
“فلسفة الاختيار” وتبئير المكان في المجموعة الشعرية “المنطقة الخضراء..” لعبد الحسين بريسم
بقلم : مؤيد عليوي / العراق
كان عنوانها الكامل “المنطقة الخضراء نصوص في استنطاق المكان” هذا عنوان يستفز القارئ، باتجاهات مختلفة فالمنطقة الخضراء عند الساسة برجهم العاجي وسدة الحكم والثراء الفاحش، عند الشعب العراقي السلطة تختلف شفرتها في دواخلهم من فئة الى اخرى ، فمنهم يراها باب الرزق من خلال شبكة علاقات ربحية ، وبعضهم يراها مكانا للظلم والقسوة خاصة الطبقات الفقيرة والمطالبين بتغير حال العراق الى افضل من حاله الان ، وبعضهم يراها عدوا لهم خاصة تلك الاحزاب المعارضة المتطرفة والتابعين لها في داخل العراق وخارجه، وبعض العراقيين يراها حلما أن يكون مسؤولا في المنطقة الخضراء عبّر الانتخابات، وبعضهم يراها مكانا للتظاهرات وحقا مشروعا لدخوله في أية لحظة للمطالبة السلمية بالتغيير والاصلاح، وفي كل هذا ثمة تفاعل بين المتلقي والعنوان تفاعلا بحسب ما في داخله اتجاه العنوان” المنطقة الخضراء”، فيما يراه الشاعر عبد الحسين برسيم في نصوصه ،غير ما تقدم كله تماما لأنها لغة شعرية إبداعية، فكانت شعرية المجموعة ترتكن الى صور الواقع اليومي، وسوف نقصد الى تطبيق” فلسفة الاختيار ” لمؤيد عليوي، المنشورة في موقع ” مقال كلاود ” التونسي ، خلال تبئير المكان في المنطقة الخضراء ، حيث كان اختيار الشاعر لمواضيعه بعناية وهي متصلة بالعنوان الشعري والاكثر شيوعا عراقيا ودوليا ، العنوان ” المنطقة الخضراء” إذ “فلسفة الاختيار” تعمل في منطقة اختيارات الشاعر الذهنية ليجعل العنوان متصلا بفحوى شعره ،ومحققا جانب الاستفزاز الشعري كما تقدم ، حيث نجد مفهوم الاختيار عند الشاعر كما في “فلسفة الاختيار ” ( ما معنى أن تختار وكل شيء متاح أمامك اليوم في سهولة لم تكن معهودة من قبلُ، ممكن ان تختار الخير والشر بحسب مفهوم ” فلسفة الاختيار” لتوافر المعلومات بطريقة مقروءة ومسموعة ومرئية .. فاذا تحرر الإنسان من خزين المعلومات في خلايا عقله والتي تؤثر في اختياراته سوف يختار بشكل صحيح ) لذا جاء العنوان اختيارا شعريا مبدعا وفي نقطة ثانية من “فلسفة الاختيار” أن الشاعر عبد الحسين برسيم يبحث عن النقاء في داخله، ليبثَ الخير والمحبة والجمال المتصلة بتفكيره وروحه وهي من حياته أو اليوميات يتعاطى معها كما خبرته ، وهل الشعر إلا صدق التعبير الفني عن الإحساس والفكرة معا ، ففي فلسفة الاختيار ( مفهوم الخير في “فلسفة الاختيار” أن لا تظلم الناس ،في داخلك النفسي ولا تفكر بعقلك أن تظلم الناس مهما كان الاختلاف بين البشر فطبيعة البشر أن يختلف وهي ميزة العقل، فلو كان بلا عقل لما حصل الاختلاف، لكن العقل ذاته هومَن يحدد كيف نختار ثم ما العقل هي مجموعة معلومات تلقتها خلايا المخ في رأس الانسان كوّنت مع مرور الوقت منظومة ذاتية للتفكير، عالمه المثالي الخاص به واتخاذ القرار والاختيار، وهذا المفهوم للخير متصل بأنك سوف