الشعر وإتقان اللغة العربية: بلاغة ومجاز يعيدان الروح إلى اللغة
الشعر العربي هو تاج اللغة وجوهرها الخالد، وهو المفتاح لفهم بلاغتها وجمالياتها. فمنذ العصور الأولى، كان الشعر العربي وسيلة التعبير الأولى، حيث تماهت فيه المشاعر الإنسانية مع أساليب البيان والبديع. إنه مرآة تُظهر عمق اللغة وتمنح من يقرأه أو يسمعه فرصة فريدة لتذوق روعة البلاغة وغنى المجاز. لكن للأسف، تشهد الأجيال الحالية ضعفًا ملحوظًا في تذوق الشعر واللغة العربية، مما يثير القلق حول مصير هذه اللغة العريقة.
الشعر: مدخلات تُغذي الفكر واللغة
الشعر ليس مجرد كلمات موزونة مقفاة، بل هو تجربة ثقافية ولغوية متكاملة. كما أشرت، الإنسان أشبه بجهاز كمبيوتر، حيث تعتمد جودة المخرجات على نوعية المدخلات. إذا كانت المدخلات ضعيفة أو معدومة، فإن المخرجات ستكون انعكاسًا لذلك. فالأجيال الحالية التي قلَّ تواصلها مع الشعر واللغة العربية الكلاسيكية تُظهر ذلك الضعف جليًا في أسلوبها وتعبيراتها.
الشعر يُعلم الإنسان البلاغة، فهو يعزز قدرته على اختيار الكلمات المناسبة للتعبير عن مشاعره وأفكاره، كما يُمكِّنه من فهم المجاز والصور الشعرية التي تُضفي عمقًا على اللغة. الأبيات الشعرية تحمل بين طياتها دروسًا في البيان، وقيمًا جمالية تُرسخ حب اللغة في النفس.
البلاغة والمجاز في الشعر
يُعدّ الشعر أكبر مدرسة لتعلم البلاغة والمجاز. فهو يُتيح للقارئ التعرف على أساليب الكناية، التشبيه، الاستعارة، والجناس. هذه الأدوات البلاغية ليست مجرد زخارف لغوية، بل هي مفاتيح لفهم النصوص الأدبية والدينية. عندما يُجيد الشاب فهم بيت شعري، فإنه يكون أكثر قدرة على تفسير آية قرآنية أو حديث نبوي.
على سبيل المثال، قول المتنبي:
“إذا غامرتَ في شرفٍ مرومِ
فلا تقنعْ بما دونَ النجومِ”
تظهر في هذا البيت صورة مجازية رائعة تعلّم السامع أهمية السعي لتحقيق الأفضل، إذ يرفع الشعر سقف الطموحات اللغوية والفكرية.
لماذا تراجع تذوق الشعر؟
ضعف تذوق الشعر اليوم يعود إلى قلة المدخلات. فالإنسان لا يولد مبدعًا بالفطرة، بل يُصقل إدراكه بما يسمعه ويقرأه. الأجيال الحالية محاطة بوسائل إعلام ولغات عامية طغت على اللغة الفصحى، ما أدى إلى غياب المحتوى الشعري الجيد من حياتهم اليومية. في الماضي، كان الشعر يُدرَّس في المدارس ويُلقى في المجالس، أما اليوم فهو مُهمَّش لصالح مواد حديثة ووسائل ترفيه أخرى.
الشعر وسيلة للحفاظ على اللغة العربية
إذا أردنا الحفاظ على اللغة العربية، فلا بد من العودة إلى الشعر. إنه كنز لغوي يُعيد إحياء الكلمات المهجورة والتراكيب الأصيلة. تعليم الأطفال الشعر منذ الصغر يعزز قدراتهم اللغوية ويزرع فيهم حب العربية. فالطفل الذي يحفظ قصيدة قصيرة عن الطبيعة أو عن حب الوطن، يكتسب مفردات جديدة وأساليب تعبيرية تظل معه طوال حياته.
إن الشعر هو أحد المخرجات الأبرز للإبداع البشري في اللغة العربية، وإذا أردنا أن نحافظ على لغتنا وهويتنا، علينا أن نعود إلى الشعر. لنغرس في أبنائنا حب الأبيات الشعرية، ولنعلّمهم أن اللغة العربية ليست مجرد أداة للتواصل، بل هي وعاء للبلاغة والفكر والجمال. حافظوا على الشعر، تحافظون على العربية.
خاصية التعليق غير مفعلة - يمكنك المشاركة على مواقع التواصل الاجتماعي