“زيتونة اللاذقية”
الشاعرة آسية يوسف ؛ موهبة مبكّرة صقلها التخصص الأكاديمي
*بقلم الكاتب الإعلامي سعدالله بركات
“اللغة أداة سوء فهم ..
وحده الصمت لغة العشّاق “
*آسية
منذ صغرها عرفت بحبّها المطالعة و الشعر، هي التي وجدت فيهما متنفساً للتعبير عن مكنوناتها ، فراحت آسية بديع يوسف تكتب الشعر وتنشره منذ المرحلة الابتدائية ، وكتبت أول قصة قبل دخولها الجامعة واسمها “قلب من ذهب” .
أمّا أولى قصائدها ، وعلى ماتحمله من ذكرى أليمة برحيل والدتها، وهي في التاسعة من عمرها ، فتشي بتفتّح مبكّر لموهبة واعدة ، حين قالت في مطلعها:
“قفْ على الرمس حيث تبكي الظلال ذابلات و حيث تغفو نوال
سبعة بالدموع كفّنوها يتامى تبغي الخلد حيث شُدّ الرحال”
والشعر عندها لم يكن ترفا ، لا بداية ولا انتهاء ، بل هو بوح شفيف من أعماق النفس وشجونها ، ” أكتب دوما لنفسي ” حتى أصرّ زوجها د. جليل البيضاني على جمع نصوص، من مراحل مختلفة من حياتها وتجربتها الشعرية ، فولد أوّل ديوان لها حمل عنوانا بلاغيا لافتا باستعارة مكنيّة ،، دمع السواحل،،/ دار عروة للطباعة / كما حمل هموم المرأة والمجتمع والوطن والإنسان في 150 صفحة من القطع المتوسط، ضمت 80 نصاً أدبيا متنوعا شكلا ومضمونا .
وذلك “من وحي تداعيات الأحداث التي التى عاناها الوطن، وما قدّمه أبناء سورية في كل مناطقها ، من تضحياتٍ جسام ليبقى ياسمين الشام معرشاً فوق شرفاتها” ومن قصائد الديوان:
” نجمة في فؤادي”:
((إنّي زرعتك في فؤادي نجمةً
ووضعتُ أرضكِ في العيون بديلا
أنّى أمرُّ فضوع عطركِ عابقٌ
وشذاكِ في دربي يضوع عليلا
مرحى دمشقُ ففي ربوعكِ ضيغم
يحدو الأشاوسَ بكرةً وأصيلا))
ويرى الصحفي بلال احمد# : أن ” المجموعة الشعرية “دمع السواحل” للشاعرة الدكتورة آسيا يوسف تنوعت بالشكل والمضمون، فأخذت بعض نصوصها الشكل التقليدي للقصيدة العربية، بينما تميزت أخرى بالحداثة الشعرية وعلى شكل التفعيلة، إضافة الى بعض النصوص النثرية والومضات التي حمل بعضها الوزن الشعري.
لكنها خرجت عن المعاني والصور التقليدية في نصوصها العمودية باتجاه التجديد ابتداء من مطلع القصيدة الأولى في المجموعة المعنونة “نجمة في فؤادي”، حين تخاطب العاصمة دمشق: “إني زرعتكِ في فؤادي نجمة.. ووضعتُ أرضكِ في العيون بديلا”.
ولئن وجدنا في الديوان لألفاظ المعجمية والمقتبسة من النص الديني وقوة الإيقاع ومتانة الأسلوب فلتؤكد سمة الشعر العمودي في نصوص الشاعرة كقولها: “مرحى دمشق ففي ربوعك ضيغم.. يحدو الأشاوس بكرة وأصيلا”.
وتناثرت في صفحاتى المجموعة ومضات شعرية ، تميزت بتكثيف وتعدد الدلالات وعمق الرمز كما في قولها :
،،قريب بعيد ،،
” شاحبا يقف الزمان بين الضلوع..
خجلا يقف الصمت بيني وبينك ..
ما أبعدك..،ما أقربك ..
أبعد من نفسي إليّ..”
،،ومضة حب ،،
” من أفانين المنى ..
طيفا كنّا..
أنت وشوقي وأنا
قد لعبنا في السنا ..
فامتزجنا في السنا..
ثم أصبحنا أغان..
زادها الحب غنى..”
أحبّت شاعرتنا الأدب على اختلاف أجناسه ، كتبت القصّة وقد تكتب الرواية ، لكنّها مولّعة بالشعر، هاهي تفصح يوم افتتاح ملتقى ،،عشتار،، الذي تديره :
“الشّعرُ شوقٌ والهوى عشتارُ. والأرضُ أمٌّ والعيون فنار
لابدّ للظلماء يوماً تنجلي. وتعودُ في شام الأُلى أزهار”
والشام مثل اللاذقية وحلب حمص واسطة العقد ،هاهي تشدوها حين زارتها في فعالية ثقافية :
“حمصُ العديّة والنسيم عليلُ. والجوهر المكنون فيكِ جميل
وافرحتي عند اللقاء أحبّتي. حيث الوجوه على اللقاء أثيل
وبلاد عزٍّ ترتقي نور العلا. في كلّ أنواع الحروف فضيلُ”
في الجامعة صقلت موهبتها بموسيقى الشعر وأوزان الخليل لكنها : “وجدت نفسها مع شعر التفعيلة الذي يجمع بين الوزن الموسيقي وحداثة الموضوع وفق تطور الزمن الذي نعيش.
