في عالم يمزج بين الطب والأدب، بين العلم والإبداع، وبين الماضي والحاضر، برز اسم الدكتور محمد فتحي عبد العال كواحد من الشخصيات الثقافية والفكرية المتميزة في العالم العربي. صيدلي بارع وباحث أكاديمي، روائي وقاص، ومؤلف غني الإنتاج، قدم إسهامات فريدة في مجالات متعددة، امتدت من البحث العلمي إلى الأدب السردي والنقد التاريخي. بكتبه المتنوعة التي تتناول القضايا الاجتماعية، الدينية، والتاريخية، استطاع أن يترك بصمة خاصة في ميادين الثقافة والمعرفة.
يسرنا اليوم أن نستضيفه في هذا الحوار الخاص الذي تسلط فيه الشاعرة والمترجمة اللبنانية تغريد بو مرعي الضوء على مسيرته، إبداعاته، ورؤاه، في رحلة تتجول بين محطات حياته وإنجازاته. دعونا نستكشف معًا عوالمه الأدبية والعلمية، ونغوص في عمق أفكاره وإبداعاته.
الأسئلة:
- د. محمد، كيف أثرت دراستك للصيدلة والكيمياء الحيوية على توجهاتك الأدبية والفكرية؟
لقد منحتني سنوات الدراسة بكلية عملية ومن بعدها مرحلة الدراسات العليا ملامح البحث العلمي الثاقب وأدواته العقلية ، النقدية الشاملة والمحسوبة الخطى مما أهلني لوضع لمساتي الخاصة في المزج بين العلم والدين والتاريخ في كل مؤلفاتي مما ينعش انتباه القارىء ويأسر لبه ويجعله في استفادة تامة على جميع الأصعدة أيا كانت خلفيته الدراسية ولقد حرصت أن تكون جميع كتبي بأسلوب سهل وسلس ومشوق كي أقطع أي سبيل للملل على قارىء اليوم والذي أعرف كم مسؤولياته الجسام وازدحام وقته وأنا منشغل مثله وتخصيص وقت ولو قصير للقراءة هو من الأمور الصعبة في عالم اليوم لذلك فكتبي ولا أكون مبالغا راعت هذه الناحية وهي بمثابة استثمار لوقت القارىء في سيل جارف ومتدفق من المعلومات الشيقة، النافعة التي لن يشعر معها بالملل مطلقا .. - جمعت بين العلوم التطبيقية والعلوم الإسلامية. كيف أسهم هذا المزيج في تكوين رؤيتك الفكرية؟
قبل أن أخط خطا في الكتابة الإسلامية كان لزاما علي أن أكون مؤهلا لهذه المهمة الشاقة فالكتابة في الدين مسؤولية كبيرة ..بعد تخرجي من الجامعة التحقت بمعهد للدراسات الصوفية لكن نظرا لبعد المسافة حيث كان المعهد في الدراسة وأنا من الزقازيق علاوة على صعوبة المناهج وعدم اعتيادي على قراءة المؤلفات القديمة وقتها ثم كان اضطراري للسفر للعمل بالخارج كل هذا أدى إلى عدم استمرار دراستي به وبعد أن عدت من الخارج حصلت على دبلوم الدراسات الإسلامية من المعهد العالي للدراسات الإسلامية وتعرفت على طرق القراءة الدينية الناقدة من خلال أساتذته وهي من المراحل المفصلية في رحلتي العلمية وكذلك حصلت على شهادة إعداد الدعاة من المركز الثقافي الإسلامي التابع لوزارة الأوقاف المصرية وحينما شددت الرحال للسفر مرة أخرى لم أهمل الدراسة الدينية التي قطعت على نفسي عهدا أن أستمر بها فالتحقت بأكاديمية زاد أون لاين وحصلت على شهادتها وحاليا في أكاديمية حراس العقيدة ومقارنة الأديان أون لاين أيضا وقد اجتزت على مدار عامين المستوى التمهيدي والتأسيسي بها والحمد لله..
