يعد كتاب «ديوان الشاعرات في المملكة العربية السعودية» للدكتورة سارة مرزوق الأزوري إنجازًا أدبيًا ومعرفيًا رائدًا، إذ جمع بين دفتيه نتاج 214 شاعرة سعودية في عمل موسوعي غير مسبوق. هذا الجهد الفردي الكبير فتح الباب أمام القارئ والباحث لاكتشاف جانب كان مجهولًا أو مهمشًا من الإبداع النسوي في المملكة، ليضع أمامنا لوحة واسعة تكشف عن تنوع الأصوات الشعرية النسائية وتعدد أجيالها وتجاربها.
أن المتتبع للمعاجم والموسوعات الأدبية السابقة يلحظ أن حضور المرأة السعودية كان حضوراً خجولاً ؛ إذ لم تسجل سوى أسماء معدودة: 9 شاعرات في دليل خالد اليوسف، و6 فقط في موسوعة أحمد بن سالم، و15 في الموسوعة السعودية للأدباء. هذا التمثيل الضئيل أعطى انطباعًا غير دقيق عن غياب المرأة عن المشهد، بينما الحقيقة أنها كانت موجودة وتكتب وتبدع، لكنها خارج دائرة التوثيق.
جاء كتاب الأزوري ليملأ هذه الفجوة، ويوثق حضور المرأة السعودية في المشهد الشعري منذ التأسيس وحتى الحاضر.
منهج الباحثة
1. البحث الميداني والتوثيق المباشر: تم التواصل مع الشاعرات مباشرةً للحصول على النصوص والمعلومات من مصادرها الأصلية، بما يضمن الدقة والاعتماد على الشهادة الحية.
2. التنقيح والتحقق: جرى استبعاد الأسماء المستعارة أو غير السعودية، حفاظًا على مصداقية العمل وحدوده الجغرافية والثقافية.
3. الفرز النقدي: عُرضت النصوص على لجنة متخصصة قامت بانتقاء النماذج المعبّرة عن المستوى الشعري الحقيقي، مع استبعاد ما كان ضعيفًا أو غير ملائم.
4. تجاوز العقبات: واجه البحث صعوبات مثل تعدد الأسماء المستعارة أو إقامة بعض الشاعرات خارج المملكة، وتم التعامل معها بمرونة وحرص لتجاوزها دون الإخلال بجوهر العمل
القيمة الأدبية والمعرفية للكتاب
تكمن أهمية الكتاب في كونه:
.1. التوثيق والحفظ: جمع نتاج الشاعرات السعوديات في عمل مرجعي يحفظ تجاربهن ويمنع ضياع أصواتهن في غياب المصادر المتخصصة.
2. إبراز الهوية الأدبية النسوية: إظهار الدور الفاعل للمرأة في المشهد الشعري السعودي، وإعادة الاعتبار لمساهمتها في صياغة الوعي الثقافي والجمالي.
3. فتح آفاق البحث والنقد: توفير مادة خصبة للباحثين والناقدين لاستكشاف ملامح التجربة الشعرية النسوية ومقارنتها بالتحولات الاجتماعية والثقافية
نماذج وأسماء مختارة
يضم الكتاب نماذج متنوعة من الشاعرات، مما يعكس ثراء التجربة:
من الأصوات الرائدة التي فتحت المجال للأخريات:
ثريا إبراهيم العريض (ص 148)،
خديجة يوسف العمري (ص 201)،
فوزية عبد الله أبو خالد (ص 405).
سلطانة عبد العزيز السديري (ص284)
من الأصوات التي تحمل تجربة وجدانية وإنسانية:
لطيفة عبد الرحيم قاري(ص 423)،
أنصاف علي بخاري (ص 92)،
رسمية فهد العيباني (ص 227).
ومن الأسماء المعاصرة التي تمثل الأجيال الحديثة:
فاطمة سعد الغامدي (ص 377)،
ميادةعمر زعزوع (ص 517)،
نورة مقبول السفياني (ص 579).
كما نجد حضورًا لافتًا لشاعرات لهن إسهام في القضايا الاجتماعية والوجدانية:
كوثر موسى الأربش (ص 419)،
مستورة صويعن الأحمدي (ص 464)،
هاجر يحيى شرواني (ص 588).
إن هذا التنوع في الأسماء والمستويات والأجيال يجعل الديوان مرجعًا غنيًا يضم قصائد في الوطنيات والغزل والتأمل الذاتي والقصيدة الحديثة ذات البنية السردية.
ومن خلال قراءة هذا الديوان يمكن استخلاص عدة ملاحظات:
• تعدد الأجيال الشعرية: يجمع الديوان بين أصوات رائدات كتبن في ظل ظروف اجتماعية مقيدة، وبين شاعرات شابات يطرحن قضايا الذات والحرية بجرأة واضحة.
• تنوع الموضوعات: النصوص تتوزع بين الوطنيات، والغزل، والتأمل الذاتي، والتجارب الإنسانية العميقة.
• التطور الفني: تتجاور القصيدة الكلاسيكية الملتزمة بالعمود الخليلي مع النصوص الحداثية المنفتحة على السرد والدراما الشعرية
في النهاية :
يُعَدُّ كتاب «ديوان الشاعرات في المملكة العربية السعودية» منعطفًا تأسيسيًا يعيد للصوت الشعري النسوي مكانته الجديرة بالاعتبار والاحتفاء. وقد نجحت الدكتورة سارة الأزوري في أن تجعل من هذا العمل مشروعًا ثقافيًا وطنيًا يسد فجوة في التوثيق ويقدم للأجيال القادمة سجلًا حيًا لتجارب النساء الشاعرات.
وبهذا يصبح الكتاب مرجعًا لا غنى عنه، ليس في المكتبة السعودية فحسب، بل في المكتبة العربية ككل.