
قصة قصيرة بعنوان “المرأة الحديدية”
لم يكن يثيرني مصطلح “المرأة الحديدية” من ذي قبل كوني كنت علىٰ قناعةٍ تامةٍ أن المرأة ضعيفةً مهما بلغت من قوةٍ لذلك تلجأ عادةً إلىٰ السحر، والمقصد اللغوي بالسحر ليس العرافة والكهانة، وضرب الودع والرمل أو استقراء الفَلَك من نجومٍ وكواكبٍ أو استحضار الجان والشياطين إنما كل ما من شأنه الخداع، وتغيير الحقائق هو من السحر
فالمرأة كما عرفتها بارعةً في ذلك من كيدٍ وغيرةٍ ونكايةٍ وإفكٍ وكذبٍ وتدليسٍ ومكرٍ وخداعٍ، وغيرها من الطباع والسلوكيات السلبية، وذلك كما أفسره ما هو إلا نتاج حالة الضعف التي هي عليها، فالقوي لا يلجأ إلىٰ هذه الحيل والأساليب إنما يفرض شخصيته وسياساته بما يملكه من قوةٍ، والمرأة ليست أبشع من الشيطان، والله عز وجل أخبرنا في أنباء إبليس: {إن كيد الشيطان كان ضعيفا}
وقد جمعتني الأقدار بالسيدة منال، وكنيتها أم إيادٍ، وكانت امرأةً مطلقةً في مطلع الثلاثينات من العمر، ولديها ولدها الوحيد الطفل إيادٍ أنجبته من طليقها قبل الإنفصال، وقد تركها الزوج دون توفير مسكنٍ أو نفقةٍ لها وطفلها، وليست ظروف أهلها علىٰ ما يرامٍ كونهم لا يملكون مكانًا لتسكينها وطفلها، فلجأت إلىٰ استئجار شقةٍ كنت أسكن بها في منطقة وسط البلد بالقاهرة لكنها تحتاج إلىٰ الكثير من التشطيبات والمفروشات لتكون مهيأةً للإقامة الدائمة
وكنت أتغاضىٰ عن أمور التشطيبات والمفروشات تلك كوني فردًا مغتربًا غير مقيمٍ بشكلٍ دائمٍ، ولدي مسكنٍ بديلٍ بينما هي عكسي تمامًا تحتاج إلىٰ مسكنٍ مستديمٍ لتوفر الاستقرار لنفسها وطفلها، فأتت إليَّ ليلًا بصحبة أحد السماسرة، وشاهدت الشقة، وأخبرتني أنها بحاجةٍ إلىٰ الكثير من المصروفات بغرض التشطيب والفرش مما سيدفعها إلىٰ خصم جزءًا كبيرًا من القيمة الإيجارية نظير الأعمال التي ستتكلف بها، ومن هنا لمحت مهارتها التفاوضية كأنها تاجرةً، وابنة سوقٍ
ومن باب التضامن معها، والتيسير عليها لم أكن أرفض لها كلمةً، وأتساهل معها بالرضا والموافقة علىٰ كل ما تقول، وبالفعل سلمتها المسكن بكلمة تقوىٰ دون أي عقودٍ أو أوراقٍ بيننا تربطنا أو تلزمنا بما اتفقنا عليه، وغادرت وتركتها، وأنفقت هي مبلغًا كبيرًا حينها يتخطىٰ خمسون ألفًا دون خشيةٍ من خسارة أموالها، فلما سألتها عن هذه الجرأة في المجازفة دون سبق معرفةٍ، فقالت: أنا لدي نظرةً في الرجال، وأنا أستأمنك علىٰ الذهب، فقلت لها: لن أخيب ظنك أبدًا، ولن أتلف عليك جنيهًا، والمسكن لك، وإن لم تدفعي شيئًا
ومع تطور العلاقة والمعرفة فوجئت بها تعمل في إحدىٰ الشركات بمدينة أكتوبر، وتقطع سفرًا ذهابًا إيابًا كل يومٍ لمدة ساعاتٍ، وتترك طفلها لوالدتها حتىٰ تعود، وتدفع أجرة المسكن، وتنفق علىٰ نفسها والطفل، ولا أحد يساعدها في المعيشة أو يتكفل بشيءٍ من احتياجاتها الشخصية، ولو كنت قادرًا علىٰ الكسب والنفقة حينها لساعدتها من حر مالي لكن كانت العين بصيرةً، واليد قصيرةً كما يقول المثل؛ لكني تعلمت الكثير من الدروس من هذه المرأة في ضرورة كفاية النفس، والاعتماد علىٰ الذات، ومواجهة الظروف والتحديات، وعدم الاستسلام للواقع، ومن هذه النقطة بدأت أيقن مفهوم مصطلح المرأة الحديدية. انتهىٰ