“”نسق ثقافي عراقي يبث الحياة بصدق الانساق الدلالية “””
القسم الأول
مؤيد عليوي
تنبلجُ في النسق الثقافي العراقي المُدوّن في الكتب أو مواقع التواصل الاجتماعي، الذي شكّل من خلال الابداع نسقا متفائلا يبث الحياة في المجتمع العراقي ،ليكن نسقا موازيا لغيره من الانساق التي فرضتها الاوضاع والمتغيرات منذ الاحتلال ٢٠٠٣ الى ٢٠١٤ وما بعدها ، لذا جاء عنوان الدراسة النقدية الادبية بمعنى “صدق الانساق الدلالية من أدب عراقي يبث الحياة من جديد”، فالنصوص موطن الشاهد بعضٌ يعبّر عن نسقٍ ونماذجَ على قيد العراق اليوم وهو يستعيد جزءا مهما من عافيته، نماذج تعبر عن نسق له متشابهات وأخوات في هذا النسق الثقافي الابداعي -على الرغم من عدم توفر كافة الخدمات من مثل الكهرباء- لم تمنعْ أنْ تكن العافية النفسية والمعنويات المتفائلة بغدٍ أفضل في الواقع اليومي المتجلي في نصوص الأديبات والأدباء، ليعطي هذا النسق فسحة تأمل هادئة عند القراءة نصوص تبث الحياة وهذا ما دفع بالعنوان أن يكون باثا للحياة بعيدا عن السوداوية القاتمة فيما يكبته النسق الآخر.
فمرّة نرى الحياة وتفاعلها في نص شعري بألفاظٍ ومعانٍ جليّة تنبض بالحب والعاطفة فتمنح القارئ لحظة سعادة يحتاجها لمواصلة الحياة والنظر لكمية الماء في نصف الكأس، كما هناك سرد شعري وقصصي يشير بإشارة اللفظ الى الضد منه، حيث يريد معنى الحياة والوجود،و من هذا وذاك نأخذ أربعة نماذج تجلى بها الصدق الفني في التعبير وإنشاء النص بمعنى الإبداع والخلق في الكتابة الادبية شعرا وقصصا :
نص” وقعتُ في حبّكَ اكثر مِن مرّة” للشاعرة راوية الشاعر .
الحب العاطفة والمشاعر والالتصاق الروحي بشخص ما، قبل تعاشق الجسدين للمحبين، يبدأ ب(مرة وأنتَ تبرمُ النهار في غمزة )فهذه المرة تحبه الذات الشاعرة ل”راوية الشاعر” لأنه يبرم النهار، ثم ما معنى يبرم النهار؟، يفتله أو يغزله إذ ثمة حركة وإيقاع داخلي لتلك الحركة، فحركة الرجل المخاطب التي تسرد له الذات الشاعرة حبها، ربما كانت نتحة عمله في النهار، أو ربما تكون حركته في السعي لمساعدة الاخرين، أو ربما حركته كانت نتيجة مشيه خلفها فيما مضى من أول علاقتهما، حيث منطقة الذكريات فهي تسرد الشعر لتعبر عن ماهية حكاية الحب فتذكّره هو، تذكّره بما مضى من علاقتهما، والجملة الشعرية تختزل كل الحركة والايقاع اليومي بغمزة هو، فهي تريد أن تقول بغمزته النابضة بالحياة لها، منحتها الحب الى درجة التغزل به، ثم أن النص لا يخلو من جمل شعرية تخضع لهذه التأويلية من مثل (ومرة وأنت تربك هدوء الأزرار في دولاب عقلي/ وتقيم زفافا للستائر على الشبابيك) الارباك في التفكير يتبعه ارباك في الجوارح اليد أو ملامح الوجه فالحركة ارتباكها رد فعل لفعل قام به هو كأن تكون قبلة مفاجأة منه لها …، أو حركة أخرى أو غيرها … ثم اسدل ستائر المكان، فهو مَن يقوم بالفعل /الحركة في هذه الجملة الشعرية أيضا كما الجملة التي سقبتها ومثلهما فيتكون النسق الاول من ذكرياتها معه في سردها الشعري من السهل الممتنع على غيرها من الشواعر فهي تذكره كيف كان معها ثم وهو من الماضي يشير الى هذا كلمة (مرة) التي تشير الى المحكي الماضوي أو ماهيّة الحكاية حكايتها معه فتكرر الشاعرة” رواية الشاعر” كلمة (مرة) تسعاً ، في جمل كلها حركة وايقاع داخلي ينبض بالحب ومتعلقاته بين الحب والحب، في حالة