الوقاحة المُقنعة سُم في قفاز من
حرير)
بقلم: منار السماك
في هذا العالم لا أحد يصرخ في وجهك علنًا الصراخ موضة قديمة اليوم تُذبح
وأنت تظن أن أحدهم يدلك كتفيك نحن في زمن اللباقة القاتلة حيث تُرتكب الجرائم بابتسامات كاملة الأسنان وتُرتدى أقنعة من حرير فوق وجوه لا تختلف كثيرًا عن المطاط البشري الوقاحة لم تعد فظة بل أنيقة ترتدي
بذلة رسمية تحجز موعدًا مسبقًا وتُرسل لك اعتذارًا مهذبًا بعد أن تدوس على كرامتك الكلمات الناعمة النوايا المُسممة الوقاحة المُقنعة لا ترفع صوتها بل تُخفضه تُحدثك باحترامٍ بالغ وأنت تنزف تضع يدها على كتفك لا لتمسح دمعتك بل لتتأكد أنك لا تنهض مجددًا
يُقال لك:
فعلتُ عنك الأفضل
بينما الحقيقة أحدهم أزاحك ليأخذ مكانك بدقة جراحية
تُقال لك
مجرد ملاحظة بسيطة لكنها مرصودة بدقة قناص تصيبك في نقطة لا تراها أنت أصلًا
وإن احتجت
ستُتهم بأنك حساس درامي وتفتقر إلى روح الدعابة
الوقاحة الذكية لا تجادلك بل تجعلك تشك في نفسك إنها لا تهاجمك بل تُربت على كتفك لتطمئن أنك تنهار تجعل منك عدوًا لنفسك أنت من فهم خطأ
أنت من تتأثر زيادة أنت فقط نسيت أن ترى الخنجر لأنه ملفوف في وشاح
الوقاحة هنا أشبه بالبنج الموضعي
لا تشعر بالوجع لحظة الطعنة لكنك تنهار لاحقًا وأنت لا تفهم لماذا لا تشتكِ أنت تسيء الفهم حين أُطلق النار على بيتك لا تُحرجني باتهامي بالعنف
أنا فقط أمارس حقي في الدفاع الوقائي عن راحتي النفسية
حين أُهدم منزلك بالكامل صدقني لم يكن ذلك عداءً لك كنت فقط أعاني من حساسية مزمنة تجاه الجدران المرتفعة
أما حين أقطع شجر الزيتون تحت قدميك
لا تتهمني بتدمير رزقك
تلك الأشجار كانت تعيق زاوية التصوير في حملتي الإعلانية
ثم إن رزقك لا يدخل في نطاق عملي
أنا موظف في قسم التحسين البصري للمشهد العام
في العالم الحديث الناس لا يطعنونك في ظهرك بل أمامك بابتسامة
ثم يعتذرون لك لأنك نزفت ويطالبونك بالتفاهم
نحن في حفلة تنكرية كبرى:
الضحايا يرتدون أقنعة الرضا
والجلادون يوزعون بطاقات شكر
الطعن أصبح نشاطًا يُمارس بروح إيجابية
لماذا هي الأخطر؟
لأنها تبدو طيبة
لأنها تُسقطك وأنت تظن أنك ترتقي
لأنك تحتاج وقتًا طويلًا لتُدرك أنك أُهنت ووقتًا أطول لتغفر لنفسك أنك سكت
الوقاحة المقنعة أخطر من الوقاحة الصريحة لأنها تجعلك تصدق أن المشكلة فيك لا فيها
كيف ننجو من هذه الفوضى المؤدبة؟
لا تُفرِط في تحليل الطعنات
السكين لا يحتاج تحليل نوايا
لا تُبرر للذي أهانك بلطف
فالخنجر لا يُصبح أقل حدة إذا طُلي بالورد
لا تنخدع بالعبارات الذهبية السم لا يفقد تأثيره لمجرد أنه قُدم في كأس كريستال
والأنيق الذي يدهسك بصمت لا يختلف كثيرًا عن الصاخب الذي يبصق في وجهك الفرق فقط في نوع العطر
الكلمات المهذبة لا تُغير طبيعة الجريمة هي فقط تُؤجل صراخ الضحية.