جواد العقاد، شاعر وكاتب فلسطيني مواليد199٨، رئيس تحرير صحيفة اليمامة، باحث في الفكر والنقد، ماجستير في النقد الثقافي، له ثلاث كتب الأول ديوان شعري على ذمة عشتار صادر عن دار نشر سمير منصور، والثاني ديوان شعري مقام البياض صادر عن دار الشارقة لنشر والتوزيع، والثالث تأملات في الصوفية الجمالية.
حاورته من غزة روان شقورة.
………………………………………………..
- كيف بدأت الكتابة في عمر مبكر، وهل ترى الزمن عامل مؤثر في الإبداع عموماً والأدب خصوصاً؟
بدأت الكتابة بمعناها البسيطة في مرحلة مبكرة من حياتي إذ تميزت في مواضيع التعبير المدرسية التي كانت تنال إعجاب المعلمين مما يدفعهم للعناية بي بصورة خاصة من خلال دعمي لإنجاز كتابات أخرى وفتح باب النقاش في محاور عدة واقتراح قصائد وكتب لقراءتها، أذكر أن معلم اللغة العربية في الصف التاسع طلب من الطلاب كتابة موضوع تعبير عن “الربيع العربي” وتوقف عند موضوعي وطلب مني قراءته أمام الطلاب فأعطاني حافزاً كبيراً للنظر في طريقة كتابتي التي عرفت أنها مميزة ولا بد من استثمارها. ولا شك أنه مع مرور الزمن أصبحت كتابتي أكثر خصوبة وخصوصية، فالتجارب الحياتية والمعرفية لها أثر كبير في إثراء الإبداع وجعل النص مفتوحاً على مساحات واسعة ودلالات ثرية.
صحيح أن العمر البيولوجي ليس مقياساً للإبداع على الإطلاق إلا أن التجريب في الحياة والمعاناة عامل مهم جداً في اكتمال الإبداع. وأنا في هذه الحرب (حرب غزة 2024م) اختبرت أهمية التجربة في الأدب والإبداع، فإنها تعطي اللغة حرارتها وصدقها العاطفي، ولم أتوقع إطلاقاً الوصول إلى هذا الحد من التجريب! نعم، تجريب المعاناة والنزوح، والوقوف الطويل على الطوابير لقضاء أبسط الأمور اليومية، والاستماع لقصص الناس البائسين والخائفين وتحليلاتهم السياسية أو بالأحرى العاطفية فكل شخص يقول ما يتمنى أن يحدث، في انتظار نهاية المشهد العبثي.
- كيف أثرت بيئتك على إنتاجك الأدبي، وهل تجد البيئة بشتى مناحيها تربة خصبة للإنتاج الأدبي؟ و من أين تستلهم مصدر كتابتك سواء الشعرية أو النثرية؟
أنا شاعر أكتب بضمير المفرد عن المجموع، لعل صوت الأنا واضح في نصوصي إلا أنه متماهٍ مع الوجع العام، فحين أكتب عن معاناة خاصة أو حزن خاص بالتأكيد أنه يلامس الآخر في أي زمان أو مكان ضمن المشترك الإنساني. ذات مرة قلت: ( الشاعر الحقيقي هو الذي يتوغل في ذاته فيلامس ذوات الآخرين). ناهيك عن أنني ابن قضية كبرى، قضية فلسطين، وصاحب إرث شعري ضخم كُتِب عن هذه القضية بل إرث إبداعي في مجالات متعددة، فأنا في المحصلة نتاج تأثر وتأثير خلق إبداعات وطنية وقومية عبر عقود.
- ما الفكر الذي تُحاول أن يصل إلى القارىء من كتابتك، وهل تعتقد نجحت في ذلك؟
الشعر الحقيقي ينبع من الداخل، فما يلامس إنسانيتي هو محل إلهام ودافعية للكتابة، ومهتمي إعادة خلق الأشياء وإنتاجها بطريقة لغوية جديدة مؤثرة. بصورة عامة: تستهويني الكتابة عن هوامش الحياة، وأريد أن يعرف القارئ أن الكتابة لا تحرر الإنسان أو الأوطان، ولا تعيد الغريب إلى وطنه، لكنها حين تكون جذرية وصادقة فهي حتماً الخطوة الأولى لذلك وأكثر.
- بصفتك عضو في اتحاد الكتاب والأدباء الفلسطينيين هل ترى الأدب الفلسطيني يعكس الواقع المُعاش للقضية ومعاناتها وآلامها؟ وهل تستطيع الكلمة أن تقف في وجه الآلة الحديثة المُبيدة؟
الأدب الفلسطيني مقاوم في كل حالاته وموضوعاته، لأن الكتابة فكرة وجودية ترسخ الهوية والكينونة. وبالتأكيد استطاع الأدباء والشعراء الفلسطينيون منذ وقت مبكر مواكبة القضية بكل مراحلها بصورة صادقة دقيقة – يضيق المقام عن استحضار نماذج وهي كثيرة- وقد حملت قصائدهم وإبداعاتهم أحداثاً مهمة في تاريخ القضية لا يمكن تجاوزها ولا تجاوز الأسماء اللامعة التي أبدعت وأسست لمسيرة طويلة من الإبداع الراسخ المؤكد لعدالة القضية.
الكلمة لا تستطيع مواجهة الرصاصة فعلياً غير أنها قادرة على تشكيل الوعي للتغيير الجذري حين تكون صادقة ومرتبطة بالقضية وفق إيمان عميق.