كل هذا كان مصقلا لفكري ولنظرتي في قراءة بعض القصص الديني والتراث فقدمت جوانب من الاعجاز العلمي في القرآن والسنة والخاص ببعض الأعشاب المستخدمة في علاج بعض الأمراض وذلك عبر كتابي “تأملات بين العلم والدين والحضارة” بجزئيه واستعرضت وجهة نظري في ضرورة تقوية متون بعض الأحاديث النبوية الضعيفة والموضوعة الخاصة باستخدامات بعض الأعشاب طبيا وذلك عبر الأبحاث الحديثة التي أثبتت بالتجربة العملية المحايدة صلاحيتها بما يقطع بصحة الحديث ويرفعه لمدارج الحديث الصحيح أو الحسن بعيدا عن مسألة السند والذي يحتكم إليه دوما فيما يهمل المتن ولو كان صحيحا إن انقطع السند أو شابه عثرات في اتصال رواته ..كما فصلت لقضية الغزوات الإسلامية في كتاب خاص هو “صفحات من التاريخ الإسلامي ..دروس وعبر” للوقوف على الدروس الصحيحة والحقيقة من هذه الغزوات بشكل عقلي ومنطقي وبعيدا عن العاطفة والأهواء والأحكام الثابتة والمسبقة كما قدمت في ثنايا كتبي استعراضا نقديا لبعض القصص الوارد في كتب التراث الإسلامي وكذلك بعض القضايا الخاصة بمكانة المرأة في الإسلام وقضايا الأحوال الشخصية كالخلع والطلاق الشفهي وأخيرا قدمت عبر كتابي الأخير “أوراق مطوية” مبحثين مهمين أحدهما عن جمع القرآن الكريم والطباعة والثاني عن الاغتيالات السياسية في عصر النبوة ويشارك الكتاب في معرض القاهرة الدولي للكتاب 2025 بإذن الله وكتبي جميعها لمن أراد الاطلاع على أجزاء منها متاحة على google books.. - حدثنا عن تجربتك في كتابة سلسلة كتب “أسئلة القراء”، وكيف جاءت الفكرة؟
جاءت هذه الفكرة مما استفدته من تجربة عملي بالجودة الطبية الشاملة وفكرة feedback الذي يعطيه المستفيد من الخدمة الطبية عبر شكوى أو استطلاع رأي من أجل النهوض بالخدمة الصحية المقدمة وتطويرها وعلى نسق هذه الخطوة فعلت أنا ..فبمجرد إصداري لكتاب أرسله لعدد كبير من الأصدقاء والزملاء ورجال المجتمع كإهداء ورقي أو إلكتروني وانتظر آرائهم عنه وأسئلتهم حوله كما أطرحه للمناقشة عبر بعض الندوات التي تجمعني ببعض المثقفين من العالم أون لاين أو وجها لوجه خلال إجازاتي بمصر فضلا عن بعض أسئلة القراء التي أتلقاها عبر الإيميل أو الواتس آب الخاص بي ومن حصاد هذا كله تجمع لدي كم كبير وهائل من الأسئلة الثرية، النافعة التي فتحت لي مساحة خصبة أكبر من البحث والتنقيب بين ربوع أرشيف الصحافة والكتب القديمة والأوراق التاريخية المتناثرة لتقديم إجابات شفافة وواضحة وجديدة وبعضها غير مسبوق عن كثير من القضايا الاجتماعية التي تضمنتها كتبي السابقة والتوسع في تقديم الأدلة والبراهين والإسهاب في شرح بعض النقاط التي لم يتسع لها المقام في كتبي الأساسية وخرجت من رحم هذه التجربة سلسلة من أربعة كتب اخترت لها أسماء قديمة ومميزة وترن في الأسماع لتكون مختلفة عن الأسماء البسيطة والعصرية التي استخدمها في العادة لكتبي الأساسية وهي على الترتيب : منافح الأيك في مساجلات النخب -نزهة الألباء في مطارحات القراء -شج رأس التاريخ – الدر المنثور في مكنون جوهر العقول . - في كتابك “نوستالجيا الواقع والأوهام”، تناولت المجتمع المصري بعمق. كيف يمكننا التوفيق بين الماضي والمستقبل وفق رؤيتك؟
الحاضر الذي نعيشه بزخمه ومشاكله المعقدة هو نتاج لمشاكل الماضي المتراكمة التي تركت على عواهلها ولم يتدخل أحد من الساسة أو الاقتصاديين أو رجال الاجتماع بمشرطه لاستئصال جذورها بل تركها مهملا إياها أو عن عدم قناعة بأهميتها مقارنة بأولويات أخرى أو تركها دون اكتراث لعصور قادمة تتولى أمرها وتسعى لحلها وتجعلها على أولوياتها وهكذا تزاحمت المشاكل وانسابت من عصر لآخر حتى تضخمت وتدفقت وصار السيطرة على بعضها من قبيل المحال ..إننا في ذلك أشبه ببناء وضعت قواعده مهتزة وغير مكتملة فانتقل لجيل آخر أضاف أدوارا أخرى للبناء مهملا قواعده المتمايلة وهكذا مضى الزمن بجميع سكان البناء حتى وصل إلى عصر استحال معه استمرار البناء على قواعده وإلا سقط ومات من فيه ..