تختار الصحيح الذي يؤدي الى خير اكبر حجما وهو أن تنفع الاخرين ، قدر استطاعتك وتدافع بقوة عن نفسك حين يقع الشر من الآخرين، وحاذر أن لا تتبعد عن منطقة الخير فيك ككل لا يتجزأ لكي لا تتحول الى ظالم عند الايغال في الدفاع عن نفسك)، فنلحظ جانب الخير للمجتمع العراقي ، حيث الشاعر البرسيم في شعره لم يكن راضيا عن استمرار عسكرة المجتمع بسبب سلطة المنطقة الخضراء كما في نص “الحرس القديم” الذي تكوّر به معنى العنوان المكان “المنطقة الخضراء” بدلالة السلطة القديمة الجديدة حيث النص يبوح برفض عسكرة المجتمع وأفراد ده وهم يُساقون للعسكرة بفعل السلطة المكان قديما وحديثا، نلحظ جانب الخير وطريقة التعبير الفني في الشعر عنه، بفكرة متوازنة تماما، بطريقة التلميح لا التصريح لا شر فيها البتة، النص اشارة الى السلطة بطريقة التظاهرة السلمية التي تريد اصلاح ما فسد بسبب تراكمات ماضوية بين نظامين راح ضحيتها الشعب ومن بقي منهم يتم عسكرته بطريقة أو بأخرى فالأنظمة مسؤولة أولا وأخيرا، إذ إحساس الشاعر بهموم المجتمع هو اختيار منه انفلت به الشعر الموهبة بطريقة حديثة معاصرة تناسب وقت الاتصالات الالكترونية وفسحة الديمقراطية ، أما المكان فنراه من النص ( السواتر العتيقة ،الاستعراض العسكري، ، التي لا تنتهي معلقة اوسمتهم / التي / طالما / تذمّرت نسوانهم / منها / لأنها مرتع للغبار / والعناكب-فالمقصود بيوت الجنود -) فهذا الأماكن تختص بالحرس القديم، كان تفاعل شخصيات الجنود في المكان الاول ( السواتر العتيقة ) الطاعة للأوامر العسكرية ومنهم مَن تُيرك عظاما فيُسنون في الاستعراض العسكري في المكان الثاني ، ثم يعود الشاعر مع من بقي حيا وانهى الاستعراضات العسكرية وصار حرسا قديما بمعنى استغنوا عن خدماته، يعود النص الى بيوت الحرس القديم فلا فائدة ترتجى من أوسمة العسكرة والحروب، اما تبئير المكان فهو بحسب مؤيد عليوي ، وباختصار مقتضب هو تفاعل الشخصيات في المكان، قد يكون التفاعل داخل المكان أو يكون خارجه، كتاب( تبئير داخلي للمكان / البيت… ، طبعة دار السكرية / ٢٠١٩ ، القاهرة ) وفي دراسات نقدية أدبية منشورة على شكل مقالة في الصحف العربية والعراقية، من هذا نرى تفاعل الجنود الحرس القديم في (السواتر العتيقة ) مواجهة بين حياة الجنود والموت من عدو لا يملكون اختيار قتاله ولم يكن لهم اختيار أن يكون عدوهم ،كما في حروب النظام السابق، كيف التفاعل في المكان؟! أنه تفاعل حاد جدا أما تعيش وتقتال أو تموت، أو تهرب من السواتر فتعدم على يد لجنة الاعدامات؟! ثم تفاعل الجنود في الاستعراض العسكري ، سيكون الالتزام والطاعة بالأمر العسكري مع الزهو والفخر فهو استعراض ممكن أن تراه في كل استعراض عسكري على (اليوتيوب) تستطيع أن تقرأ وجوه الجنود المُستعرضين وما بها من فخر وزهو وهم ينسون زملائهم عظاما على السواتر، ثم ننظر الى تفاعل نساء الحرس القديم في بيوتهم، فالمرأة هي من تنظف البيت، فيكوّن الشاعر من خلالهن صورته