الشاعر/ نجات سعد الله: صوت الذاكرة والهوية في الشعر الألباني المعاصر
دراسة تحليلية في النص، الرموز، والانتماء المكاني
بقلم: الأستاذ الدكتور/ بكر إسماعيل الكوسوفي
الملخّص
يمثّل الشاعر نجات سعد الله صوتًا متفرّدًا في المشهد الشعري الألباني المعاصر، إذ يزاوج في قصائده بين التخييل الشعري والتوثيق الرمزي للهوية والتاريخ والمكان. يتناول مفاهيم الزمن، الطبيعة، الوطن، والمقاومة، مستندًا إلى ذاكرة فردية وجماعية تتقاطع مع حاضرٍ تتداخل فيه مشاعر الحزن والفرح، الأمل والاندثار. تهدف هذه الدراسة إلى استكشاف الأبعاد الدلالية والجمالية في شعره، من خلال نموذجين مختارين: “شاهد العصر” و”تحليق النسور”، حيث يتموضع النص في بؤرة رمزية تعبّر عن استمرارية الحياة وصراع الوجود في ظل التحولات السياسية والاجتماعية التي شهدتها كوسوفا، وانعكاس الهوية الإيليرية في وعيه الإبداعي. يعتمد البحث منهجًا تحليليًا يسلّط الضوء على البناء الرمزي والأسلوبي والدلالي، سعيًا إلى تثبيت مكانة الشاعر ضمن سياق شعراء ما بعد الحرب في الشعر الألباني.
المقدمة
ظلّ الشعر الألباني، عبر مراحله التاريخية، مرتبطًا ارتباطًا وثيقًا بالتحولات السياسية، والمقاومة الوطنية، والهوية الثقافية المهددة بالطمس. وفي خضم هذه التجربة، يبرز صوت نجات سعد الله بوصفه شاهدًا حيًّا على العصر، لا بمعناه التسجيلي فحسب، بل من خلال لغة تتجاوز التوثيق إلى التشفير، ومن الحدث إلى الحكمة الشعرية.
لا يُعد شعر سعد الله مجرد رصد للواقع، بل هو اشتباك لغوي مع مفاهيم كبرى كالزمن، الذاكرة، الوطن، الموت، والانبعاث. ويتجلّى ذلك بوضوح في قصيدتيه “شاهد العصر” و”تحليق النسور”، حيث نلمح صوتًا يتوسّل الرؤية أكثر مما يستنجد بالبكاء أو الخطابة.
في هذا البحث، نسعى إلى تفكيك البنية الدلالية والرمزية في هذه النصوص، وتحليل اشتغال المكان (كوسوفا، إليريا، الجبال، السهول) في تشكيل هوية النص الشعري، مع رصد أثر الطبيعة، والأسطورة، والتاريخ المحلي في بناء صوت شعري ملتزم، وإن كان غير مباشر.
الفصل الأول:
الشاعر/ نجات سعد الله: سيرة شعرية في قلب التحولات وُلد نجات سعد الله في 22 سبتمبر 1948 في قرية توري، الواقعة ضمن كوسوفا الشرقية ذات الأغلبية الألبانية، في جنوب صربيا حاليًا. وقد شكّل الواقع السياسي المضطرب، وذاكرة النضال الوطني، والسياق الاجتماعي القمعي، مادة أولية لتكوينه الأدبي.
أكمل تعليمه الأساسي في تيرنوفس، ثم انتقل إلى بريزرن لمتابعة دراسته في المدرسة الكلاسيكية والأكاديمية التربوية، حيث تأثر بالحركة الثقافية الألبانية النشطة آنذاك. عمل مدرسًا في مدرسة “محرّم قدريو” الابتدائية بين عامي 1974 و1987، حيث بدأت تتبلور ملامح اهتمامه بالأدب والتربية.
في عام 1990، شارك في تأسيس حزب العمل الديمقراطي (PVD)، الذي مثّل صوت الأقلية الألبانية في صربيا، وشغل منصب نائب رئيس الحزب حتى عام 1996. وبعد انتقاله إلى فوش كوسوفا عام 1997 لأسباب عائلية، واصل نشاطه التربوي في مدارس “إليريا” و”سلمان رضا”.
عقب حرب كوسوفا (1998–1999)، أسّس سعد الله المجموعة الأدبية “نعيم فراشيري” لدعم المواهب الشابة، كما أسّس متحف فوش كوسوفا، الذي يُعد من أبرز مراكز حفظ التراث المحلي.