وتجد د. يوسف أن “شعر التفعيلة يفي بالغرض لنأخذ بالأوزان الشعرية وإضفاء موسيقى على النص التي اعتادت الذائقة الأدبية لدى الجمهور سماعها مع التقيد بحداثة الموضوع والوحدة العضوية ومتانة السبك والبناء مشيرة في الوقت نفسه إلى أن قصيدة النثر لا تقل أهمية ولكنها تتحرر من الأوزان وتمنح الدفقة الشعورية حرية التعبير.”(**)
لدى شاعرتنا ملكة النحو والبلاغة ، تراها برعت في النقد لامتلاكها القدرات و الأدوات الفنية اللازمة لسبر النصوص الأدبية أيّاً كان نوعها ، فهي ناقدة أكاديمية ومتخصصة. ،تنشر دراىساتها النقدية في سورية والعراق وبعض الدوريات العربية.
ود .أسيا يوسف الشاعرة والناقدة كما يصفها الشاعر العراقي علي لعيبي:” واحدة من الأديبات التي جمعت بين الشعر والنقد
في ثنائية جميلة “
بل ثنائية بارعة أكدها الأديب المصري هشام صيام بوصفه الأديبة آسية :” نبتة اللاذقية ، على ساحل الياسمين الشآمي شاعرة وأديبة ، تختال حروفها ما بين التناص والمجاز ، في براعة تحسد عليها ، ناقدة فخمة المعجم تعي بخيال الشاعرة عروج المشاهد المصورة من منصات إقلاع الحبر من دواة الشريان إلى وجنات غصينات السطور ، هي ليست ناقدة أكاديمية بل ناقدة وشاعرة بالفطرة “. تراها تمارس النقد الأدبي بحرفية عالية ،عبر برنامج تحليلي خاص في النقد ،، نص تحت المجهر ،، وتطبق عبره رؤى ومقاييس نقدية علمية ، منطلقة من ،، أنّ “الناقد الحقّ ، هو من يمتلك أدواته الفنية من معرفة موسوعية ، وخاصة بأصول اللغة وعلومها ، و من الطبيعي أن يترفع عن الانحياز ، وأما الغاية فتمييز الجيد من الرديء ، وإظهار سلبيات النص الأدبي وإيجابياته”**
وشاعرتنا منبرية ، تجذب جمهورها وتحترمه ، فقصيدتها ،،المسافات،، طارت بها إلى مصر ،فنالت بها الجائزة الثانية لشعر التفعيلة ، في مسابقة مهرجان “همسة” الدولي 2022 ، وفي الجزء الأخير منها تقول :
” كلّ ذكرى في محطات الصبا محضُّ ألم
و اندحارٌ للقلم
نحن أجداثٌ سنبقى
وقبورٌ ملّت الشمعَ
وبعضٌ من حجار
هكذا نحن
على أنشودة الوهم نغني
دارنا قفرٌ
ولا أحبابَ مرّوا في الديار..”
د. أحمد مبارك الخطيب متابع وباهتمام لنتاج د . آسية شعرا ونقدا ، فوصفها بأنّها شاعرة وناقدة ومتابعة للحركة الشعرية والنقدية ، وقال:” إنها تقدّم دراسات باستمرار حين ترى تميّز قصيدة أو تميّز ديوان ، وهي في تحليلها تستفيد من المناهج المختلفة في النقد ، ولا تقتصر على جانب واحد . وقد قدمت دراسات شتى ، د. آسيا أديبة ناشطة وتحمل على كفيها مستقبلا واعدا مليئا بالإنجازات على أكثر من صعيد”
*الشاعرة هدى عبد الغني متذوقة بعمق لما يخطّه يراع دكتورة آسية وتقول :” تأخذنا حروفها الجميلة نحو مصابيح معلقة في أهداب الفجر لا تحترق في مداراتها ، وهي تعزفها على أوتار القلوب والأحاسيس موشح يفيض من الشاعرية ، دمت نجمة عشتار ساطعة في سماء الأدب والإبداع ، ودام تواجدك الطيب دائما بيننا ، كلماتك تراتيل عابقة بإبداع أبجديتك ومورقة بجمال وصدق أحاسيسك ، ودامت كلماتك قوافل ياسمين وكل الشكر والتقدير لحضورك الدائم وهو يفتح الزهور، فيمطر العطور.”
