حوار مع الشاعرة الفنانة اللبنانية مايا يوسف
__
المقدمة
بقلم رئيس التحرير:
في عالم تتقاطع فيه الألوان مع الكلمات، وتتماهى فيه الحدود بين اللوحة والقصيدة، تطلّ علينا مايا يوسف، الفنانة التشكيلية والشاعرة اللبنانية، بحضورها الآسر وتجربتها الغنية التي تتجاوز حدود التقليد نحو أفق تعبيري متجدّد.
مايا لا ترسم فقط، بل تكتب بريشة القلب؛ ولا تكتب فقط، بل ترسم بحبر الروح. في هذا الحوار، نغوص معها في عوالم الفن والشعر، ونحاول أن نلمس شيئًا من نبضها الإبداعي الذي لا يهدأ.
وقد صدر لها حديثًا ديوان “رقصة الغياب”، ليضيف إلى تجربتها الأدبية بُعدًا جديدًا من التأمل والرهافة.
من هنا، كان لمجلة “أزهار الحرف” أن تحاورها، لتتعرف على مشوارها الفني والأدبي الحافل بالبحث والتجديد.
الحوار:
- مايا، بدأتِ من القانون لكنّكِ اخترتِ طريق الفن. ما الذي قادكِ إلى هذه النقلة الجذرية؟
رغم أنني درست القانون، إلا أن الفن كان يسكنني منذ الطفولة. لطالما كنت أبحث عن وسيلة أعبّر بها عن ذاتي العميقة، فوجدت في الفن البصري ملاذًا يحتضن روحي بحرية، وفي الشعر مساحة للبوح لا يحدّها منطق ولا تُقيدها قواعد.
كانت النقلة أشبه بإصغاء نقيّ لنداء داخلي لم أعد قادرة على تجاهله. فالإبداع، بالنسبة لي، ليس خيارًا بل قدر، يولد مع الإنسان ويطالب بأن يحيا.
- خضتِ تجربة تدريبية مهمة تحت إشراف الدكتور ناصر بالانجي. كيف أثّر هذا التدريب على رؤيتك الفنية؟
الدكتور ناصر بالانجي فتح أمامي أبوابًا جديدة لفهم الرؤية البصرية والتقنيات الفنية الحديثة. لم يكن مجرد تعليم أدوات وأساليب، بل كان رحلة نحو ذاتي العميقة، بحثًا عن جوهر التعبير الحقيقي.
تعلمت معه أن أرى ما وراء الأشكال الظاهرة، وأن أُعبّر عن أفكاري بجرأة، مهما بدت خارجة عن المألوف. لقد دفعني لاكتشاف طبقات أعمق من الإحساس، وصقل فيّ حريتي الداخلية كفنانة.
- لوحاتك تمزج بين الرمزية، التعبيرية، والتجريد. كيف تولدين هذه التوليفة في عملك الفني؟
هي توليفة تولد بشكل عفوي من تفاعلي العميق مع الفكرة والمشاعر. أحيانًا تبدأ الفكرة برمز صغير ينمو داخلي حتى يتحول إلى تعبير داخلي جارف، ثم ينحلّ في فضاء تجريدي يتيح للمشاهد أن يكتشف صوته الخاص داخل اللوحة.
أنا لا أرسم الواقع كما هو، بل أرسم ما يختلج في القلب ولا تراه العين. هدفي أن تكون لوحاتي جسرًا يعبر من الذات إلى الآخر.
- شاركتِ في معارض عالمية بارزة. ما المعرض الذي ترك فيكِ الأثر الأعمق ولماذا؟
معرض “Silkroad” في الصين كان لحظة فارقة في رحلتي الفنية. شعرت فيه أن صوتي قد وصل إلى قلوب لا تتحدث لغتي، لكنها تواصلت معي عبر اللون والرمز.
تلك التجربة أكدت لي أن الفن أوسع من الحدود الجغرافية واللغوية، وأنه لغة عالمية قادرة على اختراق الحواجز والوصول إلى وجدان الإنسان مباشرة.
- في ديوانك “رقصة الغياب”، هناك حس مرهف بالغياب والفقد. هل تحمل لوحاتك نفس هذا الشعور؟
نعم، لوحاتي أيضًا ترقص على إيقاع الغياب، لكنها لا تغرق في الحزن أو اليأس، بل تبحث عن الضوء الخفي في عمق العتمة.