عرفت تجربته الشعرية تمازجًا بين الحس الوطني والبعد الفلسفي، فهو لا يكتب قصائد سردية تسجيليّة، بل ينسج صورًا متداخلة بين الإنسان والمكان والطبيعة والتاريخ. ويُلاحظ اعتماده على الترميز الشعري وتراكب طبقات الزمن (الماضي – الحاضر – الأسطورة)، ليصوغ نصوصًا تُقرأ على مستويات متعددة.
إنه شاعر الذاكرة والمكان، وهذا ما سنقوم بتحليله في قصيدتيه المختارتين.
الفصل الثاني:
قراءة تحليلية في قصيدة “شاهد العصر” – الزمن كفخ شعري ووجودي
في هذه القصيدة، يفتتح الشاعر نصّه بجملة تقريرية محمّلة بالفلسفة:
الزمن يركض
الزمن لا يتوقف
إنّ الزمن هنا ليس فقط إطارًا زمنيًا، بل قوة قاهرة لا يستطيع الإنسان الفكاك منها. نجات يعيد تشكيل الزمن بوصفه كائنًا متحرّكًا:
كالرياح العاصفة تنزلق
زمن مشمس
زمن ماطر
يظهر التناوب بين “المشمس” و”الماطر”، كأننا في دورة كونية وجودية لا يُمكن النجاة منها. ثم ينتقل إلى المقارنة بين الطبقات:
الأغنياء والفقراء
لا ينجون من الموت
إن الموت هو القاسم المشترك الأعلى في هذه التجربة. ولا يملك الشاعر أمام هذا الزمن الهارب سوى أن يوثق المشهد:
كل يوم أنا
أصوّر الطبيعة
بالكاميرات على جبيني
هذا التعبير المكثف (كاميرات على جبيني) يوحي بأن الشاعر مراقب عميق، لا يكتب بعينه فقط، بل بعقله وذاكرته وشعوره.
وتأتي النهاية لتفتح الهاوية الوجودية:
وندور في دائرة
البداية والنهاية
لا نستطيع إيجادها
هنا تُختتم القصيدة على نغمة فلسفية، تفكّك وهم السيطرة على الزمن، وتعلن عجز الإنسان عن فهم “بداية” أو “نهاية” للوجود.
الفصل الثالث:
“تحليق النسور”: الميثولوجيا الوطنية والعودة إلى الجذور
في هذه القصيدة، يستدعي الشاعر/ نجات سعد الله رمزًا عريقًا في الثقافة الألبانية: “النسور”. في الموروث الإيليري، النسر ليس طائرًا فقط، بل رمز للحرية، السيادة، والمقاومة.
النسور الملطخة
عادت إلى داردانيا
وهي ببطء تستعيد حياتها
هذا المشهد يفتح أفقًا رمزيًا: النسور تعود إلى وطنها التاريخي (داردانيا)، في إشارة إلى العودة بعد النفي، والانبعاث بعد الغياب.
في كوشاري
في جبال شار رأيتها بنفسي
الشاعر لا يوثق حضورها فقط، بل يمنح القصيدة بعدًا شخصيًا – واقعيًا، مما يزيد من توتّر الرمزية.
ثم تتوسّع المساحة الجغرافية لتشمل:
فوق سهل كوسوفو ودوقاجيني
في كاراداك ولوبوتين
وفي سهل بولوغ
في بيشتير…
كلها مناطق ألبانية لها رمزية نضالية وتاريخية، وهي هنا تشكّل خريطة شعرية روحية للعودة والانتماء.
ويختم الشاعر برؤية نبوئية – سياسية – أسطورية:
في إليريا الثعابين
والسحالي البنية
تسقط من العرش، ستختفي
تقول لي الذاكرة
هنا تتحول القصيدة من تأمل في الطبيعة إلى إعلان شعري بانتصار النسر (الهوية الألبانية) على الثعابين (رموز الاحتلال أو التهديد).
الفصل الرابع:
اللغة والأسلوب في شعر الشاعر/ نجات سعد الله: بين التكثيف الرمزي والتجريد الفلسفي
تتميّز تجربة نجات سعد الله الشعرية بلغة ذات طبيعة مزدوجة: فهي من جهة مباشرة في التعبير عن الواقع، ومن جهة أخرى تستند إلى رمزية مركّبة وتكثيف بلاغي. يشتغل الشاعر على خلق توازن بين البساطة الخارجية والعمق الدلالي.
