مشاركتي في مناقشة ديوان الشاعرة غادة الحسيني “متعب وجه الوطن”الصادر عن ملتقى الشعراء والأدباء العرب
قراءة في كتاب الشاعرة غادة الحسينى
« متعب وجه الوطن
لم أشارك في هذه المناقشة كناقدة فأنا لست في مقام النقاد ابدا بل اشارك كقارئة، ولأني وجدت تماهيا كبيرا مع مكنونات الشاعرة وفيما تطرحه في ديوانها “متعب وجه الوطن”وجدت نفسي كما اظن وجود الكثيرات من النساء اللواتي حملن قضايا الوطن في وجدانهن قبل اقلامهن وكيف لا اتماهى مع غادة الناقمة على الأوضاع التي تسود وتعصف في لبناننا الحبيب وانا شاعرة لبنانية وشاهدة على كل الأحداث المؤلمة ،هذه اللوعة التي تلدغ قلب كل مواطن صادق فكيف إذا كانت شاعرة مرهفة وعميقة مثل غادة الحسيني ؟
انا واقرا ديوان الشاعرة غادة تذكرت جملة سبق وقلتها في حفل توقيع كتابي :”انا انثى مصابة بالإحساس المفرط بالحب والألم والخوف على الوطن”
وأظن أن هذه العبارة تعبر ايضا عن شاعرتنا وخوفها على الوطن يتضح جليا عبر تعداد قضاياه والتوصيف الواقعي لكل ما يدور فيه من احداث من نهب لثرواته وفساد والطوابير وضيق المعيشة والقهر والتي اختزلتها بكلمة “المحن “التي ترددت في عبارات شتى في قصائد مختلفة “يا أمتي ” وقصيدة “رائحة الوطن”
في العبارات التالية :وكل أيامي محن”وتشتاق للهمس الشفيف واغنيات البوح في ليل المحن” البغض أورثه المحن”
في قصيدة “طفلة أنا ” كما أن تعاقب المحن على الوطن أورثه الوهن الذي تكرّر أيضاً في أكثر من قصيدة مثلا في العبارات التالية:على محطات الوهن
شعوبنا بين التذمر والوهن
لا يمل من الغناء على منصات الوهن
وغيرها وهذا الوهن الذي صور الوطن هزيلا ومريضا فانعكس ذلك على وجهه شحوبا واصفرارا فصار وجه الوطن متعبا
وكان العنوان اللافت للديوان.
خوف غادة على الوطن بدا جلياً وانصهارها في قضاياه فصار وجه الوطن هو وجهها المتعب أيضاً وكيف لا وهي مواطنة لبنانية قبل أن تكون كاتبة.
كما للحزن نصيب وافر في حروفها ..هذا الحزن النابع من مرارة الفراق أو ربّما بسبب حبٍّ مستحيل كان عميقاً لكن ربما القدر كان أقوى منه لكنّ غادة ما زالت تتوق إليه بالأمنيات والتمني وقد بدا عتبها على حبيبها الذي ما زالت تنتظر وذلك في قصيدة “لو نلتقي “وفي عبارة وردت في قصيدة قهوة حيث تقول: لو نلتقي عند المساء _
حضن اللقاء _ما زلت أحلم بالوعود
إلا أنها تعقب على تمنيها السبب الذي يحول عن اللقاء فتقول:كيف أحلم باللقاء وكل أيامي سفر
انت بعيد اللقا والمنال
في قصيدة محال
هذا الحلم الذي يراودها والذي يجعلها تحتفظ بأحزان دفينة لاستحالة تحقيقه ونكتشف ذلك في عبارة “خبّأ الأحزان” لكن رغم كل ذلك تبثّ الشاعرة أملاً لتقول :ما زلت انتظر اللقاء. هنا هنا من خلال تحليلنا للمعاني نجد غادة المثابرة والعنيدة والعناد هنا يعني التحدي والأمل رغم الحزن والوجع.
نجد ايضا غادة الشفافة وبنفس الوقت بأنّها واقعية ومنطقية نجد القليل من التناقض في مشاعرها بين تمني للوصول ومن ثم العدول عن ذلك لأنها رضخت ربما للقدر والظروف أو لرجوعها المنطق والعقلانية .