الغياب بالنسبة لي ليس نهاية، بل لحظة تحوّل… إنه إعادة ولادة لمعانٍ أعمق داخلنا، وفرصة لنكتشف حقيقة حضورنا الإنساني.
- كيف ترين العلاقة بين الشعر والفن التشكيلي؟ وهل ترسمين القصيدة أم تكتبين اللوحة؟
بالنسبة لي، الفن بكل أشكاله هو كيان واحد ينبض بالإحساس.
لا وجود لفاصل حقيقي بين القصيدة واللوحة؛ أحيانًا أبدأ بلوحة تنتهي بكلمات شعرية، وأحيانًا تولد قصيدة فتدفعني إلى رسم عالمها اللوني.
كلاهما لغة واحدة تصدر من المصدر ذاته: القلب. وأؤمن أن من يعيش الفن حقًا، لا يستطيع أن يحبس إبداعه في قالب واحد.
- هل ترين أن الجمهور العربي يتفاعل مع الفن التشكيلي المعاصر بالقدر الكافي؟
هناك تطور واضح في الاهتمام، ولا شك أن الوعي الفني يتزايد.
ولكن، ما زلنا بحاجة إلى مزيد من المساحات الحرة التي تسمح للفنانين بالتجريب وكسر الأنماط التقليدية.
الجمهور العربي ذكي ومرهف الإحساس، لكنه أحيانًا يكون محكومًا بذائقة مألوفة، ودورنا نحن الفنانين أن نُوسع هذا الأفق، ونفتح نوافذ جديدة للرؤية والتلقي.
- ما الذي يشغلكِ حاليًا في مشاريعك الفنية أو الأدبية؟
أعمل حاليًا على إقامة معرض خاص يحمل بصمتي وأحلامي، معرضًا يروي حكايتي البصرية بكامل حرارتها.
كما أشارك في تحضير معرض مشترك مع مجموعة من الفنانين والأدباء، نهدف فيه إلى إحياء أرواح شعراء كبار رحلوا عن عالمنا، لكنهم باقون بيننا بإبداعهم الخالد.
إلى جانب ذلك، أعدّ ديواني الجديد الذي أكتب صفحاته بروح أكثر هدوءًا وتأملًا، ديوان عن الحب الحقيقي كحالة وجودية لا مجرد عاطفة.
- ما الرسالة التي تحاولين إيصالها من خلال فنك وشعرك؟
رسالتي هي أن نعود إلى ذواتنا العميقة، أن نرى الجمال حتى في مواضع الألم، وأن نتلمس الضوء في أعتى اللحظات ظلمة.
أؤمن أن الفن ليس ترفًا ولا رفاهية، بل حاجة روحية أساسية تُغني الإنسان وتجعله أكثر التصاقًا بجوهره الإنساني.
كل عمل فني صادق هو دعوة للحب والسلام، ولإعادة الاتصال بالله، بالإنسان، وبالطبيعة… وقبل كل شيء، بأنفسنا.
- وماذا عن الملتقيات الأدبية، خاصة ملتقى الشعراء العرب، ومجلة “أزهار الحرف”، وتجربتك مع الشاعر ناصر رمضان عبد الحميد؟
ملتقى الشعراء العرب ومجلة “أزهار الحرف” قدّما لي مساحة ثمينة للتفاعل مع طاقات أدبية نابضة بالحياة.
أنا فخورة وسعيدة بانتمائي لهذا الفضاء الإبداعي الذي يؤمن بالكلمة الحرة والفن الأصيل.
أما تجربتي مع الشاعر ناصر رمضان عبد الحميد، فهي تجربة ملهمة وعميقة.
إنه المشجع الأول والأخير لي وللجميع، لا يبخل بدعمه ومساندته.
كان له دور كبير في دفعي إلى الأمام، وقد كتب مقدمة ديواني “رقصة الغياب” بمشاعر صادقة وأسلوب بليغ.
ومهما قلت، فلن أوفيه حقه، فهو رفيق الدرب والكلمة، وأحد أهم الداعمين الحقيقيين لمسيرتي الفنية والأدبية.
حاورتها من لبنان:
جميلة بندر
محررة بمجلة “أزهار الحرف”

خاصية التعليق غير مفعلة - يمكنك المشاركة على مواقع التواصل الاجتماعي