ولقد وصل حالنا إلى حال أصحاب البناء وعلينا أن نتخلص من أسر الماضي في كثير من القضايا والتحرر منه وبناء واقع جديد مختلف يلائم العصر وبأدواته وفكره ويعبر عنه حتى يأتي مستقبل راض فيه أحفادنا عنا لا يتهمونا بالتراخي فيه مثلما نتهم نحن أجدادنا اليوم ..إذن المستقبل رهن بإصلاح أخطاء الماضي كي نصلح بعضا من واقعنا الحالي المتهالك في شتى المجالات وأن نبني منظومة قيمية أخلاقية خلاقة فهي السبيل الأوحد للحفاظ على ما نود بنائه حاليا ومستقبلا . - ما هو التحدي الأكبر الذي واجهته أثناء جمع موسوعة “جائحة كوفيد 19″، وكيف استجبت له؟
أهم تحدي كان عنصر الوقت ..لقد عشت جائحة كوفيد 19 بكل تفاصيلها كممارس صحي يأتيه مئات المرضى لتلقي العلاج ويطلبون مشورته ومن الواجب عليه تقديم الدعم العلمي لهم وكمريض بالفيروس وقد أصبت به في أواخر 2020م وتجرعت آلام أعراضه الشديدة وخضت تجربة الحجر الصحي وقسوته وعايشته أيضا كمتطوع حيث تلقيت علاجا يابانيا تحت التجربة وبقيت تحت هذه التجربة والملاحظة لعدة أسابيع كما عايشت هذه الفترة أيضا كمواطن يسارع في حيز وقتي ضيق لجلب متطلبات الحياة اليومية والذهاب للعمل والعودة منه في أوقات الحظر المحددة أثناء اليوم ..وفي خضم ذلك قدمت مئات المقالات التي كانت موضع ترحاب الصحف العربية عن حقيقة الفيروس ومناهضة الشائعات حوله وسبل الوقاية والنجاة منه والتجارب العلاجية الجارية حوله واللقاحات وأنواعها وتأثيراتها والمقارنة بينها فضلا عن مناقشة الأبعاد الدينية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية الخاصة بالجائحة فضلا عن الجانب الطرائفي الذي أحاط بالجائحة في بلدان العالم النامي والمتقدم فخرجت كتاباتي عن الجائحة في ثلاثة أجزاء :جائحة العصر -سبحات في عوالم كوفيد 19 الخفية -فانتازيا الجائحة لتكون عملا موسوعيا، تأريخيا، شاملا ومكتملا عن كل ما يحيط بالجائحة من جوانب ثرية ومتنوعة .. - تتميز كتبك التاريخية مثل “صفحات من التاريخ الأخلاقي بمصر” بالاعتماد على أرشيف الصحافة. كيف أثرت هذه المادة في تحليلك للقضايا التاريخية؟
لقد كان أرشيف الصحافة المصرية موجها لي في عدد من القضايا الجدلية مثل أحداث الثورة العرابية ومقدمات ثورة 1952م وقضية الأحزاب السياسية والديموقراطية قبل عام 1952م والتعاطف مع العهد الملكي السابق في مصر فقد كانت هذه القضايا الجدلية تثار من وقت لآخر في أوقات الاحتفال بها من كل عام بين مؤيد ومعارض والمعسكرين يخوضا سجالا عنيفا بلا هوادة عادة ما يكون غير موضوعي تضيع معه معالم الحقيقة ..هنا يثور السؤال : أين الحقيقة ؟! ..هنا دور الأرشيف الصحفي الوقتي الملازم لهذه الأحداث في حينها الذي وإن تجمل في بعض المواضع الخاصة بالساسة ورجال الحكم فلن يتجمل في رصد ملامح المجتمع المصري وتزايد الفقر والمرض فيه بشكل لا يمكن إخفائه..وعبر تصفح العديد من مجلات وصحف الأرشيف الملازمة بشكل يومي لأحداث هذه الثورات والسابق عليها والتالي لها ننفض التراب معا عن كاهل الحقيقة والتي ستصبح واضحة للعيان عن معايشة ويمكن مناقشتها بموضوعية وشفافية وحيادية تامة ودون تحيز نابع من نوستالجيا وحنين مرضي للماضي وذلك لإعادة قراءة التاريخ وفهمه والحكم عليه والاستفادة من دروسه الحقيقية .. - من خلال كتابك “تأملات بين العلم والدين والحضارة”، ما هي العلاقة التي تراها بين الإيمان والعلم في عصرنا الحالي؟
الإيمان هو مظلة الأخلاق التي تضمن للعلم وجهته الصائبة ..فالعلم دون وازع من ضمير هو درب من دروب الهوى والعبث وأعظم العلوم ما كان في طاعة الله وموجها لتعميق الإيمان به ومحاولة استخدام مفهوم أن العلم مطوع لخدمة الإنسان والإنسانية هو التفاف حول حقيقة راسخة أننا جميعا من صنع الله وأن العلم أوجده الله ومنح الإنسان القدرة على إدراكه والوصول إليه وتدبر حقائقه ومعجزاته والاستفادة منه لغرس مفهوم الإيمان وتوكيده في نفوس الناس بأن للكون إله واحد لا شريك له وأن علينا جميعا عبادته والاقتداء بهديه .
