د . منى نوال حلمى / مصر
================
إلى متى تطول فُرجتنا على تمثال ” الحرية ” ؟
معظم البيوت فى العالم ، غير سعيدة . أغلب البشر ، يستهلكون بانتظام مضادات الاكتئاب ، وعلاجات الأرق ، وتهدئة العنف ، والوساوس القهرية ، والأفكار الانتحارية ، وأقراص لتنشيط هرمونات السعادة ، والأمان ، واستعادة طاقة الجسد المنهك دون مبرر واضح ، أو منطقى ، أكثر مما يستهلكون ، والزهور ،والضحك ، والنوم الآمن الهادئ . لست مندهشة . فالحضارة العالمية التى تحكم كوكب الأرض ، فاشلة ،لأنها فى تناقض جوهرى ، مع " حقوق الانسان " . و" الانسان " المقصود هنا ، هو الغالبية العظمى من النساء ، والرجال ، والأطفال ، والمهمشين ، والمهاجرين ، والأقليات ، والملونين ، وضحايا الارهاب الدينى ، وضحايا الفقر ، والأحوال البيئية المتدهورة ، وعدم العدالة فى توزيع الموارد ، والحقوق والامتيازات ، وضحايا الفنون الرديئة ، والفساد ، و " بيزنس " سرقة الكرامة ، والأعضاء ، وتفشى النعرات العنصرية ، والذكورية ، وتراجع سقف حريات التعبير والابداع ، والحريات الشخصية ، تحت أسماء براقة مضللة . غالبية عظمى بالملايين ، لا يملكون الا أجسادهم المنهوكة فى مهانة البطالة ، أو تحت عجلات الانتاج الرأسمالى الشرس ، وعقولهم المغسولة باعلام ، يبيع لهم وهم الحرية ، ولا يعبد الا رأس المال ، وتكدس الأرباح ، وعرى النساء ، وسلطة الرجال . علمنا التاريخ ، أن اللصوص ، والنصابون ، والمحتالون ، والمرتزقة ، والقوادون ، والفاسدون ، والجواسيس ، والكاذبون ، وتجار الأديان ، وسماسرة الأوطان ، والقتلة ، هم أبرع الناس ، فى الكلام عن الأمانة ، والشرف ، والصدق ، والنزاهة ، والعفة ، والفضيلة ، والعدالة ، والحرية ، وكرامة وحقوق الانسان . كيف لا نمرض ، ومن أين تأتى السعادة ، والعالم كله مؤسس على مبدأ ، أن الفلوس أهم من الانسان ، الفقير لا يجد أحدا يحترمه ، ولا يعمل له أى حساب على الاطلاق . بينما اللى معاه فلوس ، متشال من على الأرض شيل ،يتعمل له مليون حساب ، لا يهم على الاطلاق ، من أين جاءت الفلوس . الغنى له كل شئ . والفقير ، ليس لديه ، الا الدعاء الى الله . أين ذهبت الأخبار التى تنعش القلب ، وتجدد سريان الطاقة ، فى نفوسنا ،وأجسادنا ، تساعدنا على النوم ، بدون أقراص منومة ، وتضبط كيمياء المخ ،دون تدخل من الخارج؟؟.
مجبرون ، ومجبرات ، على الاستمرار فى عالم ، فيه ” الدم ” ، ألية ضرورية من آليات وجوده، ورسوخه.
نتطلع إلى مستقبل ، لا يؤرخه البطش ، والنهب ، وسلب ثروات الشعوب، وقتل أرواح البشر، من أجل رفاهية “قلة”، لا تشبع ، متمدينة الملامح، همجية السلوك. قلة من البشر ، رأس المال لديها أهم من رأس الانسان ، وصوت دوران ماكينات الأسلحة ، أجمل وأهم وأرقى ، من صوت أوتار الكمان ، وهمسات العشق .
حضارة تمرضنا بالاكتئاب ، ثم تنتج لنا مضادات الاكتئاب ، لتمتص أموالنا ، كما امتصت صحتنا ، وسعادتنا . هى مجبرة ، لأنها بدون ضحاياها ،لن تستمر فى البقاء .
أليس من حقنا، نحن مواطنو، ومواطنات الأرض، أن نعلن احتجاجنا على قوانين هذا الكوكب؟ . قوانين تصر على أن تجردنا من إنسانيتنا . تصر على أن تفقدنا الأمل في عالم بديل . تصر على أن تضعف مناعتنا ، لكى نتحول إلى آلات، أو صفقات استثمارية، أو وجوه لا ملامح لهم .. لا حلم لهم .. لا رأي لهم .. لا موقف لهم .. لا سند لهم. فقط جيوب منتفخة ، وأرصدة بنكيةمتضخمة ، أو عمالة يذهب نصف دخلها على مضادات الأرق ، واستهلاك ، أغلبه لا ضرورة له .
قوانين وضعها بشر مثلنا . وإذا كانت قوانين من صنع البشر، لماذا لا تتغير؟ . لماذا هي راسخة، على قلوبنا تصيبنا بالذبحة الإنسانية، المزمنة . لا شفاء منها . لا فكاك منها. إذا كانت قوانين، من صنع البشر الذين يموتون، لماذا هي خالدة، وتبدو لا عمر لها، مثل الشمس، والجبال والبحار؟ .
السؤال هو كيف، ننسى هذا العالم المقلوب؟ . كيف، نفهم الخيوط الأساسية التي تربطنا بجوهر بالحياة ؟ . وكيف، نأتي بالقوة للاستمرار، على كوكب، أصبح مرهقاً، على الحالمين والحالمات بالعدل، والجمال، والحرية ؟؟؟ .
” الحرية ” ، تلك الكلمة البديعة ، التى شغلت الفلاسفة ، والمتمردين من النساء والرجال ، على مدى العصور .
” الحرية ” ، هى كل شئ ، وبدونها لا معنى لأى شئ . هى الدواء ، والغاية ، والصحة ، والسعادة . هى البدء ، وهى المنتهى . أتذكر ، عندما عاد جورج برنارد شو ، ( 26 يوليو 1856 – 2 نوفمبر 1950 ) ، من زيارته لأمريكا ، سُئل عن رأيه ، فى تمثال الحرية ، فقال :
خاصية التعليق غير مفعلة - يمكنك المشاركة على مواقع التواصل الاجتماعي