الموضوع والفن في قصيدة “مع الحسين “
للشاعر الشيخ جمال رضا ال مخيف
بقلم مؤيد عليوي
يتصل الموضوع بذاتية الشاعر جمال رضا وببزته الفلاحية العقال والشماخ الفراتي، التي تشير الى قربه مكانيا من الامام الحسين ع، مع ما يتوافر من دلالات قربه الروحي الديني الذي يكشف عنه فنُه في كتابة القصيدة العمودية (قصيدة ذي الشطرين) ومن العنوان بوابة القصيدة التي تشبه باب الدعاء أو باب “قاضي الحاجات” إحدى أبواب مرقد الإمام الحسين ع عنوانٌ ، فإنك تقرأ العنوان وتخلع عن تفكيرك كل فكرة سوى أن تزور الإمام الحسين ع ، لقد فعل الشاعر الشيخ ال مخيف هكذا حين أراد الولوج الى حب الحسين ع موضوعه حيث قال رسول الله (أحب الله مَن أحبَّ حسينا) و (أنا من حسين وحسين مني) كما في القصيدة فكرة الاباء ونصرة الامام الحسين ع تنبلج بها بعض ابياتها، أما من الجانب الفني المتصل بالموضوع فهو انسجام المعنى مع الوزن والقافية للقصيدة برمتها في وحدة عضوية من جو نفسي واحد هو القرب من الامام الحسين ع، وكذلك وحدة الموضوع ،بما يعبّر الشاعر عن حبه للحسين ع، نرى هذا في توظيفه البحر الطويل وهو وزن له إيقاعه الثقيل والهادئ ليعبر عن هدوء الشاعر واستقرار عاطفته وفكرته مع طول المدة الزمنية لعلاقته بالإمام الحسين ع -القصيدة منشورة في كتاب “الحسين في عيون الشعراء” لناظم الصرخي الطبعة الثانية ٢٠٢٢، دار سنتر العلوم للكتاب ، بغداد باب المعظم-
فمطلع القصيدة يؤكد هذا
تعوَّدْتُ أنْ أبْكيكَ والحزنُ سورةٌ
ترتّلها الناياتُ فجراً على صدري
ومما يدلّ على قرب الشاعر من الأمام الحسين ع، استعماله ضمير المخاطب القريب (حرف الكاف) ضمير متصل مبني في محل نصب المفعول به، فهو قد مارس مخاطبة الحبيب عن قرب لمدة طويلة يشير الى هذا أول القصيدة ( تعودتُ…) مشيرا على حزنه بصورة الحزن الريفي، هي صورة الناي الحزين والمراد بها الحزن العميق، مقدما الشاعرُ ما يجعلها صورة فنية مقدسة ( ترتلها ) بدلالة قرآنية فحزن الشاعر على الحسين ع هو حزن مقدس يشبه آيات وسور القرآن الكريم ( والحزن سورةٌ ترتلها الناياتُ..) ، ثم يستمر الشاعر بتوظيفه للضمير القريب المخاطب مرّةً كاف المخاطب ومرةً الضمير منفصل (أنتَ) في قصيدته المبنية من واحد وعشرين بيتا تفيض بها عاطفة الشاعر حبّا بالإمام الحسين ع، ثم نلحظ تكرار الجملة الفعلية ( تعوّدتُ أن…) زيادة في قِدم معنى العلاقة وطول أمدها بين الشاعر ومحبوبه ع، ثم نراه يوظف النداء الوحيد وهو للقريب أيضا حيث نصب (أبا) على النداء بحرف النداء المحذوف بعد ست عشرة بيتا من الحب والعاطفة الحسينية في قوله :
فعذراً أبا الاحرار ما زلتُ عاجزاً
عن العشقِ لأرقى بتفعيلة الفخرِ
أما في الجملة الوحيدة التي خاطب بها الشاعر حبيبه ع في البيت :
فأنتَ حسينُ الناسِ مِن كلِّ ملةٍ
وأنتَ كتابُ اللهِ في شهقة الحبرِ
نلحظ دليل القرب بين الشاعر والحسين ع، عندما جاءتْ التفعيلة(فأنْتَ) على وزن (فعولُ)من (فعولن) كما في أبيات أخرى تكرر التفعيلة بذات الضمير المخاطب للقريب ( أنتَ) وهذا يشير الى حالة القرب النفسي داخل نفس الشاعر جمال رضا من الامام الحسين ع، حيث حذفُ خامسَ التفعيلة الساكن( القبض) ليسقط حرفاً من الجملة الاسمية ليكن الأقرب في (فأنتَ حُسينُ الناس من كل ملةٍ) وكذلك في أبياتٍ أخرى من مثل :
وأنْتَ ضميرُ الحزنِ أنْ كان سرّهُ
يعيدُ جوابَ الجهرِ في ذمّةِ السرِّ
ففي تكرار هذه الجملة الاسمية (وانت ..) في اكثر من بيت دليل على القرب الروحي والمكاني من نفس الشاعر للحسين ع ، كما نرى ذلك الأمد الطويل في هذه العلاقة ماضيا وحاضرا ومستقبلا من خلال توظيف الشاعر لقافية (الراء )المكسورة التي تشير الى صوت (الراء)في نطق القصيدة بمعنى صفة التكرار التي يملكها( الراء) ولا يملكها غيره من حروف وأصوات اللغة العربية لدلالة على معنى كل بيت في حب الإمام الحسين ع عند الشاعر وبصدق التعبير الفني عما يختلج في نفس الشاعر الذي حبّه وذكره للأمام الحسين ع متواصل منذ قديم الشاعر و متكرر كما هي صفة التكرار( للراء) القافية، فهو يريد به مرضاة الله كما في البيت الأخير من القصيدة :
سأكتبُ في معناكَ شعراً مقدساً
لأكُرمَ عند الله فخراً من الدهرِ
فهو يريد أن ذكر الحسين ع وخدمته فخرا وعزا يعتز به الشاعر لأنه نابع عن حبٍّ حقيقي وعن فكرة راسخة لمَثَلٍ أعلى له سمة البقاء الأزلي كما في البيت الآتي :
وكيفَ يموتُ الماءُ والنهرُ شهقةٌ
تُكررُها الشُّطآنُ نبعاً الى النهرِ
فالحسين ع باقٍ ما بقي الدهر كما في بيت الشاعر :
وأنتَ كلامُ الله مِن دون غفلةٍ
تعطركَ الآيات من أقدسِ العطرِ
وهل تنفد كلمات الله ..
خاصية التعليق غير مفعلة - يمكنك المشاركة على مواقع التواصل الاجتماعي