صحاك الشوق: عودة الطرب الأصيل بصوت فضل شاكر
في زمن الهلس الغنائي، حيث يطغى الطرب السوقي والإسفاف على المشهد، ويُستبدل الجمال بالضوضاء، يطلّ فضل شاكر ليعيد للأذن العربية بهاءها، وليقول لنا: أنا هنا، وهناك من يستمع ويستمتع بالجمال. فالأغنية عنده ليست استهلاكًا عابرًا، بل لحظة فنية تُوقظ الوجدان وتعيد الطرب الأصيل إلى مساره الطبيعي. في “صحاك الشوق” يقدّم فضل شاكر تجربة غنائية عاطفية متكاملة، تجمع بين نص رومانسي صافٍ ولحن على مقام البياتي يفيض بالحنين والدفء.
النص الغنائي هنا يقوم على صورة “اليقظة بالشوق”، حيث يتحول الشوق إلى قوة توقظ الحبيب من غفوته، وتدعوه إلى مشاركة العاشق قلبه وحياته. تبدأ الأغنية بحالة من البعث، وكأن الحب يستعاد من جديد، ليصبح اللقاء هو اللحظة الوحيدة القادرة على كسر رتابة الأيام. الكلمات تنسج صورًا عن السهر والقمر، والوقت الذي يفقد معناه حين يكون الحبيب إلى جانب المحبوب، فتغدو اللحظة ممتدة إلى ما لا نهاية. ويتجلّى البعد الفلسفي في إدراك أن الدنيا لا تُعاش إلا مرة، وأن على العاشقين أن يملأوها بالحب والفرح، لا بالحزن والانتظار. هناك أيضًا دعاء صادق بأن يحفظ الله ضحكات الحبيب ويحميه من الهم، فتتحول الأغنية إلى نشيد وجداني للحب النقي.
على المستوى المقامي، ينهض اللحن على مقام البياتي، وهو مقام يرتبط في الذاكرة العربية بالشجن الدافئ والحنين، لكنه هنا يُستثمر ليعكس أيضًا البهجة الداخلية التي تولد من اللقاء. يتنقّل اللحن بين القرار والجواب، مانحًا فضل شاكر مساحات واسعة ليظهر قدرته على التعبير بالأداء الصوتي، دون إفراط في الزخرفة، بل باعتماد البساطة والصدق. ويأتي الارتجال اللحني في بعض القفلات ليؤكد انتماء العمل إلى الطرب الأصيل، حيث يكون الإحساس هو الأساس.
بهذا المزج بين صدق الكلمات ودفء المقام وشفافية الأداء، تتجاوز “صحاك الشوق” حدود الأغنية العاطفية العادية، لتصبح تجربة وجدانية وطربية متكاملة. إنها رسالة بأن الفن الجميل لم يمت، وأن صوتًا صادقًا ما زال قادرًا على أن يوقظ الشوق في القلوب ويُذكّرنا بأن الطرب الأصيل باقٍ ما بقي الجمال.
ــ كلمات الأغنية:
صحاك الشوق من نومك
وبقلبي تعا كفّي نومك
لا يومي يخلص ولا يومك
إلا بلقاك يا حبيبي
تعا عيش الحب وأيامو
ونوعي كل اللي نامو
دخيل الحب وكلامو
ودخيلو قلبك يا حبيبيعلى شي سهرة فيها غمرة
وشاهد علينا القمر
وانت حدّي ما بقى بدي
الوقت يعدّي يا قمرالدنيا منعيشها مرة
نخليها حلوة ليه مرّة
رح ضلني حبك كل مرة
مثل الأول يا حبيبييا رب يخلي ضحكاته
وما يشوف الهم بحياته
وتضل الفرحة جواته
ترسم لياليك يا حبيبعلى شي سهرة فيها غمرة
وشاهد علينا القمر
وانت حدّي ما بقى بدي
الوقت يعدّي يا قمرصحاك الشوق من نومك
وبقلبي تعا كفّي نومك
لا يومي يخلص ولا يومك
إلا بلقاك يا حبيبي
تعا عيش الحب وأيامو
ونوعي كل اللي نامو
دخيل الحب وكلامو
ودخيلو قلبك يا حبيبيولعلنا نغفر لفضل شاكر ما بدر منه في تلك المرحلة العاصفة، ونتعامل معه كفنان قبل كل شيء، فهو ابن زمنٍ امتلأ بالفتن والاصطفافات، وقد وجد نفسه متورطًا في سياق سياسي وعسكري أكبر من صوته وأغانيه. إن فترة الأزمة السورية وما تخللها من تدخلات كبرى ــ ومنها دخول حزب الله على خط النار ــ أوقعت كثيرين في محاكمات الانفعال والاصطفاف. لكن الفن يبقى شاهدًا على الوجه الآخر للإنسان، الوجه الذي يبحث عن الجمال ويمنحه للآخرين. ومن هنا، فإننا حين نصغي إلى “صحاك الشوق”، نضع خلفنا كل ما كان، لنرى فضل شاكر في صورته الأجمل: صوتًا صادقًا يحمل إلينا الطرب العذب، ويذكّرنا بأن الغناء الأصيل قادر دائمًا على أن يطهّر الروح من شوائب السياسة وضجيج الحروب.
الشاعرة طيغة تركية لمجلة أزهار الحرف حاورها من المغرب محمد زوهر
في عالم الأدب، ومن خلال القصيدة الشعرية التي تغيّرت عبر الزمن منذ سوق عكاظ إلى اليوم، تجاوزت القصيدة القوافي والقواعد...
اقرأ المزيد