“بين أحضان الورد” لفلاح العيساوي قصص قصيرة جدا
وفنية السرد
مؤيد عليوي
قصة “هروب” من قصص ما وراء القص تتناول مشكلة الكتابة وتدوينها في لحظة هروب الأفكار لكنها ليست بهذه البساطة فالتلاعب بالألفاظ التي اختارها القاص فلاح العيساوي تجعل الأمور غير واضحة في البداية أو لنقل في القراءة الأولى حيث تقرأها: “ظهرن في لحظات السكون، تمايلن كالغصن المياس، تداعبن في حبور، ذهب السهاد من عينيه، أراد سفورهن على البياض، أسرع لإحضار القلم، هربن إلى العدم” فالكاتب كان في سهر منتظرا تلك اللحظة لكي يدون ما يريد في تبئير داخلي لشخصية الكاتب، كما يعرف جيرار جينت مصطلحه: التبئير الخارجي للشخصية.
ومثلها قصة “قاص” أقصد من قصص ما وراء القص التي تتناول مشاكل الكتابة والتدوين في هذا المفصل منها لكن هذه المرة في تبئير خارجي لشخصية القاص كما عند جيرار جينت إذ نقرأ القصة: “تنظر إليه يتصارع مع نفسه في ذهاب وإياب، كأنه مخاض عسير، تملكها الخوف والقلق، فحالته غير اعتيادية، سالته لماذا أنت مضطرب؟
- افكر بكتابة قصة قصيرة جدا.”
أما في الجنبة الاجتماعية من قصص “في أحضان الورد” فنجد حالة الزوجين منها قصة “عاشقين”: “بعد عراك وصراخ جلسا يستريحان، تقابلا، تجاذبا أطراف الحديث، جردا الكلام عن الكذب، تعرت وأسفرت الحقائق.
عانقها ونام”
نجد أن اللعبة الفنية تكرر في أكثر من قصة على اختلاف نوع القص بما تحمل من مضمون وهي سمة أسلوبية في “بين أحضان الورد” ومثلها فيما بقي من القصص الأخرى تكرر السمة الأسلوبية وهي عنصر المفاجأة في نهاية القصة إذ تبادر إلى الذهن ان الخصام وكثرة العراك بسبب الصراخ والمجادلة بين رجلين هناك ما يوحي بهذا لكن في نهاية القصة تكتشف ان هذا كله بين زوجين، كما أن هناك قصص بمضمون اجتماعي بين الزوجين، فيما تجد قصص قصيرة جدا مضمونها حسينيا وقد قصد القاص فلاح العيساوي بذكاء منه ان تكون متتابعة في الصفحات لتعطي نكهة العز والإباء بتواصل أحداثها قصصا قصيرة جدا إذ منح القاص فلاح العيساوي عنوانا منفصلا لها “كرب وبلاء” مع عنوان ثانوي أسفل الأول، “شذرات كربلائية” تبدأ بحكاية الطف منذ أول سطر في قصة “زنديق” التي تشير إلى موت معاوية وبداية حكم يزيد الطرف القذر الخبيث في الصراع، قاتل ابن بنت النبي (ص): “مات باغٍ، حكم زنديق، هتفوا باسمه، صفقوا له، بايعوه، أبى الحسين، مثلي لا يباع مثله” أما الأحداث فهي تتكرر مع كل دكتاتور منذ ذلك الوقت إلى اليوم (صفقوا وهتفوا باسمه ووو)، بمعنى خلوها من البعد الديني في الإسلام لدى الظالمين كما تشاهدون في وسائل التواصل الاجتماعي أو الفضائيات فالإسلام دين حنيف يريد العمل من الحاكم الذي يخدم الناس وليس السلمين فقط لأن الجميع مسؤولون منه أمام الله، وأقرب مثال لنا في هذا تجسيدا للدين الإسلامي ولما يريده الله من الحاكم هو الإمام علي بن أبي طالب أمير المؤمنين عليه أفضل الصلاة والسلام؛ الذي أفرد له القاص فلاح العيساوي قصة “وليد الكعبة” قبل “شذرات كربلائية” ثم تأخذ الحكاية العاشورائية بالتتابع في قصص قصيرة جدا لتصل إلى ٢٨ قصة في ١٦ صفحة من نماذجها قصة “جون”: “اقتحم الميدان، بطل أسود، قاتل العبيد، فدى ابن الرسول، سقط في ساحة الوغى، أسرع إليه الحسين، ضمه إلى صدره قبل جبينه، ودعه إلى جنان الخلد” وهكذا…
ثم نقرأ عنوانا ختاميا يختم القاص مجموعته القصصية القصيرة جدا، عنوانا لا يعبر عن مضمون فقط بل يعبر نوع يريده القاص أسماه “القصة الومضة” ففي البعد الديني والسياسي لا يبتعد عن القضية الحسينية ومظلومية أهل بيت النبوة لتشير القصة الأولى إلى الإرهاب الذي ضرب العراق في مدة الاحتلال الأمريكي للعراق وقتل الأبرياء خاصة ممن هم ينتمون إلى الحسين (ع) ففي قصة “احتلال”: “تسللت الأفكار ذات اللحى الطويلة إلى أم رأسه؛ كممت فمه وأشهرت سلاح الإرهاب” وبعدها أيضا الإرهاب الداعشي سنة ٢٠١٤ الذي احتل مناطق عزيزة من العراق…
ثم في قصتين متتابعتين يرى القاص العيساوي الواقع العربي المخزي تجاه غزة فلسطين: قصة “عربي”: “صاح فلسطين في قلبي؛ انهالوا عليه ضربا”
قصة “حكام عرب”: “نزفت جراح غزة؛ ضمدوها بملح الشجب”
لقد تنوعت المواضيع والمضامن الإنسانية لمواقف مختلفة بين عاشقين أو بين رجل وزوجته أو، أو، أو بين شخصين لا يعرف أحدهما الأخر.
كانت قصص “بين أحضان الورد” للقاص فلاح العيساوي من طبعة دار السرد ببغداد شارع المتنبي، سنة ٢٠٢٤ تميزت جميعها بالفنية للقصة القصيرة جدا التي تؤدي دورا ثقافيا وفكريا في خلق نسق ثقافي عراقي جيد غاب عن الثقافة العراقية من عشرات السنين إلى وقت قريب بدأ يظهر بفنية وقد اعتمد القاص في مجموعته القصصية على البنيوية التكونية لوغدمان التي تخرج النص من بين دفات الكتاب إلى الواقع اليومي الاجتماعي، عندما تناول مواضيع مهمة تخاطب العقل البشري وعاطفته ووضعها في أبواب الأول لم يكن له عنوان ومواضيعه متنوعة المضمون، والثاني كان “شذرات كربلائية” والثالث “القصة الومضة”.
خاصية التعليق غير مفعلة - يمكنك المشاركة على مواقع التواصل الاجتماعي