ففي قصيدة “شاهد العصر”، نلاحظ هيمنة الجمل القصيرة، المقطعة، الخالية من الزخرفة:
الزمن يركض
الزمن لا يتوقف
بهذه التراكيب الاسمية، يُفضّل الشاعر التقريرية المغلفة بالشحنة التأملية، ويبتعد عن الخطابة أو الزخرفة الإنشائية، لصالح التناغم الداخلي مع الزمن، لا مع اللغة فقط.
كذلك في “تحليق النسور”، تتكرر أدوات الإشارة، الفعل المضارع، والإيقاع التقريري البسيط:
رأيتها بنفسي
تُحرّك أجنحتها بلا توقف
كل ذلك يُكسب النص حيوية حسية ومشهدية مباشرة، ويجعل القارئ شريكًا في التلقي، لا متلقيًا سلبيًا.
الرمز في اللغة أيضًا يتجلّى بوضوح: النسور، الثعابين، الجبال، الكاميرات، كلها صور حاملة لدلالات حضارية ووطنية، مما يجعل اللغة أداة لنقل ذاكرة جماعية، وليس فقط مشاعر فردية.
الفصل الخامس:
الشعر والالتزام في تجربة الشاعر/ نجات سعد الله: الذاكرة بوصفها موقفًا
رغم أن شعر الشاعر/ نجات سعد الله لا يرفع شعارات سياسية صريحة، إلا أن خلفيته كامنة في كل بيت شعري. فهو شاعر ملتزم لا بالشكل الحزبي، بل بالجوهر الوطني والإنساني.
في “تحليق النسور”، يظهر هذا البعد بوضوح، حيث يُعلي النسر بوصفه:
• رمزًا للكرامة الوطنية
• صوتًا للتاريخ الإيليري القديم
• صورة للهوية التي لا تموت
كذلك، تُستثمر الذاكرة الشعرية لتصبح موقفًا سياسيًا غير مباشر:
في إليريا الثعابين
والسحالي البنية
تسقط من العرش، ستختفي
هنا نقرأ موقفًا نقديًا صريحًا من كل سلطة مهيمنة، سواء أكانت خارجية (احتلال، قمع)، أو داخلية (فساد، خضوع)، في مقابل تمجيد النسر بوصفه حاملًا للحرية.
إن الشاعر/ نجات سعد الله يؤمن بأن الشعر لا يغيّر العالم، لكنه يذكّر العالم بأن لا ينسى. ومن هنا جاء التزامه بكوسوفا، بإليريا، وبصوت الإنسان الحرّ في وجه النسيان والطمس.
الفصل السادس: من “هجرة السنونو” إلى “الفنانة” – قراءات نقدية في تنويعات صوت الشاعر/ نجات سعد الله
تقدّم قصائد الشاعر/ نجات سعد الله الجديدة بُعدًا أكثر تنوعًا في تجربته الشعرية، حيث ننتقل من الرمز الوطني (النسور، كوسوفا، إليريا) إلى مستويات وجدانية، اجتماعية، وفنية.
يمكننا تصنيف هذه القصائد الثلاث – هجرة السنونو، المطر، الفنانة – بوصفها محطات لتوسيع الأفق التعبيري للشاعر.
1- “هجرة السنونو”: الوجع الجمعي والنقد الاجتماعي
كل يوم تهاجر طيور السنونو
يا واديي
إنها ترحل وأنت تحمل الضغينة
الأطفال يغادرونك
القائد الأعمى
يرحّلهم عنك…
في هذه القصيدة، يتخذ الشاعر من “السنونو” رمزًا للرحيل، والنزوح، وتفكك الروابط الاجتماعية.
يربط بين الهجرة والانهيار الداخلي، حيث يفرغ الوادي من الحياة. تُحمّل القصيدة بُعدًا سياسيًا ناقدًا:
انتظرنا بناء المصانع
انتظرنا طويلاً
لنقضي على السرقة من الأمة
لكننا انتظرنا، عبثًا…
يستخدم الشاعر أسلوب التكرار والعبارات المباشرة، لكنه يُخفي خلفها خطابًا ضد الفساد، التهميش، والإحباط الجماعي.
