في حضرة الحرف، حيث تلتقي المعرفة بالشغف، نقف أمام قامةٍ تربويّة وأدبيّة تجيد العبور بالكلمة من ضيق المنهاج إلى سعة الحياة… هو جميل حسين معلّم، ابن بلدة كفررمان الجنوبيّة، حيث يولد الضوء من بين تلال الحرف، وينهض الشعر من جذور الأرض.
منذ عقود، وهو يزرع اللغة في عقول الأجيال، ويجعل من القصيدة جسرًا بين القلب والعقل. كاتبٌ، شاعر، مدرّب، وباحث تربويّ، جمع بين دفتي القلم شغف التعليم، وأناقة التعبير، وعمق الفكر.
أصدر دواوينه الأولى في عُمر مبكر، ولم يَكفّ منذ ذاك عن كتابة ذاته والوطن، فتنقّلت نصوصه بين الحب، والانتماء، والتأمل، حتى بلغ في تمّوز 2025 ديوانه الأخير: “حين يُفكّر فيكِ الصّباح”.
كما شارك في موسوعة مدارات الحب التي صدرت عن ملتقى الشعراء العرب وضمت ٢٣٥ شاعرا وشاعرة من انحاء الوطن العربي.
هو منسّق، ومشرف، ومؤلف أكاديميّ، حاز على تقدير مؤسّسات وملتقيات أدبية وتربوية، وما زال يؤمن أنّ الكلمة مسؤولية، وأنّ القصيدة ليست رفاهية، بل ضرورة وجود.
نلتقي به اليوم، لا فقط كشاعرٍ ومعلّم، بل كصوتٍ صادق من الجنوب، يكتب كما يعيش: بصدق، وهدوء، واحتراق نبيل.
ومن هنا كان لمجلة أزهار الحرف هذا الحوار مع الشاعر والمربّي جميل حسين معلّم، نفتح فيه نوافذ على تجربته الغنية، ونسبر أعماق الحرف في مسيرته المتفرّدة.
حاورته: جميلة بندر
عضو في ملتقى الشعراء العرب
محررة في مجلة أزهار الحرف
————————-
أسئلة الحوار:
1.من أين يبدأ جميل حسين معلّم حين يكتب؟ من اللغة أم من الإحساس؟
-أبدأ من رعشةٍ في القلب… تسيل لغةً.
2.حين تُعلّم اللغة صباحًا، وتكتب الشعر مساءً… هل تسعك لغة واحدة؟ أم تتغيّر اللغة حسب نبرة قلبك؟
-كل نبرة قلبٍ تستولدُ لغتَها… وأنا لغاتٌ بعدد مزاجي اليومي.
3.كيف توازن بين التزامك التربوي كمعلّم ومنسّق، وبين صوتك الداخلي كشاعر؟
-أعلّم بالضوء… وأكتبُ بظلّه.
4.مررتَ بمحطات متنوّعة في التعليم الرسمي والخاص، ما أبرز التحوّلات التي لمستها في الطالب اللبناني؟
-من الحلمِ إلى القلق… ومن السؤالِ إلى الإجابة الجاهزة.
5.كفررمان ليست مجرّد بلدة، بل ذاكرة حيّة… ماذا تعني لك “كفررمان” في مستوى المعنى؟ وهل تشعر أنها احتضنتك كصوت ثقافيّ كما تستحق؟
-كفررمان: ذاكرةُ الطفولةِ، وحبرُ البدايات… عشبةٌ تحرسني من النسيان.
6.في عصر الضجيج الأدبي والرقمي، ماذا يعني أن تكون “شاعرًا حقيقيًا”؟ وهل تعتقد أن الصوت الأصيل ما زال يُسمع؟
-أن تظلّ صادقًا في زمن التجميل… وتسمع وجعك ولو في صمتِ الزحام.
7.هل ما زال للقصيدة العموديّة حضورها في وجدانك في زمن الرقمية والتجريب؟
-هي الجذر… قد يتوارى، لكنّه لا يموت.
8.لو عدتَ إلى ديوانك الأول “وشم البرق”، هل كنت لتنشره كما هو؟ أم أن نضج اليوم سيمنعك من قول بعض ما قيل؟
-كنتُ سأمسحَ بعض الحروف… لكنني لن أعتذر عن النبض.
