بقلم د. هدى فخرو الحلبي
معاناة زوجيّة
قصّة امرأة لا تعرف لليأس طريقًا.. لا تعرف الاستسلام.. طموحة.. صبورة.. جبّارة.. كلّ مشكلتها في الحياة أنّها ولدت من ذوي الإرادة الصّلبة.
في يوم قالت لزوجها أحتاج خادمة تساعدني في شغل البيت. كانت حاملًا بالمولود الثّالث. وفي ذلك الوقت كان ابنها البكر يبلغ من العمر ثلاث سنوات وابنتها الأولى سنتين. كانت تتجرّعُ الآلام اليوميّة لتعتني بطفلين وتنجز الأعمال المنزليّة من تنظيف وإعداد الطّعام وتلبية متطلّبات الزّوج. احتدم النّزاع بينهما، فذهب إلى أمه وأحضرها معه لتبيت عندهم. في الصّباح انطلق إلى عمله، وبينما كانت هدى تغسل المواعين وقفتْ حماتها قربها وقالتْ:
- شو في أنتِ وابني؟
- ولا شيء.
- لأ، ابني قال لي.
- ليش قلته بدي خادمة جن جنونه.
- ومين إنتِ لابني يجبلك خادمة ليش أمك عندها خادمة؟ مرت خييك عندها خادمة؟
- أنا عندي وضع.
- أنتِ بتقبلي تاخذي لابنك بنت مثلك؟
فهمتْ وتغافلتْ وسألتْ لتتأكّد:
- كيف يعني مثلك؟
- مثلك مريضة. أنتِ كيف افتريتِ على ابني وتزوّجتيه؟
أحستْ المسكينة سكينًا نخرت قلبها. أرادت أن تنزعها لتشكّها في صدر حماتها. كادت أن تمسك أكبر سكين تقتلها به لولا أنّها كانت تحافظ على وعيها وتمثّلت صورة زوجها أمامها.
- أنا أخبرت ابنك بمرضي، وهو وافق.
- ابني بلا عقل.
بكت بحرقةٍ ومرارةٍ.
ربّما أشفقت حماتها عليّها ممّا جعلها تقول:
- أنتِ لا ذنب لكِ على كلّ حال، نحنا طلبناك من أهلك.
دخلت هدى لتأخذ حمامًا تبرّد به نيران قلبها المنفطر، وما إن أمسكت باب الحمّام تستند إليه حتّى فُتح فجأة وشحطنها معه وخبطها بالحائط. حضر زوجها على صراخها وحملها إلى المستشفى، الجنين بخير ولكنّها لم تكن بخير. شلّت يدها اليسرى لمدّة ثلاثة أشهر من جراء الصّدمة. لم يتدخل أحدٌ بما جرى ما عدا سلفها الذي حضر يتقصّى الأمر. كانت في غرفتها. قالت وهي تبكي منفعلةً:
- لو حيطان هذه الغرفة بتنطق لقالت أديش بتعذّب بحياتي كلّ يوم.
وقف زوجها إلى جانبها بعدما تدهورت حالتها الصّحيّة ولم يجبرها على شيء، فهي لم تخطئ بحقّ حماتها بل هي من أخطأت. انقطع عن والدّته مدّة شهرين. جلست هدى إلى جانبه ذات يوم وقالت له:
- لا يجوز أن تقطع بر أمّك. هذه أمّك بالنّهاية. عليك وصلها وليس واجبًا عليّ.
بعد مدّة، جاءت أخته من السّفر. دعا الزّوج أهله لتناول الغداء عندهم. قامت المسكينة بواجباتها كاملة، ولكنّها كانت تردّد في نفسها:”ليش ما حدا بيجي يساعدني منهن؟”.
سلّمت على حماتها بأطراف أصابعها ولم يخاطب لسانها لسانها طول مدّة الزّيارة. كانت أم الزّوج تعلم كم كنّتها حزينة ومجروحة. انقضت أربعة أشهر وغدًا يوم الولادة القيصريّة الثّالثة. اصطحبها الزّوج إلى أمّه، فسلّمت الأم عليها بحرارة، قبّلت يدها واعتذرت منها. عفا الله عما مضى، ولكن لا أحد يعلم كم كانت أليمة التجربة بالنّسبة إليها!!!. سنواتٌ طويلة مرّت، وحماتها انتقلت لملاقاة ربّها، وهدر تبكي نفسها كلّما تذكرتُ تلك الحادثة المريرة. لم يشعر أحدٌ كم تألّمتْ! كم تعذّبتْ! كم أُهينتْ! لتبدأ رحلة العلاج النّفسيّ لعلّها تتخلّص من المشاعر السّلبيّة الّتي تملّكتها. بعد جلساتٍ عدّةٍ، دخل الطّبيب النّفسيّ غرفة الكشف ومعه جهاز كهربائيّ. أحاط رأسها بما يشبه الطّوق وأمسكها سلكيْنِ حديديّيْنِ في يَدَيْها، وطلب منها أن تحكي عن كلّ أمر يزعجها. كانت تحكي وتبكي بل تجهش بالبكاء. الطّبيب يوجه أسئلته ويثير ذكرياتها الأليمة الدّفينة، وهي تتذكّر وتبكي، والألم يشتد ويتنقّل بين رأسها ومعدتها ويدها اليسرى. أنهى الطّبيب الجلسة بعبارة لم تنسَها يومًا:
- أنتِ leader أنت ذكيّة جدًا أنتِ الصّح وهم الغلط. استمري وسوف يتبعونك.
خاصية التعليق غير مفعلة - يمكنك المشاركة على مواقع التواصل الاجتماعي