في عوالم تتقاطع فيها الثقافة مع الإنسانية ويمتزج فيها الأدب بالنشاط الاجتماعي والدفاع عن الحقوق، تبرز شخصية الشاعرة والباحثة أمينة بن الزعري نموذجًا للمرأة العربية الطموحة المقيمة في أوروبا.
بين بروكسيل وجنيف تتنقل أمينة حاملةً رسائل المعرفة والإبداع، حيث تعمل أستاذةً للغات، وإعلامية مسؤولة عن جريدة إلكترونية، ورئيسة لجمعية تُعنى بحقوق الإنسان.
وبينما تنسج حروفها الشعرية بلغات متعددة، تواصل مسيرتها في الدفاع عن الكرامة الإنسانية والمشاركة في هيئة الأمم المتحدة ضمن قضايا حقوق الإنسان والتنمية المستدامة.
من هنا كان لمجلة أزهار الحرف شرف الحوار معها لنقترب أكثر من تجربتها المتعددة الأبعاد، لنتعرف على شغفها، رؤيتها، ورسالتها للعالم.
—
1. بدايةً، من هي أمينة بن الزعري بعيدًا عن الألقاب والمناصب؟ وكيف تشكلت شخصيتك بين العلم والأدب والعمل الإنساني؟
أمينة هي سيدة بسيطة ومتواضعة، أم لثلاثة أطفال، تهوى التحدي وشغوفة بالعمل، تواقة للنجاح.
وهي أيضًا متعددة المواهب: غناء، كتابة، شعر، رياضة، إلخ.
حاصلة على الماجستير في اللغات تخصص الإنجليزية، ومدرسة، ورئيسة منظمة تُعنى بحقوق الإنسان في بلجيكا، وكاتبة صحفية باللغات، ومسؤولة عن جريدة إلكترونية عربية في بروكسيل.
2. درستِ الماستر وتعملين أستاذة لغات، إلى أي مدى ساعدكِ التكوين البيداغوجي في إثراء تجربتك التربوية والاجتماعية؟
طبعًا، التكوين البيداغوجي هو محرك أساسي ساعدني في تأطير الأجيال التي درستها، وسهل لي التعامل مع مختلف الفئات الاجتماعية سواء العربية التي أتعامل معها أو غيرها من الأوروبية والأفريقية وغيرها.
فالمنهج التربوي يساعد في طريقة التواصل، وإيصال الأفكار والمقترحات والحلول سواء في التدريس أو في المساعدات الاجتماعية المتعددة.
3. كونك مقيمة في بروكسيل كيف ترين دورك في دعم الجاليات العربية هناك خاصة في الميدانين الاجتماعي والتربوي؟
تجربتي في بروكسيل تتضمن فعلًا تجارب متعددة، خصوصًا مع الجاليات العربية المقيمة في المهجر. هذه الجالية تعاني من التهميش والعزلة، لكن السبب ليس بالضرورة راجعًا إلى العنصرية كما يشاع، بل إلى عدم تأهل هذه الطبقة، وعدم تكوينها، وضعف إلمامها باللغات الأجنبية، إلى جانب عوامل نفسية أخرى.
هذه العناصر تجعلها تنطوي على نفسها وتستسلم للتهميش والعزلة، وبالتالي تُخلف أجيالًا بدورها تبدأ في المعاناة. وما يزيد الأمر تعقيدًا أن أغلب هذه الفئات لا يهمها سوى المال والعيش على التعويضات الاجتماعية عوض العمل والاندماج من خلال التكوين والدراسة والشغل.
أنا من النوع الذي يحاول إرشادهم، وتأطيرهم إداريًا وتربويًا واجتماعيًا حتى يشقوا طريقهم، إلى جانب التدخل في حل مشاكل مدرسية أو اجتماعية كالطلاق وغيرها.
4. تعملين إعلامية ومسؤولة عن جريدة إلكترونية في بروكسيل، كيف توفقين بين العمل الإعلامي والنشاط الأدبي والإنساني؟
نعم، أنا مسؤولة عن الجريدة الإلكترونية، ولكن هذا لا يمنعني من مزاولة الأنشطة الأدبية.
فمن خلال كتاباتي والمؤتمرات الأدبية يتوسع مجالي الأدبي، وأتعرف على شبكات جديدة، وهي بدورها تحفزني على تقديم كتابات أو أشعار من خلال مسابقات أو عروض أدبية. بالعكس، لا أجد صعوبة في ذلك، بل أنظم أوقاتي وأعطي وقتًا لكل نشاط من أنشطتي اليومية.
5. ما التحديات التي تواجهك في إدارة الجمعية البلجيكية التي تترأسينها وما أبرز إنجازاتها في الدفاع عن حقوق الإنسان؟
طبعًا، كانت هناك تحديات عدة، منها العجز عن التوصل إلى بعض الحلول إذا كان المشكل الاجتماعي معقدًا، لكن غالبًا، بحكم التجربة واللغة، تحدينا كل الصعوبات والحمد لله.
أهم الإنجازات في هذا المجال أنني أمثل الجمعية في المحافل الدولية، كما تم تكريمي عدة مرات سواء في بروكسيل أو في المغرب. كما أن جمعيتنا تحظى بشراكات مع جمعيات أخرى رائدة في حقوق الطفل والمرأة ومناهضة التطرف والعنصرية والتنمية المستدامة وغيرها.