والكتاب بجزئيه يضم أقسام متعددة منها قسم عن الأنبياء وحقيقة دورهم في ربوع التاريخ الإنساني المخطوط على المسلات والمعابد وقسم يضم مقالات طبية متعددة لتبسيط الأمراض المختلفة وطرق الوقاية منها وأشهر من أصيبوا بها وطرائف من حياتهم وصور من استخدام الأعشاب في العلاج والإعجاز العلمي النبوي والقرآني الذي يعضد من بعض هذه الاستخدامات والتي لزاما وأن تكون تحت إشراف طبي كامل كما يضم أيضا أقساما للقصص التاريخي الطريف والشيق الخاص ببعض الأمكنة والمعالم الأثرية .. - تناولت الأمثال الشعبية في كتابك “حكايات الأمثال”. برأيك، ما أهمية الأمثال في فهم المجتمعات العربية؟
الأمثال الشعبية هي نوافذ الحكمة لعموم المجتمعات وهي الوسيلة الحصرية التي يمكن بها الحكم على درجة وعي هذه المجتمعات وميراثها الثقافي ومبلغ تحضرها ورقيها خاصة الأمثال التي تتعلق بالمرأة.. وللشعوب العربية ميراث حافل من هذه الأمثال والحكم ..وقد حاولت في كتابي وإن بدا صغيرا حجما أن أعمل على جمع وتأصيل بعض الأمثال من مجتمعات عربية شتى ومقارنتها وتحليلها وإزالة اللغط حول بعض مفاهيمها ومعانيها ونقدها في بعض الأحيان إن بدت غير متسقة مع الدين والأعراف ووضعها في سياق آخر مناسب .. - كيف ترى دور الكاتب العربي في معالجة القضايا الاجتماعية والسياسية المعاصرة؟
هذا هو مكان الكاتب الحقيقي والأساسي كمرآة صادقة لعصره كناقل لهذه القضايا وراصدا لها وشاهدا عليها وفي الوقت ذاته ساعيا لإيجاد حلول لها ليس بالضرورة أن تكون حلولا وقتية التنفيذ بل على المدى المنظور يمكن أن تسهم أطروحاته وأفكاره في الإصلاح السياسي والاجتماعي والاقتصادي في وطنه..قد يستبطىء البعض هذه الإصلاحات بحكم خصوصية عالمنا العربي ولكنها قادمة حتى وإن كانت بطيئة وتسير بخطى متثاقلة . - من بين كتبك، أي عمل تعتبره الأقرب إلى قلبك؟ ولماذا؟
أكثر من كتاب ..أولها كتاب “فانتازيا الجائحة” والذي استكملت فصوله وأنا في طريقي إلى العمرة وكتاب “رواق القصص الرمضاني “وهو يمثل تحولا في طريقتي في الكتابة والبحث في أرشيف الصحافة المصرية ثم كتاب “أوراق مطوية ” والذي ضمنته مبحثين مهمين على عجل ولم يكن مخططا له ذلك وهما بحث عن جمع القرآن الكريم وطباعته والآخر عن الاغتيالات السياسية في عهد النبوة وكان ذلك قبل مغادرتي مدينة الرياض ومن الكتب التي استشعر أنه سيكون لها معزة في قلبي كتاب اعمل عليه حاليا بعنوان “خريدة محمد أفندي وحفيده العصري في رمضان” وهو باكورة أعمالي في محل عملي ومكان إقامتي الجديد برفحاء الحدود الشمالية وسيصادف شهر رمضان الكريم بإذن الله وفكرته جديدة في العرض وإن كان موضوعه في إطار كشف الستار عن مزيد من الحقائق والطرائف الحافل بها أرشيف الصحافة المصرية والأوراق التاريخية والكتب القديمة المجهولة . - الروايات التي كتبتها، مثل “ساعة عدل” و”خريف الأندلس”، كيف تعكس رؤيتك للتاريخ والأدب؟
أما رواية “خريف الأندلس” فتحاول قراءة واقعنا ومدى التفكك والتشرذم العربي الداخلي وانهزامه الذاتي بفعل التشدد وعدم قبول الآخر وكثرة مظاهر الترف ما خفي وما ظهر منها والصراع على الحكم وذلك عبر مضاهاة أحداث اليوم بالصراع داخل الأندلس وتحديدا حقبة المعتمد بن عباد ..أما رواية “ساعة عدل” فهي رواية علمية صوفية تناقش مفاهيم الجودة الطبية الشاملة وسبل تفعيلها والتحديات التي تواجه فرق الجودة في إطار تشويقي عبر صيدلي توكل له بعض المهام في مستشفى في الصحراء وتكون النهاية مفاجئة حيث تنتهي حياة البطل في أوساط الصوفيين وفكرة الرواية تعتبر سباقة في مناقشة هذه الأمور . - شاركت كتبك في معارض دولية. كيف استقبلها الجمهور العربي والدولي؟
كانت في دائرة اهتمام الكثيرين خاصة في العراق والذي اعتبره وطني الثاني وقد تبنت الصحف العراقية موهبتي في الكتابة منذ البداية وأفردت لي الصفحات وكانت كريمة معي لذلك أنا مدين بالفضل لهذا الوطن الذي احتضنني وللوسط الثقافي به وتجمعني الصداقة بشخصيات كثيرة فيه أكن لهم كل المحبة والود والشكر والعرفان بالجميل ويلي ذلك الجزائر وإن لم تشارك كتبي في معارضه ألا أن للصحافة الجزائرية فضل كبير علي في نشر أخبار كتبي ومقالاتي على مدار سنوات طويلة . - حدثنا عن كتابك “كلام في العلم” وأهم القضايا التي تناولتها فيه.
