من مدينة صور الجنوبية، خرج صوت شعريّ يحمل في نبراته عمق الجنوب وشفافية العلم.
هي مريم سليم شمس الدين، شاعرة وباحثة، تجمع بين الشعر والجينات، بين المختبر والكلمة.
حائزة على شهادة الماجستير البحثي من الجامعة الأميركية في بيروت، ومن الجامعة اللبنانية في المعهد العالي للدكتوراه.
عضو في ملتقى الشعراء العرب واتحاد الكتّاب اللبنانيين، وأستاذة في مادة علوم الحياة.
نالت جوائز أدبية وأكاديمية عدة، ونشرت قصائدها في لبنان والعالم العربي.
لها ديوان منشور بعنوان “تنهيدة في ذاكرة المعنى”، وآخر قيد الإصدار.
من هنا كان لمجلة أزهار الحرف معها هذا الحوار.
حاورتها جميلة بندر.
- مريم، كابنة لمدينة صور الجنوبية، كيف أثّرت جذوركِ وانتماؤكِ المكاني في شخصيتكِ الشعرية والإنسانية؟
ج١:
صور “سيدة البحار”، وهي بموقعها الجغرافي على شاطئ البحر المتوسط، ملهم أول يطرّز روحك بزركشات آثارها وطبيعتها وطقسها. فالأخضر في ألوان عيونها سحر متربّع على عرش المدن، فهي الحياة لكل ما هو قديم، والتجدد المحلق في فضاء الشمس. والأزرق في عالمها قصيدة تترك أثرها في قلب كل عاشق. ومن ناحية أخرى، عرفت من تنوع الأديان فيها معنى الإنسان: معنى التعاون والمشاركة والانفتاح على الآخر. إنها أم تحضن الوجود وتحثك لتذرف شعرًا وشغفًا لا يهدأ نبضه. كل ما فيها جمال في جمال. - كيف بدأتِ رحلتكِ مع الشعر؟ وهل سبقها اكتشاف داخلي أم كانت نتاج تفاعل مع محيطكِ؟
ج٢:
الشعر مجبول في فطرتي، فهو أصلي ووجودي وذاتي، ينبع من جوارحي، وقد تسرّب فيضه الداخلي إلى المحيط ليجعل منه وسطًا مشجعًا لإكمال المسيرة الشعرية. - تحملين شهادة ماجستير بحثي في علم الجينات والصحة من الجامعة الأميركية في بيروت. كيف انعكس هذا التخصص العلمي على كتابتكِ الشعرية؟
ج٣:
علم الجينات والصحة يحتاج إلى تحليل ودقة وملاحظة وتركيز على التفاصيل، والوصول إلى هدف من خلال التجارب والبحث في نتائجها ودراسة أبعادها. وهذا مجتمعًا يلتقي مع كتابة الشعر، فالقصيدة فكرة، لها هدف ورؤية وأفق. في الحالتين، وجدت في نفسي راحة تشبع رغبتي في البحث والمعرفة والتعلم. - تتابعين دراستكِ في المعهد العالي للدكتوراه في الجامعة اللبنانية. ما الموضوع الذي بحثتِ فيه؟ وهل وجدتِ مساحة للربط بين شعركِ وأبحاثكِ العلمية؟
ج٤:
أنا نلت الماجستير البحثي من المعهد العالي للدكتوراه، وقد توقفت رغم منحي الدكتوراه، لأنه أصبح لدي التزامات أخرى. بحثت حينها في دور جينات محددة في سرطان الثدي عند المرأة، وهو بحث ضخم شاركت فيه العديد من الدول نظرًا لأهميته وسعيًا في إيجاد الحلول. - كونكِ أستاذة تعليم ثانوي في مادة علوم الحياة، كيف توفّقين بين مهنتكِ الأكاديمية وشغفكِ الأدبي؟
ج٥:
الشغف موجود كأستاذة، حيث تتحول المادة عندي إلى تفاعل وعطاء وتبادل آراء وأفكار بيني وبين التلامذة. الشعر عندي مادة تحتاج إلى تفاعل وتواصل مع القارئ، وهو ما يعزز شغفي نحو مزيد من الكتابة. الشغف بدوره هو العامل الذي يساعدني على التوفيق بين مهنتي الأكاديمية وشغفي الأدبي. الشغف يصنع لي وقتًا أوفّره كي أكتب شعرًا. - حصلتِ على المرتبة الثانية في مباراة مجلس الخدمة المدنية. كيف تقرئين هذا الإنجاز؟ وما الذي أضافه لمسيرتكِ المهنية؟
ج٦:
حقيقة، هذه المرتبة تركت أثر فرح كبير في نفسي لعدة أسباب، أهمها أنها مباراة على صعيد لبنان بين أساتذة علوم الحياة، فالمنافسة كانت كبيرة بين أساتذة ذوي خبرة، وأنا وقتها لم تكن لدي الخبرة الكافية في التعليم، ورغم ذلك تحدّيت الظروف ومضيت. هذا الإنجاز أعطاني خبرة في التعليم وطوّر شخصيتي في التواصل الاجتماعي. - حصدتِ المرتبة الثانية في جائزة اتحاد الكتّاب اللبنانيين وكذلك في مسابقة لقاء الأدبية. كيف استقبلتِ هذه الجوائز؟ وهل تُغيّر شيئًا في نظرتكِ لنفسكِ كشاعرة؟
ج٧:
