
بين الحب والصوفية: قراءة نقدية في قصيدة “أمر عليكِ”
للشاعر ناصر رمضان *
بقلم: سلوى علي
مقدمة
تُعدّ قصيدة “أمر عليكِ” للشاعر ناصر رمضان عبد الحميد نموذجًا متكاملاً لقصيدة التفعيلة التي تمزج بين الرومانسية والصوفية، حيث تتجلى فيها مشاعر الضياع والبحث عن الهوية في المحبوبة. يتجاوز النص مفهوم الحب التقليدي ليصبح الحب طريقًا للخلاص الروحي، مما يضفي على القصيدة بعدًا وجوديًا وصوفيًا يجعلها تتخطى الغزل العادي نحو رؤية أكثر عمقًا.
البنية الفنية والأسلوبية
1- الإيقاع الموسيقي واللغة الشعرية
تنبني القصيدة على إيقاع داخلي نابع من التكرار والتناغم الصوتي، على الرغم من غياب القافية الموحدة. فمثلاً، التكرار الواضح لبعض العبارات مثل:
“أمر عليكِ” في بداية القصيدة يعطي إحساسًا بالاستمرارية والهيمنة العاطفية.
“وأنسى أنني” تكررت ثلاث مرات لتعبر عن حالة الذوبان الكامل في المحبوبة.
“أعيديني” تتكرر كطلب ملحّ يشبه الدعاء الصوفي لاستعادة الذات.
اللغة في القصيدة تتسم بـ البساطة والعمق في آنٍ واحد، حيث يعتمد الشاعر على اقتصاد لغوي ذكي، إذ يحمل كل لفظ دلالات متعددة تتداخل بين الحب، الغياب، والصوفية.
2- التشكيل الصوري والمجازات الشعرية
تمتلئ القصيدة بالصور المجازية التي تنقل المشاعر الداخلية، ومنها:
“صبحٌ يجمعني”: الصبح هنا ليس مجرد وقت زمني، بل يرمز إلى الولادة من جديد والأمل في العثور على الذات.
“حضنٌ يبعثرني”: في تعبير مفارق، إذ يُفترض بالحضن أن يكون رمزًا للاحتواء والوحدة، لكنه هنا يبعثره من شدة الانفعال الوجداني.
“ينفذ نجمي الثاقب”: النجم رمز للنور والإبداع، لكنه ينفذ، وكأن الشاعر يخشى أن يفقد إشراقه الروحي والفكري بدون محبوبته.
3- البعد الصوفي في القصيدة
يتجلى في النص بعدٌ صوفي واضح، حيث يصبح الحب وسيلة للذوبان في الآخر، كما في:
“وأنسى أنني / أنتِ”: هذا انزياح دلالي قوي، حيث يصل العاشق إلى مرحلة الاتحاد بالمحبوبة حتى يتلاشى التمييز بينهما، وهو مفهوم قريب من وحدة الوجود في التصوف.
“أعيدي اللفظ للمعنى / أعيدي الناي للمغنى”: هنا المحبوبة ليست فقط امرأة، بل هي الوجود الذي يمنح الشاعر الحياة والإبداع.
المحاور الدلالية للقصيدة
يمكن تقسيم القصيدة إلى ثلاثة محاور رئيسية، تعكس رحلة الشاعر النفسية والوجودية:
1- الحب كفقدان للهوية
يُظهر الشاعر كيف يمحو الحب حدود الذات الفردية، إذ يقول:
“وأنسى أنني / راهب / غائب / أنتِ”
هنا النسيان هو ذوبانٌ تامٌ في المحبوبة، حيث لم يعد الراهب زاهدًا، ولم يعد الغائب بعيدًا، بل أصبح كله هي.
2- البحث عن الذات المفقودة
يدعو الشاعر محبوبته لتعيده إلى ذاته:
“فدليني على نفسي”
“أعيديني إلى ذاتي”
في هذه العبارات، تصبح المحبوبة هي المفتاح لفهم الذات، مما يجعل الحب هنا أكثر روحانية وعمقًا من كونه مجرد علاقة عاطفية.
3- التجربة الصوفية والتماهي مع الآخر
في نهايات القصيدة، يصل الشاعر إلى ذروة التماهي الصوفي، حيث يطلب استعادة الحياة الروحية من خلال المحبوبة:
“أعيدي اللفظ للمعنى / أعيدي الناي للمغنى”
هنا يتجاوز الحب المعاني التقليدية ليصبح وسيلة لإعادة التوازن الكوني، حيث يرمز اللفظ والمعنى، والناي والمغنى، والحرف والمبنى إلى مبدأ صوفي جوهري، وهو إعادة الروح إلى الأشياء.
في النهاية :
قصيدة “أمر عليكِ” تتجاوز فكرة الغزل العادي إلى مستوى أعمق فلسفيًا وصوفيًا، حيث يبحث الشاعر عن ذاته في المحبوبة، ويرى في الحب طريقًا للخلاص الروحي. يوظف الشاعر اللغة ببراعة، حيث يخلق إيقاعًا داخليًا من التكرار والمجازات الغنية، مما يمنح النص عمقًا دلاليًا وموسيقيًا يجعله قريبًا من تجربة التصوف في الحب.
بهذا، يمكن القول إن القصيدة ليست مجرد نص رومانسي، بل هي تأمل وجودي في معنى الحب والذات والذوبان في الآخر.
أمر عليكِ
أمر عليكِ
في نومي
وفي صحوي
وفي غيمي
وأنسى أنني
راهب
وأنسى أنني
غائب
وأنسى أنني
أنتِ
فدليني على
نفسي
على صبحٍ
يجمعني
على قلبٍ
يلملمني
ويفرح بالمدى
الغائب
أعيديني
إلى همسي
إلى حضنٍ
يبعثرني
فيشرق وجهي
الشاحب
أعيديني إلى ذاتي
لأجمع فيكِ آهاتي
فأنتِ جميع غاياتي
وينفذ نجمي
الثاقب
أعيدي اللفظ
للمعنى
أعيدي الناي
للمغنى
أعيدي الحرف
للمبنى
فيرقص شعري
الناضب
*ناصر رمضان عبد الحميد
عضو اتحاد كتاب مصر
رئيس ملتقى الشعراء العرب
خاصية التعليق غير مفعلة - يمكنك المشاركة على مواقع التواصل الاجتماعي