كتابي “كلام في العلم ” كما قلت في مقدمته هو عودة مرة أخرى إلى تقديم المستجدات في العلوم والطب بشكل مقالي بسيط ويسير وسهل للقراء وهي مهمة شاقة على المؤلف الذي يحتاج للقيام بترجمة آلاف الأبحاث الحديثة والدراسات التي تتجدد يوما بعد يوم وفي ذلك يقول الكاتب في مقدمته “فكان علي الاضطلاع بهذه المهمة لأن المجتمع المعاصر يحتاجها بقوة من أجل بناء كيان صحي يلتزم بإجراءات الوقاية وأساليب العلاج وتهيئة جيل عليه أن يستوعب أن العلم في تغير مستمر ولزاما اللحاق بركابه وارتياد محافله والاطلاع المستمر على مستجداته وكان اختياري عنوان “كلام في العلم ” لكتابي تيمنا بالباب الذي كنت اكتب فيه في صحيفة الدستور المصرية في غضون عام 2016م وكان يحمل هذا الاسم ..اعترف أيضا أن باعثي على العودة لمضمار الكتابة العلمية كان تأمل تاريخي فحينما شاهدت أثر شاهد يرجع لعام 1302هجرية أي بين عامي 1884م و1885م يقول “هو الحي الباقى..لما دعى رب العباد شفيقه..ليزين جنته بحسن قدومها..فرحت بها الحور الحسان و ارخت ..و شفيقه دار الهنا لمحلها”..داعبتني الأفكار وتدافعت الأسئلة في رأسي سراعا..جميل أن يعيش الإنسان على حلم أن تكون الجنة مآله ومستقره ومستقبله الأبدي ورحم الله الست “شفيقه” التي كتب على شاهدها هذه العبارات المبهجة الأنيقة ولكن بالتأكيد للجنة خطوات وسعي وأجل هذه الخطى وأرحبها طريق العلم فعن أبي الدرداء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مَن سلَكَ طريقًا يلتَمِسُ فيهِ علمًا ، سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ طريقًا إلى الجنَّةِ ، وإنَّ الملائِكَةَ لتَضعُ أجنحتَها لطالِبِ العلمِ رضًا بما يصنعُ وإنَّ العالم ليستغفِرُ لَهُ مَن في السَّمواتِ ومن في الأرضِ ، حتَّى الحيتانِ في الماءِ ، وفضلَ العالمِ على العابدِ كفَضلِ القمرِ على سائرِ الكواكبِ ، وإنَّ العُلَماءَ ورثةُ الأنبياءِ إنَّ الأنبياءَ لم يورِّثوا دينارًا ولا درهمًا إنَّما ورَّثوا العلمَ فمَن أخذَهُ أخذَ بحظٍّ وافرٍ)..لكن هل كل العلوم سواء؟!..بالطبع لا فالعلوم المقصودة هي العلوم النافعة التي تفيد البشرية ومنها العلوم الحياتية التي تختص بصحة الإنسان وحفظ حياة البشر ..
