وهو ينظر إليها بشغف يزداد مع كل ثانية . و مرّ الوقت و الحديث يجرّ حديثا، إلى أن كاد وقت الصلاة أن ينقضي . و هنا تذكّر الناسك صلاته بعد جهد ، فانتفض من مكانه يتعوّذ بالله و يستغفره . و اعتذر من جنّات و استأذنها ليصلّي ، و يذهب بعدها إلى حيث جرت العادة على أن ينتظره فيه الناس من كلّ أنحاء المملكة يلتمسون بركته و حكمته ، و يستمعون إلى كلامه و عظاته .
-” لا بأس سأنتظرك هنا حتّى تعود .” قالتها جنّات و هي تضحك بدلال .
و صلّى الناسك صلاته ساهيا لا يدري من الوله كم ركعة صلّى ، و من ثمّ توجّه يجرّ رجليه جرّا إلى المملكة ليعظ الناس و يدعوهم إلى الزهد ، و يخبرهم بأنّ على الإنسان أن يسلك الطريق إلى الله مهما تكبّد ، و لكنّه أحسّ بأنّ قلبه هذه المرّة عليه تمرّد .
و كان أثناء سيره يتباطأ في مشيته ، يقدّم رجلا و يؤخّر أخرى ، حتّى وصل إلى المكان المقصود .
تحلّق الناس حوله من كلّ جانب ، هذا يقبّل طرف ثوبه التماسا للبركة ، و ذاك يطلب دعاءه لتيسير أمر تعسّر عليه ، و ذلك يستشيره في مسألة خطيرة، إلى أن بدأ يلقي خطبته .
و للمرّة الأولى ، منذ أن سلك طريق الزاهدين ، و صلّى صلاة العارفين الخاشعين ، كان كلامه مختصرا خاليا من الروح ، لا حياة فيه لمن تنادي .و لاحظ الناس بأنّ شيئا في كلام الناسك تغيّر ، و أنّه بات في أمره مسيّرا غير مخيّر .
أنهى الناسك كلامه المقتضب، و ترك الناس في هرج و مرج ، و عاد مسرعا إلى صومعته ، و لكن هذه المرّة ليس من أجل العبادة والصلاة ، و إنّما حرصا على لقاء جنّات ، التي كانت تفرك الحجر وتنادي رعدا و تسأله الحضور.
و هنا انتهت حكاية جنّيّتنا مع الناسك الزاهد ، الذي ما عاد قلبه بالمخلص العابد .
و في فناء القصر الكبير ، كانت الملكة بُروق تستقبل جنّات و هي تحمل مفتاح الحكمة الثاني ، و تشكرها على عملها المتفاني .
خاصية التعليق غير مفعلة - يمكنك المشاركة على مواقع التواصل الاجتماعي