6. بصفتك عضوة في اليونسكو وباحثة مع خبراء في هيئة الأمم المتحدة بجنيف في مجالي حقوق الإنسان والتنمية المستدامة، كيف توظفين هذه المكانة لخدمة قضايا المرأة والمجتمع؟
تجربتي في اليونسكو هي أدبية محضة، أستخلص منها بعض الأفكار والمستجدات في الميدان التربوي والاجتماعي التي أحاول بدوري نقلها إلى الفئات التي أساعدها.
أما بالنسبة للتنمية المستدامة، فهي تجربة غنية وجديدة عاينتُ من خلالها كيف يمكن توظيف التنمية المستدامة لصالح المرأة في المجتمعات المحلية حتى لا تبقى تابعة للمجتمعات الأجنبية الأخرى سواء في الميدان الفلاحي أو الصناعي. إلا أن العائق الوحيد هو مشكل ندرة المياه والموارد الطبيعية.
7. كيف تنظرين إلى مفهوم التنمية المستدامة وما الذي يمكن فعله لتحقيق توازن بين العدالة الاجتماعية والنهضة الاقتصادية في أوروبا والعالم العربي؟
الحق في التنمية المستدامة هو من بين الحقوق التي سنتها الجمعية العامة للأمم المتحدة.
فالتنمية المستدامة تقوم على ثلاثة أبعاد رئيسية: الاقتصادي، الاجتماعي، والبيئي. والتوازن بين العدالة الاجتماعية والنمو الاقتصادي يتطلب سياسات مترابطة في السياق المحلي.
في أوروبا يتحقق التوازن عبر:
اقتصاد أخضر تنافسي: الاستثمار في الطاقة المتجددة، الاقتصاد الدائري، والابتكار التكنولوجي يخلق وظائف جديدة دون التضحية بالبيئة.
من الناحية الاجتماعية: دعم التعليم والصحة والتأمين الاجتماعي لضمان توزيع عادل لثمار النمو.
إشراك المجتمعات المحلية: عبر الديمقراطية التشاركية والسياسات الشفافة بما يحقق توازنًا بين مصالح السوق وحقوق الأفراد.
أما في العالم العربي، فيمكن الاستفادة من هذه التجربة عبر:
1. تنويع الاقتصاد وتقليل الاعتماد على النفط والغاز بدعم قطاعات السياحة المستدامة، الاقتصاد الرقمي، والزراعة الذكية.
2. اتباع نهج عدالة اجتماعية شاملة: برامج لمكافحة الفقر، تمكين المرأة، وتطوير التعليم المهني ليستفيد الجميع من النمو.
3. إصلاح المؤسسات من أجل الشفافية ومكافحة الفساد وتوزيع الموارد بعدالة، إلى جانب الاستثمار في الشباب والميادين الإلكترونية والابتكار مع مراعاة البيئة.
8. بصفتك شاعرة وكاتبة باللغات، كيف أثرت تجربتك المتعددة الثقافات في أسلوبك الشعري وأفكارك الأدبية؟
الكتابة باللغات تجربة غنية، فهي تساعد في انتقاء الصور والإبداع في الكلمات، إضافة إلى الإيحاء.
مثال: حصل أنني كنت أقرأ شعرًا بالفرنسية أو الإنجليزية، فمكنتني هذه القراءة من التفكير في قصيدة عربية إما بإيحاء من الفكرة أو الصورة، والعكس صحيح.
9. “موسوعة مدارات الحب” التي صدرت عن ملتقى الشعراء العرب … ماذا تمثل لك وما خصوصيتها بين أعمالك الأدبية؟
الحقيقة أن “مدارات الحب” أعطتني حافزًا قويًا للمزيد من الكتابة والابتكار في المستقبل، ومنحتني ثقة في نفسي.
10. ما مشاريعك المستقبلية على الصعيدين الأدبي والإنساني، وما الرسالة التي تسعين لإيصالها من خلال مسيرتك المتعددة الأبعاد؟
أفكر في جمع كل أشعاري مستقبلًا وإصدار ديوان، أما الكتابات فأنا بصدد تدوينها. كما أفكر في عقد مؤتمر ثقافي أدبي عربي يخرج بنتيجة تمكننا من التفكير في مشروع أدبي مستقبلي بين العرب.
11. بصفتك عضوة في ملتقى الشعراء العرب كيف تقيمين المشهد الشعري العربي اليوم؟ وما مدى أهمية الملتقيات الثقافية في دعم الشعر والشعراء؟ كما نود معرفة رأيك في ملتقى الشعراء العرب الذي يرأسه الأديب المصري الأستاذ ناصر رمضان عبدالحميد، والدور الذي يقوم به في خدمة الأدب والشعر العربي.
أنا فعلًا تشرفت بعضويتي في ملتقى الشعراء العرب، الذي أضاف لي تجربة مميزة.
المشهد الشعري اليوم غني جدًا، وهذا يدل على تطور كبير في الثقافة والأدب والمستوى الفكري الذي نشهده في الملتقيات الأدبية العالمية والعربية.
والأستاذ ناصر رمضان خير دليل على ذلك، حيث إن مجهوداته في هذا المجال أعطت ثمارها، إذ استطاع ضم أدباء المهجر العرب وساهم في إغناء الثقافة العربية بهذا العمل الجديد الذي يُشكر عليه.