الفنية ذات المدلول الواحد وهو لا فائدة الاوسمة العسكرية بعد مرور الزمن .. عندما اصبحوا حرسا قديما. ثم يتحرك النص الى أماكن جديدة وحالة نفسية جديدة من التفاعل (الجنود المستجدون /لا يستعدون لهم /في الطرقات / حيث معسكرات التدريب) لكنها قديمة كان يمارسها الحرس القديم عندما كانوا مستجدين ؛ التفاعل في الطرقات للعسكريين والجنود في الطرقات ، فلا العسكريون يستعدون للجنود ولا ينظرون لهم باحترام ، فالجنود اقل رتبة من جميع العسكر وهم من يستعدون لجميع العسكر بمعنى لا احترام لهم كإنسان أما في (معسكرات التدريب) فعليهم الطاعة العمياء لأنهم وقود الحروب المشتعلة، تفاعلهم الطاعة والولاء للأمر العسكري فقط ، ( حيث معسكرات التدريب / على الموت/وبيتسمون لأنّهم /بعد حرب أو حربين / سوف يكونكون /أيضا/الحرس القديم ) ليعود النص الى بدايته مع تفاعل الشخصيات ذاته في المكان ، فهنا الشاعر البريسم يبحث عن النقاء بصدق كما نقل الواقع بصدق من خلال صوره الفنية في نصه وهذا النقاء وصدق التعبير الفني في شعره يتفق تماما مع ” فلسفة الاختيار” فالنقاء فيها أن يحاول الانسان أن يكون نقيا كما كان آدم أبو البشر نقيا وكما كانت حواء نقية ، فهل كانت عسكرة في زمان آدم وحواء ،فالشاعر يرفض عسكرة المجتمع كما تقدم بطريقة حوارية حضارية ديمقراطية من خلال عرضه حال الحرس القديم ونسائهم وحال الحرس الجديد ،يعرضها على عقولهم التي تختار اليوم فلا يوجد قانون تجنيد الزامي، مع حرية الاختيار تطوعا للعسكرة ، تماما كما اليوم من حق الإنسان آدم أو حواء، أن يفتح ( موابايلا له أو لها) ويختار ما يريد .. ولا يخلو النص من معرفة حركة الواقع وجدله في تركيبة الانظمة والافراد عموما، لذلك جاء بكلمة(يكونكون /أيضا/الحرس القديم) معبرا عن تلك الحركة في اختيارات الافراد من المجتمع .
كما يذهب عنوان المجموعة الشعرية ” المنطقة الخضراء.. ” الى حياة الناس ومعاناتهم في بيوتهم وهي أيضا منطقة خضراء أمنه بما تعني اليوم لأنها بيوت آمنة، و لا تخلوا من معاناة ينطق بها المكان في نص ” المطلقات الصغيرات ” في خمس مقاطع مُعلَمة (١- ٥)، حيث النص يتفرد بلغة جديدة غير المألوفة، المقطع الاول صورة فنية واحدة من النص الذي ينتهي (وفي المساء/ لم يبقَ إلا صورة الجوع) فالجوع هنا له معنى حاجة المطلقات الصغيرات لرجل بعد طلاقهن وجلوسهن في بيت اهلهن صابرات كما تقدمت به الصورة الفنية من المقطع، وفي المقطع الثاني يوضح الشاعر السبب في أن يصيرن صغيرات مطلقات ( الصغيرات / خدعهن العالم الازرق/ ومواقع التواصل الاجتماعي) في هذه الجزئية من الصورة الفنية المقطع نجد “فلسفة الاختيار” المعاصرة اليوم في عصر التواصل الاجتماعي الالكتروني واثره على اختيارهن وهن بحاجة الى الاهل لأنهن صغيرات في غياب اهل الصغيرات عن اختياراتهن لتكتمل الصورة الفنية في نهاية المقطع الثاني ( لان الحياة/ كانت أضيق / من سمّ الخياط) ثم نلحظ التفاعل لعن في البيت قبل الزواج المبكر وبعد طلاقهن وكذلك في المقطع الثالث ( على أبواب المحاكم الصغيرات ..)