خذلان ناعم في زمن متحضر
ليست كل الضربات التي نتلقاها مؤلمة بعضها كاشفة ومرضي الأخير لم يكن مجرد صحية بل كان غربالًا ناعمًا فرز لي
القلوب والنوايا في تلك الأيام الثقيلة وأنا بين أوجاع الحمى وأحاديث الصمت لمستُ الفرق الكبير بين من أحبني حقًا ومن تذكرني فقط من باب المجاملة هناك من غمرني بسؤاله بدعمه بحضوره الصادق وكأن روحي تهمه وهناك من اكتفى برسالة على الطاير جبر خاطر لا أكثر وآخرون لم يظهروا على الإطلاق وكأن وجودي في حياتهم كان مشروطًا بالعطاء لا بالحاجة أدركت حينها أن الضعف لا يُقصي فقط قوتنا الجسدية بل يُقصي أيضًا الزيف من حولنا تتساقط الأقنعة وتبقى فقط الوجوه التي تستحق أن تبقى…
لكن سؤالي الذي لم يفارقني هو: لماذا أصبحنا هكذا؟
أين ذهب ذلك الدفء الذي كان يربط الناس ببعضهم؟
قبل سنوات كان القرب الإنساني أعمق والمواقف أكثر حضورًا والعلاقات رغم بساطتها كانت أكثر صدقًا..
هل السبب في التطور؟
هل ساهمت التكنولوجيا ووسائل التواصل ووتيرة الحياة السريعة في جعل علاقاتنا أكثر هشاشة؟
هل أصبح الإنسان أكثر انشغالًا بذاته وأقل وفاءً لما حوله؟
أم أن التربية تغيرت والقيم أصبحت تُبنى على الفردية لا الجماعة؟
في زمن التحضر صرنا نمتلك كل أدوات الاتصال ولكننا نفتقد الشعور بالتواصل
نكتب كثيرًا نتحدث بلا توقف نُرسل رموزًا وقلوبًا ووجوهًا مبتسمة لكن الأرواح لا تلتقي نُجيد القرب بالشكل ونمارس الغياب في الجوهر..
في زمن التحضر أصبحنا بلا تحضر
تقدمنا خارجيًا وتحجرت بداخلنا أرقى ما كان فينا إنسانيتنا
أنا لا أعاتب أحدًا
فالمواقف لا السنوات هي التي تكشف معدن الإنسان بعض العلاقات تنضج وبعضها يتقشر وبعضها يسقط تمامًا دون أثر.
وهنا تعلمت…
تعلمت أن الحب ليس كلمات بل حضور
أن من يحبك لن يسمح لغيابك أن يمر بصمت وأن من يغيب في ضعفك لا يستحق أن يعود في قوتك فشكرًا من القلب لكل من كان سندًا في ظروفي لكل
من جعل حضوره طمأنينة وكلامه دواء
ولكل من أثبت أن الإنسان يُقاس بمواقفه لا بوعوده بعض الآلام تهدينا وضوحًا لا يقدمه أي شعور آخر ففي ضعفنا نتقوى بمعرفة من يُشبهنا ومن يُشبه الغياب…
ويظل السؤال قائمًا:
هل التطور هو حلمٌ يأكلنا ببطء أم هو مرآة تعكس وجوه القيم بأشكال لم نعهدها؟
منار السماك
بدرية دورسن /لا عزاءَ يكفيني
لا عزاءَ يكفيني… تبعثرنا كوريقاتِ أزهارٍ هَوَتْ بها العاصفة. تُكتَبُ نعواتُنا بغُصّةِ في الحناجر، ويُقامُ عزاؤُنا يومَ السبتِ… أو الأحد،...
اقرأ المزيد