9.في ديوانك الأخير “حين يُفكّر فيك الصباح”، نبرة تصالحية ونضج مؤلم… ما الذي أراد هذا الديوان أن يقوله ولم تُقله الدواوين السابقة؟
هو صلحٌ مؤجلٌ مع ذاتي… ونقطةُ ماءٍ بعد احتراق.
10.كيف تتعايش مع النصوص الجاهزة في المناهج التربوية وأنت الذي تؤمن بجماليات اللغة وحرية التعبير؟
-أُعلّم ما يُطلب… لكنني أُحرّض على الحلم.
11.ما الذي تقوله للمعلّم الشاب الذي يدخل الصفّ اليوم حاملًا شغف اللغة، لكنه يصطدم بالواقع التربوي؟
-لا تضعف أمام الجدران… الكلمة تُبنى في ظلّها قصور.
12.ما تعريفك الخاص للقصيدة؟
كلمةٌ تمشي حافيةً في قلبك… وتعود مبلّلة بالدهشة.
13.ما الذي يجعل من النصّ نصًّا حقيقيًا في نظرك؟
هو الذي يُقلقك بعد القراءة… لا يُريحك.
14.هل تؤمن بالتصنيف الشعري؟ الحداثة، العمودي، التفعيلة، قصيدة النثر؟ أم أن هذه التصنيفات تُقزّم الشعر بدل أن تحتضنه؟
-التصنيفاتُ أقفاصٌ… والشعرُ طائرٌ لا يعيش في قفص.
15.نراك شاعرًا، ومعلّمًا، ومنسّقًا، وناشطًا… لكن من هو جميل حسين معلّم حين يصمت؟
-طفلٌ يستمع لوَجعِ الكونِ في صدره… ويكتب.
16.هل هناك إصدار ما تُخفيه الأدراج وتخشاه الجرأة؟ وهل ستراه النور يومًا؟
-هناك ديوانٌ يتهجّى جرأته… وربما يولد حين يهدأ خوفي.
17.ما الدور الذي تلعبه الموسيقى في كتابتك الشعرية؟ وهل لها حضور في خلفيّتك الثقافية؟
-هي الظلّ الذي لا تراه الكلمة… لكنها لا تتنفس من دونه.
18.إلى أيّ مدى يؤثّر المشهد السياسي والاجتماعي في كتابتك؟
-أنزفُ من بين سطورِ الغزل… وأكتبُ الوطنَ حين أبكيه.
19.ما العلاقة بين القصيدة والزمن لديك؟ هل الشعر عندك لحظة، أم امتداد؟
-القصيدة لحظةٌ… تُقاوم الموت بالتكرار.
20.ماذا تقرأ عادة؟ وهل هناك كتّاب تركوا فيك أثرًا لا يُمحى؟
-أقرأ ما يُربكني… وأعشق من يكتبون بحبر الجرح.
21.مشاركتك في موسوعة “مدارات” كانت لافتة… هل ترى في هذا النوع من المبادرات توثيقًا حيًّا للتجربة؟ أم مجرّد تأريخ شكلي؟
-ليست تأريخًا فقط… بل اعترافٌ بوجودنا كذواتٍ متعدّدة.
22.كيف تنظر إلى مستقبل الشعر العربي؟ وهل ترى جيلًا جديدًا يمسك الشعلة بثقة؟
-في يدِ من يكتب بلا مرايا… بل بعيونٍ مفتوحة على الأسئلة.
23.أخيرًا… كيف تقرأ التجارب الجماعية في الملتقيات الأدبية؟ وما رأيك في ملتقى الشعراء العرب تحديدًا الذي يرأسه الشاعر ناصر رمضان عبد الحميد؟ هل هي مشاريع تعارف واحتفاء؟ أم حراك فكري حقيقي يصنع الفرق؟
-ليس مجردَ تعارف… بل مساحةٌ للضوء، إذا وُجد الإخلاصُ للحرف.
حاورته من لبنان جميلة بندر
عضو ملتقى الشعراء العرب
محررة بمجلة أزهار الحرف