نجد قبل الزواج كان تفاعلهن رغبة في الجنس بسبب اهمال الاهل كما في المقطع الثاني ، وبعد الطلاق كان تفاعلهن الصبر والندم كما في المقطع الاول والثالث ، والمقطع الخامس والرابع تجيء الصور الفنية عن المطلقون من الرجال الصغار كما عبر عنهم الشاعر في صور فنية ايضا فيلقي اللوم على اهل الصغيرات والصغار في مقاطعه الخمس لتركهم أبنائهم وبناتهم صغارا لعبة بيد المواقع الزرقاء ، حتى في اوربا والغرب لا يسمح في البيت للصغار بفتح تلك المواقع او مشاهدة صورا ولقطات في التلفزة قد تظهر لاتناسب الصغار، وكذلك على فكرة الزواج المبكر دون حسابات مسبقة واسس نفسية في التربية والتعليم ، لكن اللوم كان بطريقة خفيّة يقع خلف المعنى الظاهر ، عندما تقرأه ستراه في نسق مضمر، كما يذهب عنوان المجموعة الى معاناة الأسرة العراقية من كلمة” البيت أو الدار” فهو منطقة خضراء آمنه لكن فيه معاناته ينطق بها تبئير المكان، بسبب المنطقة الخضراء رمزا للسلطة وفعلها المؤثر دائما في حياة المجتمع المتكون من عوائل وأسر في نص ” بيت أبي ” ونص ” حارس العائلة” دون النظر الى الزمان أو وقت السلطة، بل التركيز كان على المكان/ البيت هو مَن ينطق بمعاناة الناس اذ يتحول الخاص في ذاتية الشاعر للتعبير عن العام من خلال ما ينطق به المكان فيما كتبتْ أ.د رائدة العامري عن هذه المجموعة الشعرية ( يعد الديوان تجربة فريدة من نوعها لاستنطاق المكان بصورة أدبية رائعة، وينتقل الشاعر فيه ببراعة من الأبعاد المتنوعة إذ ينجح في استكشاف عواملها الداخلية بشكل مثير؛ ليعكس العمق والغموض الذي يعيش فيه) ص ٦ منه، فيما نجد تجلي الاثارة في مناطق خضراء من النصوص من مثل
( ” طيور حبّ العمارة “
عندما تحط طيور الحب
في سوق العمارة العتيق
تنشد أغنية واحدة فقط
اسمر وين مربّى شارب ماي عمارة
أزقة ضيّقة وفضاء أوسع من رأس نخلة
تطاول السماء ..)
عملت “فلسفة الاختيار” هنا على اختيار الشاعر للسوق الشعبي الاكثر اختلاطا بين الناس الفقراء واصحاب المحلات ومَن يرتاد سوقا عتيقا تاركا (المولات والسوبر ماركت)، فالفعل المضارع : (تحط طيور الحب ) تشير الوقت الحاضر اليوم المعاصر هنا تظهر اختيارات البرسيم الاصيلة في الانتماء الى الناس وبساطة الحياة ونقاءها فيكون تفاعل شخصيات السوق فيما بينها تفاعلا حميما كما عبر الشاعر على لسان طيور الحب وبطبية ومحبة اهل العمارة كما طيبة العراقيين المعهودة ..
وهكذا تجد الصور الفنية تترى في نصوص البرسيم عبد الحسين عند تبئير المكان في النسق الظاهر والمضمر من المعنى المُنزاح من العنوان “المنطقة الخضراء” في جميع نصوصه الخضراء بالعشق للحياة والناس والوطن، الى أماكن يتصل بها معنى الحياة ويومياتها البسيطة كما مرت الأماكن من السطور المتقدمة وهي تعانق” فلسفة الاختيار”.
خاصية التعليق غير مفعلة - يمكنك المشاركة على مواقع التواصل الاجتماعي