الفرح واللقاء والمخاصمة والبعد، كما السماء مرة صحو مشمس ومرة غيمة سحاب، حتى ينتهي هذا النسق الشعري من النص ب(وقعتُ في حبكَ أكثر من مرة /مرة عندما لمستني في نص ما/وقبلتني في جملة موقوتة /زينتْ فضاء واردي بالألوان) ليتكون بعده نسق جديد تختفي فيه كلمة (مرة)، فيبدأ الجديد بالفعل (اذكر ): (واذكر كيف وقعتَ فيّ كثيرا /واسرفتَ في التمهل /علَّ الظن يساوي /بين صبر ضلعكَ / وانهمار ثيابي ) فتكون الحركة وايقاعها في النسق الثاني من نصيبها هي ولكن الشاعرة كغيرها من النساء في العشق والحب، فعندما قالت (كثيرا) تريد الكثرة لوقعه هو في حبها ، بينما عندما ذكرتْ كلمة (مرة) تسعا على كثرتها أرادت القلة فتسعها لا يساوي ولا يعدل معنى كلمة (كثيرا) بمعنى هي مُعتزة بنفسها تريده أن يعود لها ولسابق عهدهما رغبة منه لذلك هي قدمت النسق الدلالي الاول واخرت النسق الثاني بينما نجد النسق الثالث في اخر النص ينتهي به وهما معا من الذكريات (وقعنا في شرّنا اكثر من مرّة /ليت الخير يفلحُ في الهروب /ليت الصلح ينكسرُ /وترهن الهدنة نفسها /ويكون الاشتباكُ مرتنا الأخيرة) حيث تخرج مفردات اللغة من المتعارف عليه الى لغة النص الخاصة به ف(الصلح ليس هو الصلح والخير ليس هو الخير) (والشعر هو لغة داخل لغة ) كما يقول الفرنسي “جان كوهين” .. كنا نلحظ وفي جميع الانساق الثلاثة نجد السردية متوافرة في نص “رواية الشاعر” هذا النص ليدل على حاجة نفسية للحكي عن الحب بطريقة فنية ليس كغيرها وبأسلوب شعري انمارت به في التعبير عن عاطفتها للرجل كما مرّ في شعر سافو اليونانية قبل الميلاد، وكما تميزت الشاعرة التونسية اليوم الشاعرة يسرى البجاوي في التعبير عن العاطفة بصدق فني ولكل منهن اسلوبها الخاص في فنية معبرة.. ولتكملة جمالية معنى النص النقدي الادبي ها هنا ننشر النص معه :
(وقعتُ في حبكَ اكثر من مرة
مرة وأنتَ تبرمُ النهار في غمزة
ومرة وأنتَ تصطادُ المفاتيح
لـ بقاء الليل مفتوحا على التأويل
ومرة وانت تربك هدوء الأزرار في دولاب عقلي
وتقيم زفافا للستائر على الشبابيك
ومرة وأنتَ تعتكزُ على خصري ذات وجع
حين باغتكَ الوقت بـ توقيته السيء
وقعتُ في حبكَ اكثر من مرة
مرة حين دفعتني للإيمان بـ فكرة الغياب
ورهن البسمة لوعد مؤجل
ومرة حين سكبتَ النهر في خلدي
ودنوتَ عاشقا للأسماك والضفاف
ومرة وأنتَ تؤدبُ حزني بـ فرحكَ
الفرح الذي يجلبُ الحب
بـ هيئة جرح طليق
وقعتُ في حبكَ اكثر من مرة
مرة عندما لمستني في نص ما
وقبلتني في جملة موقوتة
زينتْ فضاء واردي بالألوان
واذكر كيف وقعتَ فيّ كثيرا
واسرفتَ في التمهل
علَّ الظن يساوي
بين صبر ضلعكَ
وانهمار ثيابي
بين حشرجة رغبتك في القطاف
وانغماس اوتاري بالتسلق
بين بيدقك المثابر
ورقعتي الخاسرة
وقعنا في شرّنا اكثر من مرة
ليت الخير يفلحُ في الهروب
ليت الصلح ينكسرُ
وترهن الهدنة نفسها
ويكون الاشتباكُ مرتنا الأخيرة )
النص منقول من صفحة الشخصية للشاعرة “رواية الشاعر “
نص الشاعر مصطفى الخياط
(تعودين بعد طفلين
ببطنٍ مشققةٍ
مثل نواة الخَوْخ
وكي لا تحزني أو تخجلي
أشبّه التشققات
بابتساماتٍ
تَحدُث عند مفترق الطُرق
بين أناس طيّبين،
تجدينَ على وجهيَ
لحيَةً كالأرز
بيضاءَ ناعمةً
وتكتشفين
بأني أفضل الندى
الذي يكسو زجاجة البيرة
على الندى الذي
يكسو الوردة صباحاً
ربما سيبكيكِ هذا الأمر
ولا أعتقد !
