زمن الشعر: أنشودة الحب والوجد بين الحروف
قراءة نقدية تحليلية لقصيدة : زمن الشعر– للشاعر: ناصر رمضان.
بقلم : كريم عبدالله – العراق .
القصيدة :
زمن الشعر
مالي وللشِّعرِ ينساني وأنساهُ… ويرقُصُ الحرفُ في كفِّي فأخشاهُ
ما كنتُ للعهدِ يوماً خائناً أبداً… والطَّيرُ يشهدُ كم بالحُبِّ غنَّاهُ
ولا كسَرتُ سهامَ الوجدِ عن عَمَدٍ والشِّعرُ يعشقُ من بالرُّوحِ يلقاهُ
ولا صَحَوتُ بدون الضَّادِ أعشقُها والضَّادُ تمنحُني ما كنتُ أهواهُ
وأنثُرُ الدُّرَّ بين النَّاسِ مكرُمةً …. والحُرُّ يعشقُ من يبغونَ لُقياهُ
وأجملُ الشِّعرِ ما يأتي بلا عَنَتٍ … وأجملُ الحُبِّ من بالعقلِ نهواهُ
وفرحةُ المرءِ ﻻ تأتي بلا عملٍ ..ودمعةُ العينِ للمحزونِ مأواهُ
لي فيكَ يا شِعرُ أبياتٌ أردِّدُها …فيضٌ من الحُبِّ بين الخلقِ مسعاهُ
وأجملُ الحرفِ ما يأتي على مَهَلٍ..وأجملُ الوصلِ من بالوصلِ نرعاهُ
عهدُ المحبَّةِ في الأشعارِ مَسكَنُهُ.. وأجملُ الحُبِّ ما تُضنيكَ شكواهُ
وأجملُ الشِّعرِ حين الشَّوقَ يُلهبُهُ… حتَّى تغنَّى على مُضناهُ ذِكراهُ
لا تحسبوا الشِّعرَ أوزاناً نُردِّدُها … لكنَّما هو وحيٌ ما عرفناهُ
كم بالحروفِ وكم بالشِّعرِ من لغةٍ .. وليسَ يُدركُ سِرَّ الحرفِ من شاهوا
كم بالحروفِ وكم بالشِّعرِ من شجنٍ …فليسَ للمرءِ فيه ما ترجَّاهُ
وآيةُ العِلمِ فيهِ أنَّهُ نغمٌ … وآيةُ السِّحرِ فيهِ ما جهِلناهُ
الشِّعرُ يعرفُ من بالحُبِّ يكتُبُهُ… وراهبُ الشِّعرِ صارَ الشِّعرُ موﻻهُ
وراهبُ الشِّعرِ ﻻ يبغي بهِ بدلاً … يكفيهِ بيتٌ من الأوزانِ يحياهُ
يكفيهِ حرفٌ من الأوجاعِ يُنشِدُهُ. إذا رأى طيفَهُ المحبوبَ واساهُ
وجمرةُ الضَّادِ في الثُّوارِ يُشعلُها.. من قلبِهِ وعيونُ النَّاسِ ترعاهُ
على العُتاةِ وحينَ البأسِ يُلهبُهُ … سوطاً من النَّارِ ﻻ تخفى شظاياهُ
عهدُ البلاغةِ في الأشعارِ ما نضُبتْ …وكيفَ ينضُبُ من بالنُّور مُحياهُ
فنُّ القلوبِ عظيمُ الشَّأنِ ما عظُمت ..شمسٌ عليهِ ولا عِلمٌ تخطَّاهُ
فلا الرِّوايةُ رغمَ السَّردِ أخفَتْهُ…ولا الحِكايةُ رغمَ القَصَّ تنساهُ
لو تسألِ العِشقَ أينَ الآهُ غافيةٌ …يُجيبُك العِشقُ أنَّ الشِّعر مجراهُ
الشِّعرُ نورٌ حَبَاهُ اللهُ مكرُمةً …للمرءِ تُذكرُ من أحلى مزاياهُ
وأسعدُ النَّاسِ من يحيا بلا طمعٍ .. ولا تغيبُ عن الأحبابِ ذِكراهُ
الشِّعرُ يسكُنُ من بالنُّورِ مَسكَنُهُ …والعاشقون وإن شَطُّوا ضحاياهُ
الشِّعرُ يملِكُ عرشَ القلبِ في دِعَةٍ.. والعارفون وإن تاهوا رعاياهُ
القراءة النقدية :
تُعد قصيدة ((زمن الشعر)) للشاعر ناصر رمضان من القصائد التي تحمل العديد من الأبعاد الفكرية والجمالية التي تتناول مفهوم الشعر في العلاقة مع الحب والوجد واللغة. في هذه القصيدة، يلتقط الشاعر ببراعة مفهوم الشعر ليس فقط كأداة للتعبير عن الأحاسيس، ولكن كقوة روحية تهذب النفس وتعبر عن مكامنها العميقة.