لم يكن الشاهد السبب الوحيد أو المحرك لنفسي في إعادتي إلى محراب الكتابة العلمية مرة أخرى – وقد كانت بداياتي في الصحافة بمقالات علمية وطبية -بل كان لخلو المكتبة العربية من مؤلفات منتظمة في نشر العلوم الحديثة وما طرأ عليها أعظم الأثر علي في العودة مرة أخرى لهذا المضمار …
أقول أن حبي للتاريخ والتأليف في مجاهله قد أبعدني لسنوات – وإن حرصت أن أضيف لهذه المؤلفات لمسات من العلوم – عن استكمال مشروعاتي في الكتابة العلمية والتي تتطلب مجهودا كبيرا في اختيار الموضوعات الشيقة والبحث الواسع بين المؤلفات والأبحاث الأجنبية بالأخص والترجمة منها للعربية لنقل أهم المعارف الحديثة وتطوراتها وتغيراتها وهذه نقطة شديدة الأهمية في الكتابة العلمية فالبعض يظن أن العلوم الحديثة ثابتة وأن إعادة تقديم ما تناوله بعض المختصين من سنوات كاف وواف وهذا خطأ جسيم فالعلوم دائمة التقلب والتغيير والإضافة والتصويب والشرح والتحليل وعليه كان لزاما أن أطرح في كتابي ما يساير العصر وتغيراته وتقلبات معارفه”ويشارك الكتاب في معرض القاهرة الدولي للكتاب 2025م بمشيئة الله… - كيف أثرت لقاءاتك الإعلامية مع التلفزيون المصري وراديو مونت كارلو على مسيرتك المهنية؟
أنا احرص جدا على الظهور الإعلامي المكثف.. فهذا العصر هو زمان الصوت والصورة فالقارىء لابد وأن يكون على مقربة من كاتبه المفضل وأن يستمع إلى مقتطفات مرئية وشروح من كتبه يلقيها بنفسه وبصوته ليكون على ثقة من أنه اختار الكاتب المناسب الذي يعبر عنه وعما يختلج في صدره وأن ما أنفقه من مال وجهد لم يذهب سدى ..
هذه اللقاءات على كثرتها وتنوعها كسرت لدي حاجز الخجل كما جعلتني في جاهزية تامة لأي لقاء سواء أكان محضرا له من جانبي أم لا ..ويحضرني هنا مثال قريب العهد فلقد فوجئت باتصال من إحدى المحطات وأنا في العمل ولم يكن باستطاعتي أبدا إنهائه حتى انتهي من العمل فكنت استوقف الإعداد للحظات كلما فاجئني مريض بالدخول وكنت استشعر الارتباك جدا وخشيت أن يخرج الحديث بشكل غير ملائم ومهلهل وغير منظم ..وأنا في العادة لا أحب الاستماع لنفسي فأنا ناقد قاسي في أحكامي وأرهق نفسي جدا في النقد لذلك عادة ما أرسل أعمالي ولقاءاتي لآخرين للحكم عليها ومنها هذا اللقاء الذي لم أكن راضيا عنه أبدا فإذا بالزملاء يمتدحون اللقاء ويصفونه بالأفضل لي على الإطلاق ..لذلك تعلمت من اللقاءات والحوارات ألا انظر في الحكم عليها من زاويتي ومن خلال ذائقتي بل اترك الزاوية الأكبر للمتلقي وهو الحكم الفصل والقاضي النهائي فلربما راق لي أمرا وهو عند المتلقي على غير ذات الحال وموضع نقد شديد منه ووقتها يحجب رضايا المزعوم عن ذاتي رؤية حقيقة الأمور فلا استفيد شيئا من التجربة .. - حصلت على العديد من الجوائز والتكريمات. كيف تقيّم تأثيرها على تطورك ككاتب وباحث؟
لقد اتخذت لنفسي طريقا في الكتابة والبحث وتطوير ذاتي وأفكاري بصرف النظر عن الجوائز والتكريمات ..ومنذ سنوات قليلة لم أعد أعير الجوائز والتكريمات بالا أو أبحث ورائها وذلك ليس زهدا أدعيه أو ترفعا أظهره بل لأني لا “أستكتب” أي لا تلوح لي الأفكار من رحم الجوائز بل يحركني عقلي في البحث عما يثير شغفي ويقدح زناد فكري ووقتها استل قلمي لأكتب واستمر في الكتابة دون كلل أو ملل يحدوني في ذلك حب وامتنان لما أفعل وهذا يجعلني اختلق الوقت للعمل التاريخي المفضل لدي فأجمع شتات المعلومات المخزنة في بطون أوراق صفراء متناثرة ومتهالكة لأحوله لنسيج تاريخي مفهوم يقارن الحقائق ويبحث في الأهداف والقيم ويمزج هذا كله بالعلم الحديث واقرأ المزيد والمزيد دون كلل وأدون كل ما توصلت إليه خشية الضياع والنسيان لأصنع عدة كتب سنوية وسط ضغوط شديدة في بيئة العمل التي لا ترحم وتحدياتها القاسية التي لا تلين وأضف لذلك الهجوم