينو الذي بجوار سريره كانت هناك صورة قديمة ببرواز كلاسيكي جميل لطفلين جميلين, حقاً إنهما جميلان, الولد جالس على الكرسي والفتاة على حجره, نظرت نحو الصورة بفضول, دققت في ملامح الفتاة .. ثم نظرت نحوه بدهشه قائلة: - ما الذي أتى بصورتي عندك؟!
كاتبة من اليمن
خاصية التعليق غير مفعلة - يمكنك المشاركة على مواقع التواصل الاجتماعي