“”رواية ،،الهوتة،، لنجاح ابراهيم من سوريا
و تقنية الروي واسئلة السرد “”
مؤيد عليوي
تنبلج الرواية في عنوانها عن سؤال: ما معنى الهوتة ؟ هو منخفض من الأرض، وهذا المعنى أو الاسم له شفرة مخبأة في طيات تفاصيل الرواية تشير إلى وسم الرواية أو عنوانها ، فالشخصيات أو المخلوقات الروائية تعيش في ظروف معيشية وحياتية تواجه صعوبات جمة بل ظروف قاهرة أكثر مما يتحمله انسان بسبب الحرب على بلدهم سوريا – حرب داعش الإرهابي- ضد الشعب السوري بكل نسيجه الاجتماعي كما تلمح اسماء الشخصيات فيها، حيث جميعها كانت تعيش في منخفض تلك الحرب داخل سوريا وخارجها،
بعد هذه المقدمة الكاشفة عن مناخ الرواية وطقسها الممطر بالمعاناة الإنسانية ، كان الروي في بداية السرد من المتن الروائي بصوت المتكلم للبطل الذي لم تكشف السطور الاولى اسمه (حامد)في لعبة تشويق روائية كما لم تعطي سطور الرواية شيئا عن ديانته المسيحية إلا إشارة خفيّة وتترك نجاح ابراهيم انت/ المتلقي تتعرف عليها من خلال تعلق داخل( حامد) بصوت اجراس الكنسية في نهاية الرواية ، بينما اسلوب صوت المتكلم بشقته في موسكو وفي دمشق، وهو الصحفي العاشق لسوريا وطنه والمهاجر من دمشق قصرا بسبب ظروف الحرب إذ وقت الحرب لا احد يدقق البحث عن حقيقة صحفي مستقل وان كان يحب وطنه، فكتب عليه احدهم تقريرا شوه صورته الوطنية أمام الحكومة السورية، فيما بقي (حامد) يحب وطنه وهو برمزية عالية جدا يدل على الرضا والقناعة لما هو عليه، لكنه بقي يحب وطنه حتى عندما هاجر إلى موسكو وسكن شقة مجاورة لامرأة سورية من القومية الكردية حيث يدل أسهما (بهار) على هذا الذي يعني فصل الربيع، وقد تعلق بها كثيرا وواصلها الحب وواصلته هي أيضا ، اما أسلوب الراوي بصوت المتكلم لحامد السوري في موسكو، فيظهر في سطح السرد عندما يكون الحدث والمواقف في موسكو، ولكن بحُسن تخلص تمارسه الروائية السورية نجاح ابراهيم، فتنقله من اسلوب صوت المتكلم وهو في خضم التفاعل النفسي مع المكان موسكو إلى أسلوب الراوي عن الماضي عندما يتحرك الحنين داخل شخصية البطل الى دمشق ،وهو في قمة لحظات تفاعله الإنساني في موسكو، تفلت منه تلك اللحظات إلى دمشق ،لقد كانت شفرة دمشق في الفصول الأربعة الأولى من الرواية شفرة قوية وجلية واضحة والبطل يتكلم بصوت المتكلم عن جارته (بهار) وفجأة ترى شرارة قد قدحت في داخله ترى ضوءها يشع نورا من احساس البطل بين كلمات السرد، تراها عندما يقول دمشق : (وهل قلت دمشق ؟) ثم يتحول أسلوب السردي من المتكلم عن الحاضر إلى الراوي العليم عن الماضي ذكريات مؤلمة وقاهرة وفي وسط احداث دمشق الماضية يتحول من أسلوب الراوي إلى صوت المتكلم عندما يكون الحدث في انفعال شخصي ل(حامد)، ثم تعود به المؤلفة إلى حاضره في موسكو وتغادر به مرة ثانية وثالثة في تناوب بين موسكو ودمشق بين لحظة يعيشها في موسكو وقلبه ينبض وكيانه ينتفض عندما يذكر دون قصد منه دمشق ، وهنا يتضح اثر الانهيار العصبي الذي أصابه بسبب ما تعرض له في وطنه لكنها ظل وطنيا يحب دمشق ، إذ ليس من الطبيعي أن يقول الإنسان شيئا ثم ينتبه له كأنه سمع شخصا آخر يتكلم عن وطنه كما في الاقتباس: ( وهل قلت دمشق ؟)