كما نجد غادة “الواضحة” التي تدرك ما تريد والتي تعبّر عنه بكل صراحة دون غموض فهي تناجي حبيبها للّقاء كي تستعيدَ الفرح في ربوع وطنها،كي تعود لتشعر أنها طفلة تجول بين الأشجار حيث كان العشاق يلتقون في الضيعة كي تنشد الحب تحت ضوء القمر وهنا تتجلى غادة العاشقة والتواقة للرومانسية في علاقة حب شفافة أسمتها بالربيع المنتظر فقالت ما زلت أنتظر الربيع…ما زلت أحلمُ بالزمان يعيدني طربا لنيل هواك “
هذا العشق الذي يعيد إليها اخضرار الروح لأنّ الفراق قد أدمى قلبها وجعلها تشعر وكأنّها قد فقدت صباها: وهذا يتجلّى في تكرار فكرة هاجس العمر التي تدّل على ندمها على تضيبع فرصة ما او على مرور الوقت دون أن تشعر بالسعادة كما يبدو خوفها من أن تقضي عمرها في ترحال وأن تكبر وتشيخ في غربتها قبل الوصال فتقول:ضاع الشباب ..سنين العمر تمضي
ضاع العمر ،أعدني إلى أحضان العمر . كي تستيقظ وتعود صبية هنا تناشد حبيبها بأن يعود إليها كي تستعيد شبابها وقد أشارت إلى عمرها عندما ذكرت “خمسون عاما”
لكن اللافت أيضا في قصائد الشاعرة التناص مع بعض آيات القرآن الكريم وتحديداً في ذكر ياجوج وماجوج وقوم عاد . والتناص الأكثر بروزاً مع سورة مريم حيث ذكرت الشاعرة “هزي إليك بجذع الحرف علّه يساقط شعراً ندياً “فنراها اختارت نفس القافية مع الآية الكريمة “هزي إليك بجذع النخلة يساقط رطبا جنيا “
والمعنى العام للقصيدة فيه تناص مع قصة مريم التي أمرها ربها بالصمت عندما يسألها شيئا القوم
وعندما قالوا لها :أنّى لك هذا ؟ فتقول غادة :ما زال العالم يسألني:أنّى لك هذا؟
فأجرّ صمتي
هذا الولوج للقرآن الكريم يكشف عن الخلفية المعرفية والدينية لغادة والتي كسبتها من جدّها العلاّمة كما عرفت من سيرتها .
كما الشاعرة اللبنانية التي هي ابنة الجنوب المعروف بطبيعته الخلابة التي تعزز الإلهام والصور الابداعية فهي قد ترعرعت دون شك على اغاني فيروز فنجدها تطلب من طائر الأحلام ان يخبرها عن الأيام عن شوقها عن بيت من الأوهام وكأنها تذكر بأغنية لفيروز:احكيلي يا احكيلي
عن بلدي حكاية . عن بيتي حكاية
واغنية أخرى:يا طير يا طاير على أطراف الدني
لو فيك تحكي للحبايب شو بني
وفي الختام تظهر غادة المرأة الشرقية التي تدوس على قلبها من أجل كرامتها لأن حبيبها لم يسمع لندائها ولم يهتم لشكواها فتأخذ قرارا بالرحيل
فتقول:لا داعي للبقاء. ولن أعود…لن أناديك حبيبي.
الكلام يكثر عن ديوان الشاعرة غادة الحسيني . أتمنى أن أكون قد أصبت ولو بذرة تراب من خصب تربتها وقلمها على مدلولات ديوانها الذي يحمل الكثير من الوطنية والحب والحزن والخوف على الوطن .
أتمنى للشاعرة المزيد من العطاء والتألق كما أتمنى لوطننا لبنان أقداراً اجمل كي تبتهج حروفنا وتكون مضيئة أكثر.
أشكر رئيس ملتقى الشعراء العرب الشاعر العزيز الدكتور ناصر عبد الحميد رمضان لمنحي هذه الثقة لمناقشة ديوان شاعرة عميقة وحبيبة غادة ابراهيم الحسيني
مبارك لك هذا النتاج وأختم على أمل أن يصير وجه الوطن ناطقاً بالجمال كما كان واكثر
آمنة محمد ناصر
الأحد /٩/١/٢٠٢٢
خاصية التعليق غير مفعلة - يمكنك المشاركة على مواقع التواصل الاجتماعي