المستعر على شخصي من بعض باعة الأوراق والوثائق التاريخية على صفحات الفيس بوك مختبئين خلفها والذين لا يتجاسر أحدهم على الإعلان عن اسمه وقد انتهبوا أرشيفات بعض الوزارات والمؤسسات المصرية والمحاكم وحولوا أوراقها والمفترض أنها ملكية عامة إلى سلعة تباع وتشترى وتهرب لخارج مصر ويجنون من ذلك أموالا طائلة بعيدا عن مظلة الضرائب والمراقبة فأضرهم سعي الدؤوب لإتاحة هذه الأوراق التاريخية للناس على اختلاف توجهاتهم عبر جمع شتاتها وتتبع خيوطها وإخضاعها للبحث العلمي الجاد وللنقد والمقارنة والاستئناس ببعض وقائعها الطريفة وصناعة نسيج مترابط ومحكم منها يؤرخ للحياة الاجتماعية في مصر في مطلع القرنين التاسع عشر والعشرين بشكل حي ،حركي وليس أكاديمي بحت وهو مبحث شديد الأهمية وتخلو منه المكتبة العربية حاليا .. - في رأيك، كيف يمكن للكاتب أن يظل متجددًا ومواكبًا للمتغيرات الفكرية والثقافية؟
بالقراءة المستمرة في مساحات واسعة من العلوم ونحن في زمن تكامل واتساع العلوم وعدم انحصارها في مساحات ضيقة والاطلاع على التجارب المختلفة في البحث والتقديم والوسائل الحديثة المنتهجة فيه وضرورة استغلال الوسائل الإلكترونية المتاحة لأقصى حد ممكن فالعصر الحالي والقادم هما عصرا التكنولوجيا والتأثير من خلالها ..لذلك على الكاتب أن يكون جزءا من هذا التأثير ولا ينفك عنه ويعيش في كهف مظلم خاص به منعزلا عن العالم ومنتظرا إلتفاتة من العالم نحوه ونحو إرثه الثقافي يوما ما وهذا لن يتحقق وأبشره بذلك من اليوم لأن عجلة كتابة تاريخ هذا العصر قد بدأت في لحظات مهده في التو واللحظة ولن تتوقف.. إنها تخط بمداد إلكتروني متسارع كل ثانية فمن استطاع أن يوجد له مكانا وسط الزحام فاز وارتقى ومن ظل مرابطا في محرابه بلا حراك تراجع وانطوى ذكره وأثره ونماذج الفلاسفة والمفكرين والمثقفين الذين شاع عنهم في الماضي الانطواء وذاع ذكرهم بعد وفاتهم بعقود فهم تابعين لأزمنة غابرة لم يكن العلم في أزمنتهم بهذه الوفرة والزخم ولم تكن أعداد المتبصرين بحقائق الأمور ودقائق الأشياء بهذا التزايد المهول ولم تكن مواطن الحكمة بهذا التشعب ووسائل التواصل الاجتماعي بكل هذا الانفتاح العالمي شرقا وغربا فضلا عن حركة الترجمة التي أصبحت اليوم لحظية لتجمع إناسا من خلفيات وأيدلوجيات شتى حول مائدة مستديرة خلف شاشات هواتفهم للنقاش والمشاركة وتبادل الآراء.. كل هذه المعطيات أسست لطريقة مختلفة في كتابة تاريخ هذا العصر ومنجزاته وطريقة التأثير فيه والتأثر به .. - كيف ترى العلاقة بين الأدب والبحث العلمي، وهل يمكن للكاتب أن يكون عالمًا والعكس؟
الجمع بين الأدب والبحث العلمي أمر لازم فالعلم هو وقود العقل ونبراسه يضيء الطريق أمام أي مبحث.. وأدب بلا علم هو بلا شك في متاهة لن يجني منها القارىء شيئا سوى أن يشارك الكاتب ضلالات فكره وتوهماته السطحية والعميقة معا..والأدب مهم في تسهيل وتلطيف لغة العلوم وإزالة مظاهر جمودها وتقريبها من ذهن المتلقي ..مهمة الجمع بين الإثنين مجهود شاق لكنه ممكن وواجب تفرضه الأمانة والأخلاق لكن في حيز الواقع لا يوجد سوى أسماء معدودة هي من اضطلعت بهذه المهمة النبيلة ومارستها ومازال المحبون لهذا المزج بين العلم والأدب يتناولون كتبهم بشكل من التقديس والنوستولوجيا وفي ذلك خطر داهم لا يخفى على لبيب ذلك أن العلم يتطور في كل ثانية ولابد من ملاحقة العلم في جريانه وعدم التوقف عند اجتهادات مضى زمانها مع الاحترام التام لأصحابها ومدارسهم الفكرية التي تصلح كإطار عملي محرك لكن لا تصلح أن تكون هي العماد والقائد والمهيمن لابد من تجارب جديدة تجمع العلم بالأدب في بوتقة واحدة مع السعي للإلمام التام بأدوات البحث في العلوم الحديثة ووسائل الترجمة الصحيحة جنبا إلى جنب أدبيات اللغة ..