وفي أبان ذكرياته الدمشقية بأسلوب الراوي نجد رمزية اسم (فاطمة) وهي رمزية واضحة مع تعرضت من له تعذيب له من نساء الحسبة لداعش الإرهابي، كونها نسيت أن تضع غطاء الرأس وهي تحاول الامساك بدجاجاتها امام باب منزلها ننظر إلى رمزية اسم (فاطمة ، وحامد الذي هو مسيحي، وبهار) وكلهم سوريين وميزتهم أنهم لا ينتمون إلا لوطنهم بمعنى ليسوا مع جهة معارضة ويحبون العيش بوطنهم قانعين به وبحاله، فالسرد يكشف هذا إذ المتن الروائي كان يحمل معاناة مجتمع ووطن، ثم هناك شفرة أخرى هم لا يحملون اسماء تشبه اسماء داعش، ولا ملابسهم كانت تشبه ملابس داعش بزيه الأفغاني نساء ورجالا كما ورد المتن الروائي.. ثم ننظر إلى رمزية اكبر واضحة ساعد( حامد) السوري بطل الرواية وهو صديقه(علي) في حصوله على الشقة السكنية في موسكو، وهو رمزية تختص بأهل العراق وإيران ولبنان ممن حاربوا داعش الإرهابي وساعدوا السوريين في محنتهم كثيرا في سوريا وخارجها، ثم نعود لصوت المتكلم وشخصية البطل عندما كان في دمشق وما جرى عليه فيها من مفارقات الحرب إذ وقت الحرب لا احد يدقق في حقيقة البحث عن صدق صحفي مستقل وان كان يحب وطنه فكتب عليه احدهم تقريرا شوه صورته الوطنية أمام الحكومة السورية، وفي ذات الحكومة وجد مواطنين يعملون في جهاز الدولة السورية نصحه أن يقول أنه كان خائنا لوطنه وأنه ندم على ما فعله لينجو من الموت فنجد اسلوب بصوت المتكلم يظهر في هذا التفاعل وهو أسلوب أكثر تأثيراً من غيره : )أجبتُ: قلتُ إنني خائن، خنتُ بلدي وانشققتُ عن صفوفه، وأنا نادم والله. ورحتُ أبكي بحرقة أمام سجّاني، لا لأقنعه بندمي، وإنما لأن رغبة قوية في البكاء دهمتني.
نكزني السجان بكوعه قائلاً: أيها الخائن، وتبكي من الندم؟ تفو عليك واحد واطي.
لم أحقد على الضابط الذي أملى عليَّ تهمة لأردّدها على اللجنة، ولا على السجّان الذي وبّخني وضربني، هذان لا يعرفان حقيقة تهمتي، ولا يعرفان من أكون ، وما يعني لي وطني، أنا أحقد على ذلك الذي كتب فيَّ تقريراً دمّرني فيه لينتقم مني دون وجه حق.
أجزم لو نطقت أمامهما بالحقيقة ، وحاولا الإصغاء إليَّ لصدقاني، ولكن في الحرب الشعواء التي ابتلينا بها اختلط الحابل بالنابل، ولا وقت للفرز الآن.)
بدأت الرواية بذلك السؤال عن عنوانها وقناعه لتعبر عن معاناة إنسانية حقة فعندما يكون الادب مرآة الحقيقة الإنسانية حتما يكون إبداعا فذا، فقد أجادت الروائية السورية نجاح ابراهيم فنها في تقنية الراوي وهي تنقل معاناة شعبها ووطنها وأرضها واهلها وناسها من الواقع المرير اقتصاديا ،واجتماعيا، إلى العالم من خلال ادب الرواية بصدق فني وحبكة روائية مائزة، لتنتهي الرواية بقناع يجدد السؤال ماذا مع حدث بطل الرواية (حامد) في موسكو هل بقي حيا ، ام هل سافرت (بهار) إلى تركيا وتركته ؟
( فزعتُ، دقَّ قلبي بقوّة، صرختُ :
( فزعتُ، دقَّ قلبي بقوّة، صرختُ : بهاااار.
كنتُ وحيداً إلاَّ من صوتي ، مجنوناً أركض في الشوارع التي خلت من الناس أكاد أتجمد ، خضت في كتل الثلج التي كبرت أمام خطوي، رحتُ أصرخ من جديد، خشيت أن يتجمد صوتي فلا أقدر على الصراخ، لهذا كررت ندائي: بهااار، بهااار.
ثلجٌ كثيفٌ وضباب أكثف. رحت أخوض بصعوبة فيهما.
أذكرُ أنَّ آخر مرّة نطقتُ بها اسم بهار حين سمعت صوت جرس كنيسة، خافتاً يأتيني من بعيد)
بينما نرى التلاعب بالزمن السردي من المتن الروائي في سردها الممتع وفي المقطع الاخير منه في موسكو/ المكان المادي بحسب ما اثبته العلم أنه لا يوجد فراغ في الوجود. وإن الوقت أو الزمان مثالي من صنع الانسان في داخله وعقله وأنه نسبي غير مطلق بينما المكان مادي يفرض على الإنسان طقوسه كما المكان في الرواية موسكو، إذ أدركت الروائية نجاح ابراهيم لعبة مثالية الزمن السردي فنسجت خيوط روايتها بمهارة الفن وتغيير تقنية أسلوب الروي بين بين كما تقدم ،بما جعل السرد ينتج عن سؤال في نهايته ينزاح إلى خضم اسئلة منها : من المسؤول عن معاناة شعب وحكومة تحاول توفير الخبز له … اين الانسانية التي تحدث بها العالم منذ سنوات خاصة الظروف التي تواجه سوريا ولبنان وفلسطيني كشفت زيف الحضارة الغربية
خاصية التعليق غير مفعلة - يمكنك المشاركة على مواقع التواصل الاجتماعي