القصيدة: دعوة لفهم الشعر كمفهوم روحاني
تبدأ القصيدة بتعبير الشاعر عن حالة من الارتباك أمام الشعر: ((مالي وللشِّعرِ ينساني وأنساهُ… ويرقُصُ الحرفُ في كفِّي فأخشاهُ)). يظهر الشاعر هنا وكأن الشعر يتملكه ويأسره، ويعكس العلاقة بين الشاعر والشعر كعلاقة غير ثابتة، تتسم بالحركة والتمرد. وفي ذلك يشير إلى التوتر الذي قد يشعر به الشاعر حين يحاول التفاعل مع فنه في ظل إحساسه بالعجز أو الخوف من أن يظل الشعر بعيدًا عنه.
الشعر كعلاقة حب ووفاء
يواصل الشاعر في القصيدة الحديث عن الحب والعلاقة الوفائية التي تجمعه بالشعر. يظهر هذا في قوله: ((ما كنتُ للعهدِ يوماً خائناً أبداً… والطَّيرُ يشهدُ كم بالحُبِّ غنَّاهُ)). هذه الأبيات تؤكد على الوفاء للشعر كعهد وحب مستمر. والشاعر لا يلتفت إلى خيانة هذا العهد بل يظل مخلصًا له في كل لحظة من حياته.
كما أنه في البيت التالي: ((ولا كسَرتُ سهامَ الوجدِ عن عَمَدٍ … والشِّعرُ يعشقُ من بالرُّوحِ يلقاهُ))، يشير إلى أن الشعر لا يقبل الخيانة ولا التفريط في الحب، بل يتطلب إخلاصًا وعشقًا عميقًا من الشاعر.
الشعر واللغة: تجسيد للضاد
تعتبر اللغة العربية أحد الركائز الأساسية التي تميز هذه القصيدة، حيث يتكرر استخدام حرف (الضاد) في القصيدة بشكل مكثف، مما يدل على العلاقة الحميمة بين الشاعر ولغته. في قوله ((ولا صَحَوتُ بدون الضَّادِ أعشقُها … والضَّادُ تمنحُني ما كنتُ أهواهُ))، يظهر الشاعر كيف أن حروف اللغة، وخاصة الضاد، هي عنصر من عناصر الهوية الثقافية والشعرية.
الشعر: أداة لفهم الحياة والتعبير عن الوجد
القصيدة تنتقل من التصريح بالوفاء للشعر إلى تصويره كأداة لفهم الحياة والوجود. الشاعر هنا لا يرى الشعر مجرد أوزان وقوافي، بل هو وحي ينبع من أعماق الذات ويعبّر عن الأسرار الخفية: ((لا تحسبوا الشِّعرَ أوزاناً نُردِّدُها … لكنَّما هو وحيٌ ما عرفناهُ)). القصيدة تدعو القارئ إلى النظر إلى الشعر كأداة عميقة لا تتعلق بالأسلوب الخارجي فقط، بل بما يحتويه من مشاعر ودلالات.
الشعر: القوة التي تلتقي بالألم والجمال
في العديد من الأبيات الأخرى، يظهر الشاعر كيف أن الشعر يجسد الألم والحزن، حيث يتحدث عن ((جمره الضَّاد)) و((الوجع)) و((الدموع))، وهي صور تعكس علاقة الشعر بالمعاناة الإنسانية. كما أنه يظهر الشعر كأداة للشفاء والتصالح مع الذات: ((يكفيهِ حرفٌ من الأوجاعِ يُنشِدُهُ. إذا رأى طيفَهُ المحبوبَ واساهُ)).
الشعر كأداة للبلاغة والتحقيق الروحي
القصيدة تختتم بدعوة للتأمل في الشعر كأداة للبلاغة والروحانية، حيث يرتبط الشعر بالعلم والنور: ((الشِّعرُ نورٌ حَبَاهُ اللهُ مكرُمةً)). يرى الشاعر في الشعر مصدرًا للنور يضيء العقل والروح، ويعبر عن القيم الإنسانية السامية.
الرمزية الدينية والتاريخية في القصيدة
يمكن ملاحظة بعض الرمزية الدينية والتاريخية في القصيدة، مثل الإشارة إلى ((راهب الشعر)) و((الشعر مولاه))، حيث يضع الشاعر نفسه في موقع المتعبّد بالشعر والمخلص له كدين أو مذهب. وهذه الرمزية تعزز من الطابع الروحي للشعر وتربطه بالقيم الكونية الأسمى.

خاصية التعليق غير مفعلة - يمكنك المشاركة على مواقع التواصل الاجتماعي