لكن لنفترض
سأمسح حينها
خديكِ برفق
كما يمسح حانوتيٌ
أغلفة الحلوى ) النص منقول من صفحة الشخصية الشاعر “مصطفى الخياط”.
المفردة المتداولة يوميا والتراكيب اللغوية الدالة بسهولة على المعنى في سهل ممتنع فهذا النص لا ينسى لعلاقته بالحياة فالولادة حياة جديدة ثم الولادة لم تكن للطفلين فقط بل لشخصية الاب من السرد الشعري حين نقرأ (تعودين بعد طفلين) بمعنى نكرره نحن المتلقين نقرأه قبل المقطع الثاني ( تجدينَ على وجهيَ /لحيَةً كالأرز / بيضاءَ ناعمةً ) بمعنى بعد عودتها من وضع الزوجة طفلها الثاني سيكون الاب قد شابة لحيته من انا بسبب انتظارها وهي في صالة الولادة قلقا عليها وعلى ابنه ، بمعنى هي سوف تكتشف حبه لها اكثر من ذي والاكتشاف أيضا ولادة جديدة لهما الزوج والزوجة ؛ نقرأ تلك البداية المفعمة بالمعاني (تعودين بعد طفلين) مرة ثالثة ثم نقرأ المقطع الاخير : ( وتكتشفين /بأني أفضل الندى /الذي يكسو زجاجة البيرة/على الندى الذي/يكسو الوردة صباحاً/ربما سيبكيكِ هذا الأمر/ولا أعتقد !/ لكن لنفترض /سأمسح حينها /خديكِ برفق/كما يمسح حانوتيٌ/ أغلفة الحلوى ) هنا سيكون اكتشافها هي انه يشرب البيرة ولم تكن تعلم لذلك يفضل ندى وحاجتها على ندى الورد الذي تحب ؛ أما هو فيفكر أن يرضيها بأنه يحبها ولا يرض أن بدموعها أن تبقى نزلة ..
نعود إلى المقطع الاول : ( تعودين بعد طفلين /ببطنٍ مشققةٍ /مثل نواة الخَوْخ /وكي لا تحزني أو تخجلي/أشبّه التشققات /بابتساماتٍ /تَحدُث عند مفترق الطُرق /بين أناس طيّبين،) فالولادة عند الأم وأثرها في جسدها جزء مما تتحمله الام من أجل وليدها لكن هو الزوج يطيب خاطرها فيشبه اثر الولادة على بطنها( التشققات ) بابتسامات بمعنى أن بطنها تبسم له كما أنه يحبها وإلا لماذا قصيدته النثرية أو نصه الشعري هذا المفعم بالحياة وما فيها الحب والغزل والزعل والرضا وتطيب الخاطر .. كما نلحظ أن التشبيه والاستعارة في النص تأخذك إلى المعاني أعلاه لكن بعد أكثر من قراءة للنص هكذا تقرأ فقصيدة النثر عموما على الرغم من وضوح المعاني لكن ثمة في النص يجعلك تقرأه أكثر من مرة هي هكذا ففي الأصل قصيدة النثر لا تعني الغموض أو جهل المتلقي القارئ في دربونة ظلمة لا يعرف ولا يعلم الشاعر ماذا يريد من نصه بل الصحيح أن تكون المعاني واضحة جلية فمن أهم ما فيها ايصال المعنى وقد تحقق هذا مع توافر فنيّة الشاعر في توفير الأفكار مثلا من خلال التشبيه البسيط (ابتسامات / تحدث عند مفترق الطرق / بين أناس طيبين ) تحمل في طياتها لحظات سريعة عابرة لكنها غير مكشوفة فعندما تعيد النص ستجد أنها فكرة إنسانية تحدث يوميا في جميع أرجاء الأرض المعمورة عندما يلتقي الناس الطيبين في مفترق طرق : محطة قطار او مطار أو وانت في سيارة أجرة فترى الابتسامات وهي متبادلة بين الناس الطيبين لأنهم طيبين فقط ، وظفها الشاعر مصطفى الخياط توظيفا شعريا بفنية ، ثم احتمال مفترق طرق فعلا شارعين أو ثلاث شوارع . . وهكذا عندما تعيد قراءة النص تستجد هناك أفكارا في اللغة السهلة الممتنعة عن الشاعر الخياط فالنص هنا يمتلك بصمة شعرية عندما تقرأ مثله للشاعر ستقول أنه مصطفى الخياط لو كتب بصدق فني في نصوصه القادمة كما كتب هذا النص واظنه سيفعل فالصدق الفني في التعبير عما يختلط الشاعر يكون صفة ملازمة له ..
خاصية التعليق غير مفعلة - يمكنك المشاركة على مواقع التواصل الاجتماعي