- تجربتك في الكتابة بزغت في ديوانك (على ذمة عشتار) من هي عشتار؟ وهل لها وجود حقيقي واقعي أم أنَّها مجرد رمز أسطوري؟
تجربتي في ديوان “على ذمة عشتار” تتسم بالعفوية والبراءة من حيث اللغة الهادئة والأخيلة والصور، وهي محاولة أولى لاختبار ماهية الشِّعر.. في تلك المرحلة كنت متأثراً بالمدرسة الرمزية؛ إذ يلاحظ القارئ وجود أسماء أو دلالات قصص أسطورية في سياقات عديدة. فكان عنوان الديوان متوافقاً مع مضمونه مع ارتباطه بمدلولات واقعية أو عاطفية لها علاقة بالجمال والأنوثة والطبيعة.
- لقد قرأت لكَ بعض من ديوانك الأخير(مقام البياض) ولمست التمرد في قصائدكَ، ما السبب وراء هذا التمرد الثائر؟ وهل ترى الثورة في الكلمة على الواقع لها صدها في التغيير الإيجابي أم أنَّها مجرد كلمة ثائرة؟
الكتابة الجادة هي بطبعها متمردة تسعى إلى تغير الإنسان وإحداث إرباك على المستوى الوطني والاجتماعي والعاطفي. وأعتقد أنني نجحت في فعل شيء من هذا القبيل في “مقام البياض” إذ ضم الديوان مجموعة من القصائد التي طرقت مواضيع إنسانية هامشية
كما ذكرت سابقاً الكلمة لها القدرة على التغيير الجذري للواقع بخلق الوعي حين تكون صادقة وذات قضية.
- لقد صدر لكَ كتاب(تأملات في الصوفية الجمالية) هل استطاعت تأملاتك أن توضح الصورة عن الفكر الصوفي؟ وهل تحمل في ثناياك فكرهم؟
في كتابي ( تأملات في الصوفية) فقد استطعت -بصورة ما- توضيح الفكر الصوفي إجمالاً وربطه بالأدب، وقراءتي في الفكر الصوفي خلال أعوام كان له أثر كبير على نصوصي الأدبية التي لا تخلو من النزعة الصوفية.
- كيف أثرت الحرب الأخيرة(طوفان الأقصى) التي ما زالت قائمة إلى هذه اللحظة الراهنة على حالتك النفسية، وهل انعكس ذلك على قلمك؟
تشير كتابات جيش الاحتلال على الجدران أنهم اتخذوا من البيت مقراً لهم من بداية شهر يناير تقريباً لحتى الانسحاب من المدينة. في هذه الفترة كانت يدي على قلبي خوفاً على حجارة الذكريات وأركانها، وأستطيع القول: كان خوفي على الكتب مضاعفاً؛ لأنه خوفٌ مشروع على مُكون أساسي لكياني العقلي والنفسي والاجتماعي، إذ إن تلك الكتب التي جمعتها خلال أعوام عديدة بعضها بإهداء كتابها وأخرى اشتريتها على حساب مصاريف أخرى -قد تكون أهم عند البعض- شكلت وعيي تجاه العالم و مفرداته، معها أدركت معنى الوطن والحب والحياة والتاريخ والإنسان ومعاني أخرى كثيرة.
تنوعت تلك الكتب بين الشعر والأدب والنقد والسياسة والتاريخ والإعلام والفلسفة والفكر، وكذلك المجلات القديمة النادرة، وكل كتاب منها (حوالي 2000 كتاباً ومجلداً) يشكل وعياً خاصاً وخلاقاً يقوم سلوكي وأفكاري في معالجة كثير من القضايا.
وقد كنت خلال المرحلة الأولى للحرب -قبل النزوح- حريصاً على متابعة القراءة بشكل كبير -ولا أبالغ إن قلت غير اعتيادي- مما دفعني لكتابة بعض القصائد آنذاك، كتبت وأنا غارق بين اللغة العالية والمشهد القاسي، قرأت وكتبت اعتقاداً بأن تلك ممارسة أنجو بها من المحرقة، ولحظة النزوح تركت كتبي تواجه المحرقة وحدها، تركتها للاحتمال، خرجت من النار سالمة حين ألقاها الجيش من رفوها إلى الشرفة لم يصلها حريق أجزاء من البيت إلا أنه يكتب لها النجاة من المطر.. وجدت الحبر يجري على الورق كالدمع ويحاول إعادة تشكيل الحكايا!
- ما رأيك بالملتقيات الأدبية عبر النت وخاصة ملتقى الشعراء العرب الذي يرأسه الشاعر ناصر رمضان عبد الحميد؟
هناك كتاب و أدباء وشعراء في الوطن العربي عموماً، ومئات من الكتب تصدر ورقياً وإلكترونياً، ولكن الإشكال العام في الفهم والوعي لدى القارىء المُتلقي وهذا نتاج التعليم والمنهاج عبر المراحل الدراسية.
الملتقيات الأدبية عبر النت هي وسيلة لنشر الثقافة والوعي ملائمة للعصر الحالي، لكنّها بحاجة إلى دعم وبذل جهود من ذوي الجهات والسلطات العليا… كل الشكر لشاعر ناصر رمضان عبد الحميد على بذله المجهود لكي يرقى بالثقافة من خلال المُلتقى..
حاورته الأدبية روان شقورة.
محررة في مجلة ازهار الحرف.
خاصية التعليق غير مفعلة - يمكنك المشاركة على مواقع التواصل الاجتماعي