أنا الآخر
لستُ أنا الذي كنتُ أعرفُنِي…
لمْ أعد مثلكمْ مِن صلصالٍ كالفَخَّار،
سَقطتُ مع سقف داري دفعةً واحدة،
لمْ يعثُر علَيّ أحدٌ بعدها…
لم أحلم يوماً أن أحظى بقبرٍ،
أو بموتٍ رحِيم،
كنتُ أعرفُ خاتمتِي،
كمَا تعرفون – اللحظة – كيف كان الخِتام،
ولأن الرّمَاد أخبرني عَنِّي
ذاتَ حلم في المَنام،
صِرتُ خبراً، وكان
لا أكثر…
فقط ما بعد أشَلائِي،
أحسَستُ بهمْ يمُرُّون على رمِيمي،
قبلَ أنْ تُبعثِرني الذّاريات
إلى حيث لا أعلمُ الآن،
لعَلِّي حينَها تبعثَرتُ رسَائلَ
خلفَ الحدود…
مَن يعلم غيركمْ؟
غيركم؟
هل تسَلَّمْتُمُونِي.. ورَددتُمُونِي
بِمَا وِجبَ عليكم من نُصْرَة وغِياث؟!
إذا كان ظلِّي استَشْعَر مَحوِي؛
فوقفَ شامِخاً لِيُبَلِّغَ عني
إلى مَنْ بقِيَ في عروقهِ الدم،
فأين أنتم من الظِّل ظلِّي؟
ها أنا الآن كما تفهمون…
لستُ سِوى ظِلٌّ لـــ “أنا” العتيق، كعتقِ المدينة،
في الخطوطِ الأماميةِ للدِّفاع عنكمْ،
فطُوبَى لكمْ التخفيف عنكم
من عِبئِي الثقيل…!
لمْ أكلفكمْ عنَاء حملِي
بمظروفِ مؤُونةٍ خفِيّ،
أو كفنٍ للخلاص مِنِّي عَنْ إذْنٍ
بعد قِمَّة،
أو لَرُبما كيس عدسٍ أكلَتْهُ السُّوس
في الشاحنات على المعَابِر…
لن أكلفكم بعد هذا اليوم
تنديداً ‘من حالِ أرواحِكمْ’؛
كي تهجعوا قريرَ العيون
من تنمِّرِ الماكدونالزيين…
لن تسمعوا بعدها أحداً يقول:
أسَفاه على أُبَّهَةِ الطاولاتِ المستديرة،
والقمم مشروخة الإسطوانة.
لستُ بحاجة إلى أن تشكروني
على تفريجِ كربتكمْ من مفكريكمْ الأحرار…
أنا الأن “ظلِّي المُجاهد” بعد موْتِي،
وها أنتم كما ترونَنِي مرَابطاً،
لا أسألكم عن بيتٍ،
ولا زادٍ ولا ماءٍ،
ولا دواء،
ولا مدرسة،
ولا مِئْذنة.
مصطفى عبدالملك الصميدي
اليمن