ألزهايمر….
رأيتها هناك جالسة، عيناها تائهتان في صورٍ . شعرت بأنّها تحاول استحضار كلّ فتاتٍ من ذاكرتها، لتعرف من هم ساكينيها وعندما التفتَتْ نحوي، أيقنت فداحة خسارتها لِذاكرة العقل وعمق تَجَذُّرِنا في ذاكرة قلبها…نحن فلذات كبدها، ناديتها مِرارًا محاولةً إنعاشٍ ذاكرتها أمّي ، أمّي….ثمّ حضنّتها بكلّ ما أوتيتُ من عاطفة ، وأخذت بيدها الرقيقة المحفورة عليها أخاديد اعتنائها بنا وسهرها على راحتنا، وأردت الخروج للجلوس معها على شرفة بيتها الجميل لكنّها فجأة انتفضَتْ وتراجعَتْ بِخوفٍ رافضةً تركنا وحدنا حتّى لو كنّا صورًا مطبوعة على ورق ،تَسمّرتُ في مكاني …بكيتُ كثيرًا كما لم أبكِ يومًا ،وألمي فاق قدرة روحي على الاستيعاب ،تسارعَتْ دقّآت قلبي ،حضنتها بشدّة ربّما كانت طريقتي يومئذ على حثّ ذاكرتها ودفعها إلى تذكّري أنا ابنتها المسحوقة ألمًا على أغلى ما في حياتي”أمّي” وأنا أراها ترنو من المَغيب وفجأة دبّت في وصالي إرادة قويّة فَطمأنتها وجلست عند قدميها ثمّ أمسكت كتابها المفضل، وبدأت أقرأ على مسامعها مقطعًا منه وقبل الانتهاء وضعَتْ يدها على شعري الذي طالما استمتعَتْ خصلاته بملمس يديها وهمست”ابنتي”…رفعتُ رأسي وحدّقتُ في عينينِ تختصران جمال العالم كلّه وقلت لها: “أمّي لا ترحلي” ولكنّها كانت المرّةِ الأولى الّتي ترفض فيها لي طلبًا…ورحلت إلى عالمٍ لم أستطع سَبرَ أغواره حتّى الآن .
دعد
المنتمي جديد الأديب ناصر رمضان عبد الحميد
كتبت غادة الحسيني من بيروت: عن دار رَنّة للنشر والتوزيع بالقاهرة، بالتعاون مع ملتقى الشعراء العرب، صدر حديثًا للأديب ناصر...
اقرأ المزيد
خاصية التعليق غير مفعلة - يمكنك المشاركة على مواقع التواصل الاجتماعي