2- “كان المطر يهطل في الوادي”: الزمن والموسمية كرمز للتجدّد
المطر على شعري
على جبيني
في عيني
على وجهي…
يُظهر الشاعر/ نجات سعد الله في هذه القصيدة وجهًا حسيًا متأملًا للطبيعة بوصفها مرآة داخلية للروح.
المطر هنا مزدوج الدلالة:
• من جهة، حزن واستمرار للألم
• من جهة ثانية، بشارة بالأمل القادم (الربيع – الصيف)
آه، متى ستتوقف
يا مطرًا مباركًا
لِتدفئنا شمس الربيع
مرة واحدة…
تحمل القصيدة بعدًا شبه صوفي، يتقاطع مع الشعر الطبيعي والوجداني، ويمنح التجربة الشعرية عالمًا إنسانيًا شفافًا وبسيطًا، لكنه عميق.
3- “الفنانة التي أحبت الفن”: الرؤية الجمالية الفلسفية
كانت عاملة بسيطة
لكنّها أحبت الفن
…
سحرت بالكون اللانهائي
بألحان النجوم
بالألوان التي تظهر كالجمر في السماء
في هذه القصيدة، يتحول صوت الشاعر إلى حوار مع الجمال كقيمة مطلقة، ويظهر إعجابه بالمرأة–الفنانة التي تجد الفرح في التأمل، في بساطة الكون، في الألوان والموسيقى.
مفتاح السعادة
هو الصوت الذي يرن من الروح
والجمال يأتي من الكلمات التي تقال بلطف…
هنا يتكثّف الخطاب الجمالي–الروحي لدى الشاعر، ما يعكس تحولًا من الالتزام الوطني إلى الالتزام الإنساني.
الفصل السابع: الترجمة، التلقي، والانتشار
رغم أن شعر الشاعر/ نجات سعد الله كُتب في سياق محلي (كوسوفا، ترنوفاتس، إليريا)، إلا أن طبيعته الرمزية، وصوره المستمدة من الطبيعة والروح، تمنحه قابلية للترجمة والانتشار.
• بعض قصائده تُرجمت إلى العربية (كما في هذا البحث).
• لغته المكثفة، الرمزية، وتعدد طبقاته الدلالية، تجعله شاعرًا يصلح للقراءة النقدية بلغات عدة.
• هناك قابلية لنقل نصوصه إلى المسرح الشعري أو الشعر الغنائي المعاصر، بسبب طبيعتها المشهدية.
الخاتمة: شاعر الذاكرة والهوية والجمال
من خلال هذه الدراسة التحليلية في قصائد مختارة، نخلص إلى أن نجات سعد الله شاعر:
• الهوية الوطنية (في “تحليق النسور”، “هجرة السنونو”)
• الذاكرة الفردية والجمعية (في “شاهد العصر”)
• الطبيعة والرمز (في “المطر”)
• المرأة والجمال والفن (في “الفنانة التي أحبت الفن”)
إنه شاعر لا يكتب من أجل الانفعال، بل من أجل الانتماء، التذكّر، والتغيير الهادئ.
يمزج بين السياسي والإنساني، بين الحسي والميتافيزيقي، ويؤكد من خلال تجربته أن الشعر الألباني ما زال قادرًا على حمل المعنى، المقاومة، والدهشة في آنٍ واحد.
أقوال مختارة للشاعر نجات سعد الله
“الزمن لا ينتظر أحدًا، لكنه لا ينسى شيئًا”
– نجات سعد الله، من قصيدة “شاهد العصر”
“النسور حين تعود إلى داردانيا، فهي لا تبحث عن الأعشاش، بل عن الذاكرة المدفونة في الصخور.”
– نجات سعد الله، من قصيدة “تحليق النسور”
“أنا لا أكتب الشعر لأرثي ما فات، بل لأزرع ما لم يُكتب بعد.”
(مأخوذ من مقابلة شعرية ضمن أرشيف جمعية “نعيم فراشيري” الأدبية، 2005)
أقوال الأستاذ الدكتور بكر إسماعيل الكوسوفي عن الشاعر نجات سعد الله
“يمثّل نجات سعد الله تجربة شعرية تتجاوز الأطر الشكلية إلى جوهر الموقف؛ فهو شاعر لا يكتب بوحي اللحظة، بل بوعي التاريخ.”