العالم يمكن أن يكون أديبا عبر الغوص في أعماق اللغة وتذوق جمالياتها لكن العكس صعب فالأديب غير المتخصص في العلوم ويريد أن يضطلع بهذه المهمة قد يقع في شراك الخطأ والخلط والعلم هنا هو الأساس أما اللغة فعنصر مكمل لذا فلابد وأن يضع عمله بين يدي أهل التخصص الذي يكتب فيه من أجل المراجعة والفحص وألا يجد في ذلك حرجا ويضع على غلاف كتبه وفي متنه أسماء الباحثين الذين عاونوه أو استظل بآرائهم وفي ذلك رفعة للكتاب وتتويجا للجهد الذي بذل فيه تحريا للأمانة والأصالة العلمية المطلوبة والمشترطة دوما في الأعمال التي تسلك منهجا علميا وأدبيا .. - كتبت عن أسماء الله الحسنى في أكثر من عمل. كيف أثر هذا الجانب الروحي في مسيرتك الأدبية والشخصية؟
إنها طقوس رمضانية تجذبني كل عام عبر تقديم عمل تاريخي وآخر ديني وقد بدأت الأعمال الدينية بأسماء الله الحسنى وصفاته العلى عبر كتابين حتى الآن هما : كتاب “من سجايا رمضان أسماء الله الحسنى” وكتاب ” رحلة ربانية في رحاب أسماء الله الحسنى” وذلك استشعارا بأهمية إحياء ما تتضمنه دروس هذه الأسماء والصفات من عظات وأخلاقيات وفضائل أتمنى أن تعود لتقود سلوكيات الناس في حياتهم وتسودهم وتهذب نفوسهم وقد ابتعدوا جميعا عن الأخلاق وحل محلها المادية والانتهازية فغابت القيم الروحية وأصبح الناس جميعا في صراعات لا تنتهي وما يتبع ذلك من استشراء المفاسد ومظاهر الظلم الاجتماعي.. اعترف أني وأنا اكتب في هذا الجانب النوراني الروحاني وجدت نفسي أكثر المستفيدين فهي تتوق للمزيد وتتطلع للتغيير والعودة إلى الحق والرشاد والطمأنينة في رحاب أسماء الله الحسنى وصفاته العلى.. - في رأيك، كيف يمكن للكاتب العربي أن يخاطب الأجيال الجديدة وسط الثورة الرقمية والتكنولوجية؟
لابد للكاتب وأن يبحث في الجديد الذي يهم القارىء ويثير شغفه وأن يستخدم الوسائل الحديثة في تقديم أفكاره ورؤاه ..المسألة ليست تقديم فكرة أو جملة أفكار وحسب بل ضرورة الإعداد لها واستيفاء جوانبها وتقديمها بالشكل الملائم والعصري الذي يحرك شهية القارىء لإتمام عملية القراءة والتفاعل والتجاوب والمشاركة والأخذ والرد وهذا هو الجوهر المطلوب والمردود السليم الذي لزاما أن يبحث عنه الكاتب ويضعه في حساباته ونصب عينيه طوال الوقت لذلك فالوسائل الحديثة خير معين مثل تحويل الكتاب إلى محتوى مسموع أو مرئي أو كلاهما معا هذا من شأنه أن يجذب شريحة ليست بالقليلة من الشباب الذين يمثل لهم ساعات العمل الطويلة حجر عثرة أمام إنفاق الوقت في القراءة والمطالعة. - ما هي المقولة الشهيرة التي أثرت بك، وتجد أنها تجسد أفكارك واعتقاداتك في الحياة؟
أحب حديثا ضعيفا للنبي صلى الله عليه وسلم يقول : (لا تكونوا إمعة، تقولون: إن أحسن الناس أحسنا، وإن ظلموا ظلمنا، ولكن وطنوا أنفسكم، إن أحسن الناس أن تحسنوا، وإن أساؤوا فلا تظلموا). هذا الحديث كان درسا هاما لي في وجوب أن يكون لي وجهة نظر خاصة في مجريات الأمور حتى وإن خالفت الناس جميعا تبقى هي وجهة نظري التي بنيتها على أسس علمية ترسخت من خلال الإلمام بالعلوم المختلفة والتجريب عبر رحلة عمري وهي ليست بالهينة لا على مستوى الدراسة والقراءة ولا السعي في دروب العمل ومشاقه وتحدياته.
بالتوفيق إن شاء الله
تغريد بو مرعي
خاصية التعليق غير مفعلة - يمكنك المشاركة على مواقع التواصل الاجتماعي