وسط كلّ هذا التوحّش، ما زال في كبدي شمعتان، واحدةٌ أفرغُ شمعها لتختمَ أحشائي باللون الأحمر وأهديها لأجساد الأطفال، وواحدةٌ من أجل عينيك.
الستائر في هذا الكون المظلمِ تفتحُ يديها، فتعانقني الأضواء المتسلّلة من خارج الجرح، لأكتبَ عنك.
هالاتك، يا حبيبي، حربٌ من نوعٍ آخر. عندما تندكُّ أثقالُ السمّاء فتهوي على جبين الأرض، وتصبحُ الشّمس أكثرَ سخونةً واشتعالاً، وهي التي كانت متوهّجة، تصبحُ مقرفة. حتى الشمسُ صارت تسيخُ على لحمنا ودمنا يا حبيبي.
أكتبُ فقط، من أجل عينيك وسط كلّ هذا الخراب، أستيقظُ وأكافحُ من أجلهما، وأتحمّل الدوار والصداع والغثيان ونوبات الجنون والاشتياق، فقط لتكون بخير.
فإذا لم تعد بخيرٍ لأيّ الهالات أكتب؟ وإذا لم تعد بخيرٍ ما همّني أن تمضغني أضراس الحرب، ما همّني أن يبصقني التاريخ على هذه البقعة الجغرافيّة التي لا يبقى فيها سوى القويّ، نعم. القويّ الذي يفرضُ سلاحه على طاولات المفاوضات من أجل الخلوص بأرواح النّاس من فكّ القتل الإسرائيلي…
إذا لم تعُد بخير لمن أكتب؟ للطّرقات المشغوفة بالضّجيح، أم للسّكون المريب، أم للضّباب فوق شجر الطّريق؟ أكتبُ للسيّارات العمياء التي لا تراني؟ أم لعيوني التي لم تعد ترى السيّارات؟ أكتبُ للأيدي المبتلّة بالندى بعد مطر الصيف؟ أم لكلامك الذي صار مثل مطر الصيف؟ للزيزفون في رائحة ثيابي؟ أم لبساتين الغيب البعيدة؟ لمن أكتب يا حبيبي وعيون الثعالب تحدّق بي، وعدوّي يأكلُ لحمي وينهشُ جسدي؟ وأنا رقعةُ شطرنجٍ يكسرها حجرٌ واحد واسمه «إذا لم تكن بخير»…
_نينوى
خاصية التعليق غير مفعلة - يمكنك المشاركة على مواقع التواصل الاجتماعي