حصولي على هذه الجوائز شجعني على الاستمرار في الكتابة، وخاصة أنني حصلت أيضًا على جائزة المتنبي للشعر الفصيح من فترة قصيرة. هذا يجعلني أزداد إيمانًا وأثق بقدراتي على المضي حبًا في مسيرتي الشعرية. الجائزة هي فرصة للظهور أكثر. - نُشرت قصائدكِ في مجلة “أزهار الحرف” ومجلات إلكترونية عربية. كيف تتعاملين مع النشر الورقي مقابل النشر الرقمي؟
ج٨:
نشر قصائدي في مجلات إلكترونية معروفة يشعرني بالاطمئنان لأنها جهات معروفة توثّق الحرف وتحفظ حقوق الكاتب الفكرية. فهي تحفظ اسمه وجهده. ولا أخفي شعوري المطمئن كثيرًا في النشر الورقي. الكتاب أعتبره مصدر أمان يحتوي فكر الكاتب ويخلّد أثره وأعماله. والعالم الرقمي عالم معقّد متشعّب، من السهل جدًا تغيير الحقائق من خلاله. - ديوانكِ “تنهيدة في ذاكرة المعنى” عنوانه عميق ومفتوح التأويل. ما الذي أردتِ أن تقولي من خلاله؟
ج٩:
“تنهيدة في ذاكرة المعنى” هو ديوان يختزن في الذاكرة معاني عن الوطن والحب والطبيعة والوداع واللقاء والخذلان والغربة والفراق والعزلة والموت والحياة، وهي معانٍ قيّمة لها وجود وتستحق أن يُصنع لها ذاكرة، لأنها تترك أثرًا على صعيد الفرد والمجتمع. - ماذا عن ديوانكِ القادم؟ هل يختلف من حيث الأسلوب أو الرؤية عن العمل الأول؟
ج١٠:
الديوان القادم بالنسبة لي هو ديوان أكثر عمقًا، فالتجربة الشعرية الأولى طورت من طريقة تفكيري وجعلتني أكثر نضجًا ووعيًا، حتى في انتقاء المفردات لولادة ديوان جديد من تجربة سابقة. - من هم الشعراء الذين تأثّرتِ بهم؟ وهل هناك مدرسة شعرية تعتبرين نفسكِ قريبة منها؟
ج١١:
طاغور،
نازك الملائكة،
جلال الدين الرومي.
تأثرت بشكسبير كشاعر أجنبي لما يحمل في شعره من فلسفة وعمق وموسيقى. - كيف تنظرين إلى حضور المرأة في المشهد الأدبي العربي اليوم؟ وهل شعرتِ يومًا بأنكِ كنتِ بحاجة لإثبات مضاعف لأنكِ امرأة؟
ج١٢:
المرأة حاليًا تشهد حضورًا فعّالًا في الوسط الفني. ففي الآونة الأخيرة ظهرت الكثير من الشاعرات اللواتي أبدين موهبتهنّ بكل ثقة وقوة، متحررات من الأفكار البالية التي تطمس المرأة وتطمس قدراتها في التعبير عن نفسها وممارسة هواياتها، وكأنها مخلوق عليه أن يختبئ كي يرضي المجتمع. المرأة اليوم ترفض العادات والتقاليد التي تقيّد موهبتها. وحاليًا، أنا لست بحاجة أن أبرر أو أثبت شيئًا لأحد. ما يهمني هو أنني إنسانة واعية أميّز بين ما هو صحيح وما هو خاطئ، وأعرف وجهتي وحدودي. - ما الذي تسعين لتحقيقه شعريًا في المرحلة القادمة؟ وما المساحة التي تركنين إليها حين تكتبين؟
ج١٣:
هناك الكثير من المواضيع التي تختزن في ذاكرتي ولم أكتبها بعد، ليس ترددًا إنما لضيق الوقت. هي مؤجلة في داخلي عاجلًا أم آجلًا، وأحرص كل الحرص أن أكتبها حتى تصل قصائدي إلى كل محب للأدب والشعر، وأن أترك أثرًا بعد رحيلي إلى العالم الآخر.
الهدوء والسكينة عاملان مهمان لتحفيز الكتابة عندي، ولا يخلو الأمر من مواقف صاخبة تدفعني أيضًا للكتابة. - بصفتكِ عضوًا في ملتقى الشعراء العرب الذي يرأسه الشاعر ناصر رمضان عبد الحميد، ماذا يمثّل لكِ هذا الانتماء الأدبي؟ وكيف تنظرين إلى دور هذا الملتقى في دعم الكلمة الشعرية؟ وهل يُحمّلكِ هذا الحضور مسؤولية إضافية تجاه كتابتكِ ومشاركاتكِ؟
ج١٤:
هذا الانتماء يشعرني بالاحتواء والمسؤولية. ويسعدني كثيرًا أنني عضو في ملتقى الشعراء العرب برئاسة الشاعر ناصر رمضان، لما له من دور قوي في التشجيع والتحفيز ومواكبة الأحداث والأفكار. ففي الفترة الأخيرة، برزت أنشطة شعرية عديدة شاركت فيها، فأنارت داخلي بنور الفن والحب. وتحية خاصة للشاعر ناصر رمضان على تواصله الذكي والأخلاقي، الذي حقق من خلاله استقطابًا للعديد من المنشورات من مختلف الدول العربية.
حاورتها من لبنان: جميلة بندر
عضو في ملتقى الشعراء العرب
محررة في مجلة أزهار الحرف
