الشعر اللغز الفلسفي:
اتجاه شعري جديد على يد رضا بوقفة
“الشعر اللغز الفلسفي… بحرٌ يمتزج فيه كلُّ البحور، ويضيع فيه المجداف إلا لمن يبحر بسؤال.”
رضا بوقفة
في مشهد الشعر العربي المعاصر، حيث تتكاثف الأصوات وتتكرر الأنماط، يبرز صوتٌ شعري متفرّد برؤية تتجاوز الشكل والمضمون، وتلامس جوهر الفكر وعمق التساؤل.
إنه صوت الشاعر رضا بوقفة، الذي لا يكتفي بأن يكون شاعرًا، بل يسعى إلى أن يكون مؤسسًا لاتجاه شعري حديث يُعرف بـ “الشعر اللغز الفلسفي”.
—
ما هو الشعر اللغز الفلسفي؟
ليس “الشعر اللغز الفلسفي” كتابة غامضة عبثًا، ولا تعمية بلا غاية، بل هو بناء متقن يتداخل فيه الغموض المعرفي مع الرمز الشعري، وتتصادم داخله المعاني لتولّد إشراقًا فكريًا لا ينكشف إلا بالتأمل. هو فن يُخفي الجواب عمدًا، ويحرّض القارئ على البحث، ويستفز العقل كما يستفز الوجدان.
هذا النوع لا يُقدِّم المعنى على طبق من وضوح، بل يصوغه في صورة لغز، حيث يتوارى اليقين خلف ستار من الصور الرمزية، والتناص الفلسفي، والتجريد الذهني.
إنه تجربة لا تُقرأ، بل تُستَكشَف.
—
الركائز الفنية والفكرية لهذا الاتجاه
يرتكز “الشعر اللغز الفلسفي” على خمسة دعائم أساسية:
1. الغموض البنائي والرمز المتحول:
حيث لا تُفكك القصيدة إلا بإعادة قراءتها، وكأنها شفرة تنتظر من يفكّها.
2. الإيقاع الداخلي المتحرر:
لا يرتبط بالبحور التقليدية، لكنه يحتفظ بموسيقى خفية تنبض في أعماق النص.
3. امتزاج التفعيلات بحرية واعية:
لا يلتزم هذا النمط بتفعيلة واحدة، بل يتنقل بينها بذكاء فني، يخلق تناغمًا داخليًا غير نمطي. يستلهم الإيقاع حينًا، ويكسره حينًا آخر، لتوليد توتر شعري يخدم المعنى والغموض معًا. فالإيقاع هنا أداة للتعبير، لا قيدًا للوزن.
4. الضربة النهائية الفلسفية:
تنتهي القصيدة غالبًا بإغلاق مفاجئ، يفتح تساؤلات بدلًا من أن يمنح إجابات.
5. الانفتاح على التأويل:
كل قارئ يحمل مفتاحًا مختلفًا للقصيدة، مما يمنح النص حياة متجددة.
رضا بوقفة شاعر عصامي جزائري، ينحت تجربته من وجع الإنسان وهمّ الفكر، ويقف على تخوم اللغة ليصوغ من الحرف لغزًا، ومن المعنى رؤيا. لا يكتب لإرضاء الذائقة، بل ليوقظها. ولا يُغريه الوضوح العابر، بل يرى في الغموض الفني ممرًا نحو الكشف الأعمق.
بدأ في نشر نماذج من هذا الشعر على صفحاته في وسائل التواصل، ولاقت تفاعلًا لافتًا من قرّاء أحبّوا هذا النمط المختلف، لما فيه من إشراك لعقولهم، لا عقول الشعراء وحدهم.
هذه قصيدة من النمط أو الاسلوب الجديد في الشعر اللغز الفلسفي.
وصيّةُ فتيل
سَقَتني الظلمةُ وجعًا
فأوقدتُ صمتي على فتيلِ السؤالْ،
وصِرتُ أنا…
رمادَ المعاني وصوتَ الجمالْ.
وقفتُ على رأسِ شمعةٍ ذائبةٍ
كأنِّي أمنحُ اللهيبَ اشتعالْ،
ألوّحُ للنارِ كي لا تموتَ…
وأنسى احتراقي على مَهَلٍ!
أنا البذرةُ المُستهلَكةُ في تربةِ الأملِ.
ترفرفُ روحي من نَصْلِ الشُّعاعِ
إلى قمرٍ يحرسُ الرحيل،
يا مَن يرى الضوءَ فرحًا
هو لا يعلمُ أن النورَ
دمعةُ شمعٍ تنوحُ في الليلِ الطويل.
هل أنا ظلُّ شمعةٍ؟
أم أنا صرخةُ لهبٍ
يذوبُ ليحيا؟
أم رقصةُ شهقةٍ في لُجّةِ المساءْ؟
هكذا أكتبُني…
شاعرًا يحترقُ لِيُنيرَ
ولا يسألُ العابرينَ: لِمَن؟!
بقلم الشاعر رضا بوقفة شاعر الظل
وادي الكبريت
سوق أهراس
الجزائر
الشعر اللغز الفلسفي