– من مقدمة الدراسة: “نجات سعد الله: صوت الذاكرة والهوية في الشعر الألباني المعاصر”
“إنّ سعد الله لا يُسجّل، بل يُشفّر. لا يرثي، بل يُنذر. هو شاهد على العصر بعيون الأسطورة، وقلب الإنسان، وحنين الأرض.”
“في زمن كثُرت فيه الأصوات وخفُت الصدى، بقي نجات سعد الله يحتفظ بنقائه الشعري، محلقًا خارج ضجيج الخطابة، في فضاء الرمز والجمال.”
المُلحق الختامي
قصيدة الأستاذ الدكتور/ بكر إسماعيل الكوسوفي
“نجاتُ… صوتُ النسورِ في ذاكرةِ الجبل”
(إهداء إلى الشاعر نجات سعد الله)
نجاتُ…
أيّها المُقيمُ في ظلالِ القصيدة،
أيّها الحارسُ للنسرِ،
والساكنُ في نبضِ كوسوفا الجريحة.
صوتُك لا يُشبهُ إلا الريحَ حين تغضب،
ولا يشبهُ إلا النسورَ حين تعودُ
من منفاها في قممِ إليريا.
كتبتَ “شاهد العصر”،
فصرنا نرى وجوهَنا في مرايا الزمن،
ونسألُ:
كيف نَنجو من تاريخٍ يكتبُنا… ولا نكتبه؟
وكتبتَ “تحليق النسور”،
فحلقنا معكَ
من تلالِ تيرنوفس
إلى وديانِ دوقاجين.
لم تكن شاعرًا فقط،
كنتَ ذاكرةً تمشي،
وخرائطَ مرسومةً على أكتافِ اليراع.
يا أخي في الحرف،
يا ظلّي حين يبردُ الصدى،
يا شهقةَ الشعر حين ينحني الوطنُ
ولا ينكسر.
دعني أقولها،
وقد عرفتُك في حبرِ القصيدة،
وفي دفءِ اللقاءات العابرة:
أنتَ لم تكتب إلّا ليبقى الضوء
في وطنٍ يُريدون له العتمة.
تأملات تحليلية في القصيدة:
تُعدّ هذه القصيدة تكريمًا شعريًا رفيعًا من الدكتور بكر إسماعيل الكوسوفي لصديقه الشاعر نجات سعد الله، وهي ليست فقط نصًّا وجدانيًّا، بل أيضًا شهادة نقدية جمالية في حق تجربة شعرية ملتزمة.
• استخدم الشاعر مفردات دالة (النسور، كوسوفا، إليريا، شاهد العصر، تحليق النسور) تربط القارئ فورًا بعوالم نجات الشعرية.
• قام الدكتور بكر إسماعيل بإعادة تأويل دلالات أعمال نجات، فجعلها مرآة “لوجوهنا في مرايا الزمن”، في استحضار عميق لوظيفة الشاعر كشاهد على الوجود.
• تضمّن النص بعدًا شخصيًا وإنسانيًا واضحًا: “يا أخي في الحرف”، و”دعني أقولها”، مما يُشير إلى العلاقة الفكرية والوجدانية التي جمعت الشاعرَين.
• تكتمل وظيفة القصيدة في عبارتها الختامية:
“أنتَ لم تكتب إلّا ليبقى الضوء / في وطنٍ يُريدون له العتمة.”
التي تحمل رؤية فلسفية ملتزمة بوظيفة الشعر كأداة للذاكرة والمقاومة الرمزية.
دلالة هذا المُلحَق في سياق الدراسة:
يأتي هذا النص الشعري بمثابة خاتمة وجدانية–نقدية تؤكد ما تم التوصل إليه خلال فصول الدراسة:
أن نجات سعد الله ليس مجرد شاعر مناسبته، بل صوت أصيل في الذاكرة الشعرية الألبانية المعاصرة، وأن علاقته بالزمن، بالمكان، وبالهوية، هي ما جعلته حاضرًا في قراءات الآخرين، لا سيما في وجدان الدكتور بكر إسماعيل الكوسوفي، الذي أعاد من خلال هذه القصيدة تجسيد ملامح شاعر يعيش بين الكلمات والمواقف.
الكلمات المفتاحية
نجات سعد الله – الشعر الألباني – الهوية – النسور – المقاومة – الزمان – كوسوفا – إليريا