*الشاعر أديب نعمة : ومن خلال قراءاته المتعددة وجد فيها شاعرة مطبوعة وقال : “شعر د. آسية بعيد عن التصنع والتكلف، فالكلام عندها لبوس المعاني ، لهذا تجد تناغماً وتلاحماً بين المضمون والشكل، وهذا من محاسن الشعر كما يرى أصحاب المدارس الأدبية من خلال قولهم بوحدة الشكل والمضمون، إضافة إلى الإنسيابية والعفوية التي تأتي عفو الخاطر، وهذا ما يشدّ القارى ويدفعه إلى متابعتها لأنها لا تبدي رأيها إلا مدعوماً بالأدلة والبراهين وتأخذ بالرأي المصيب من كان صاحبه”.
د.علي لعيبي – شاعر عراقي يرى :
(( بين النقد و الشعر أسيا يوسف أنموذجا ،
العلاقة بين الشعر والنقد علاقة جدلية
حيث لا قصيدة بدون نقد، ولا نقد بدون قصيدة ،
فسوق عكاظ ،كان مكان النقد و التقويم.
ود .أسيا يوسف الشاعرة والناقدة واحدة من الأديبات التي جمعت بين الشعر والنقد
في ثنائية جميلة منتجة، فتقول في إحدى نصوصها الشعرية الوجدانية:
“سألقاكَ….
قمراً يتدلى من قرميد سقوف العمرِ
أو نجماً يبزغ في دربي
هل أرخي تعبي فوق مداكَ…..
وابكي لهفة عمري التائهِ في الاحزان ؟
كلا يا سيد روحي….
سأحضن كفك في وجدٍ
أتسوّرُ قلبكَ…
حتى أغفو بين شغافه
أرفعُ عينيَّ الى سبعِ سماواتٍ ….
أدعو ربي…
أن يحفظ عشقي الماثل فيك”
هنا تكمن أرقى نصوص الغزل العذري في وصف الحبيب أولا ، ومن ثم التمنيات له في أن يكون في احسن حال ،أينما يحل ،وهو تملك مشروع حسن تناديه: “سيد روحي “
والشعر عند الدكتورة أسيا حرفة وتمعن،
حيث استطاعت أن تعبر عن شاعرية متقدمة من خلال الفهم الواسع لقواعد النظم الشعري ،
من عروض وتفعيله ولغة سليمة وواضحة المعاني فقالت في :
،،قصيدتي،،
“لو لم تكن تلك اللآلىء حصتي
أزهو بذكر جمالها بقصيدتي
خَلقاً وخُلقاً دام ذكر خصالها
بين الأنام توافقاً مع سيرتي
ما جاءَ طالبُ سحرها مترجياً
كيما ينال لآلئاً من جنتي”
ومن خلال هكذا نصوص متوازنة ،
برزت أسيا يوسف كناقدة من طراز فريد ،
وخاصة في كتابها عن الشاعرخليل حاوي،
والذي تناولت فيه الرمز في نصوصه الشعرية
مع باقة من الشعراء بحرفية أكاديمية صرفة
في توصيل معنى الرمز،وقيمته المادية و الروحية في النص الشعري العربي
هذا بعض من أديبة التزمت اللغة السليمة منهجا في رؤاها))
وللشاعرة يوسف مشاركات في دواوين مشتركة:،، منارات المحبة،، محلياً، و ،،خوابي الحروف ،،عربياً ، كما شاركت مع كبار الشعراء في عدد كبير من المهرجانات الشعرية على امتداد ساحة الوطن.
ففي القاهرة ، وفي نادي طلعت حرب أطلت د. آسيا يوسف على حضور حاشد ونوعي فأنشدت قصيدة معبّرة لمصرمطلعها:
“تركتُ أحبتي وصدى اغترابي وجئتُ النيلَ يسكنني عتابي”
عشق د. آسية للأدب والإبداع ، لم يقدها من التفوق في الرياضيات والعلوم الأساسية ، إلى دراسة الأدب العربي والتخصص الاكاديمي فقط، بل إلى تأسيس ملتقى عشتار الثقافي ،،مع زوجها د. جليل البيضاني ،، ، ويجمع في عضويته أكثر من اكثر من 3000 شاعر وأديب من مختلف الأصقاع العربية ، وتديره بحماس يحفّز المواهب والإبداع الأدبي الراقي ، وهي ترى جانب كل امرأة ناجحة ، رجل نبيل ، منوّهة بتجربتها الشخصية – الحياتية ، ، ومؤكدة شموخهما، نخلة بغداد ، ( زوجها ال ،،جليل ،،) معها ،،زيتونة اللاذقية،،
وأما حكمتها في الحياة فلعلها في هذه الومضة :
” أفكر.. في كل السهام التي تجاوزتني ..
في كلّ الرزايا التي أخطأتني..
وابتسم “
*آسية
* بقلمي الكاتب الإعلامي سعدالله بركات
** حوارها مع مجلة الأدب والمعرفة – سورية
- حوارها مع كاتب السطور ،، أزهار الحرف،،١١ شباط ٢٠٢٤
خاصية التعليق غير مفعلة - يمكنك المشاركة على مواقع التواصل الاجتماعي