حوار الدكتورة فاطمة الديبي والأستاذ نصر سيوب مع الناقد والكاتب الفلسطيني أحمد دحبور
ــــــــــــــــــــــ
ــ “مَنْ أكون”: أحمد دحبور، إنسان بسيط..فلاح لم تغادره طفولته.. أتعبه المنفى.. يحمل هم وطنه، وهم قوميته، وقضايا الحرية والتحرر في كل مكان.. خريج الجامعات المغربية، هذا البلد الحبيب الذي أكن له الحب والعرفان؛ ففيه انصقلت هويتي الفكرية والنقدية..
أحمد دحبور؛ هو الكنعاني المتوحد مع أحلامه وأوجاعه، نازفا دوما لجرحه الفلسطيني.. جرح الأرض والإنسان.. إنه منفتح – عقلا وروحا – على ثقافات الغير والإنسانية والعالمية خاصة، إنه الحالم والمقاتل الذي لا يلين ولا يستكين.. إنني مشروع شهيد على أرضي وبيتي الصغير أو أرض الوطن الكبير.. إنني الرافض للخيانة.. أحقق نوعا من التوازن الداخلي والخارجي في حياتي بطريقة مجازية، أحققها عن طريق عملي بالنقد الأدبي، بين ماض يبتعد، وحاضر يهرب، ومستقبل غامض.. فانا على المستوى الذاتي والضميري مرتاح أكثر، رغم أن هذه الراحة ترافقها تعاريج وصعوبات جمة، ولكن إيماني الراسخ بعدالة قضيتي تجعل من نفسي في حالة توازن واستقرار.. ومن هنا أجد البحث عن حق الوجود في الحاضر، والمستقبل مرتبط بشرعيتنا بالماضي.. وإنني أمتلك حريتي في رواية ماضينا بأنفسنا، وبلساننا، وليس ما يفرضه علينا الأعداء..
ــ “أول كتاباتي”: أول كتاباتي كان بحثاً في النقد الروائي؛ بعنوان: ( السارد والمسرود السردي في رواية رشاد أبو شاور.. البكاء على صدر الحبيب)، تلاها بحث آخر في قراءة نقدية في روايات غسان كنفاني وجبرا ابراهيم جبرا وإميل حبيبي..
ــ “الحلم الفلسطيني”: حين نكتب عن الحلم الفلسطيني فنحن نكتب الحلم العربي والإنساني؛ فالقضية الفلسطينية بأبعادها الإنسانية، والسياسية، والأدبية هي قضية إنسانية، مفتوحة آفاقها إلى أبعد مدى.. الماضي بالنسبة لي هو استلاب أرض وهوية، والحاضر هو استعادة هذه الهوية، والمستقبل هو تكريس هذه الهوية على هذه الأرض الكنعانية..
ــ “أن تكون كاتبا ومثقفا”: أن تكون كاتبا ومثقفا هو الحمل الكبير لقضية شعبي وأمتي، وإيماني بأن الكلمة الحرة، والكتابة المتنورة هي التي ستهزم هذا السوط المجرم..
ــ “المــغـــرب”: إن المغرب الشقيق هو من كون فضائي الإيديولوجي والنقدي، وأدين له بالعرفان؛ فهو من منحني زادا في الفكر، ومنحني زوجة مناضلة واكبت مشواري النضالي والإبداعي.. وسمحت لي الفضاءات المغربية الثقافية والفكرية، أن أشعر بأن للمغرب والمغاربة حق علي في امتلاك جمالية إبداعاتهم الشعرية.. وهذا ما جعل الموقف في علاقة تلاحمية بيني وبين المغرب الحبيب، وهو من أهم المحطات التي أثرت إيجابيا على قراءاتي النقدية، وسمح لي الفضاء المغربي النضالي، والثقافي، بأن أتأمل في النقد كثيرا، وأن أربط النسبي بالمطلق.. أي سمح لي هذا الفضاء المغربي بأن أدخل في إنسانية القصيدة العربية مناطق أكثر سعة ورحابة.. وهذا بسبب المناخ المغربي الغني، والثري بالثقافة والأدب، مما عمق عندي الإحساس بتخفيف حدة المنفى.. أي أني وجدت هنا سماء واسعة جعلتني أحدق في ذاتي بأنني جزء من جماعة عربية تحب فلسطين، وتعشقها، وتتوحد معها في الهم والقضية.. لذا أعتبر أن هذه المرحلة من أخصب المراحل التي أعادتني لنفسي، ووضعت عناصر وأدوات النقد في قلمي، واتسعت أرض لغتي، وتطورات فضاءاتها، لأنه ليس هناك حل للقضية الفلسطية ضمن حل فلسطيني، وإنما الحل عربي على رغم تبعثر الوضع العربي الحالي..
ــ “دور الناقد ومعايير النقد”: دور الناقد كدور الطبيب؛ يتفحص كامل أعضاء، ومفاصل القصيدة، ويفككها، ويعيد صياغتها، وتركيبها بعين الطبيب النفسي، والباحث الاجتماعي، والعالم اللغوي، في إيقاعات النص، وموسيقاه، وتراكيبه، ودلالاته.. وأهم معايير النقد هي الشفافية والصدق، وعدم المحاباة، ورفع مستوى الجانب المعنوي لصاحب القصيدة، والإمساك بيده حتى يصل بالأدب، والشعر، والنثر، والرواية إلى مستوى الرفعة، والسمو. ويستخدم كل معاول، وأدوات النقد القديمة، والحديثة؛ البنيوية، والسميائية، والتحليلة، والبلاغية. ويبحر في نسيج النص وعمقه، ويقرأه بحرفية ودراية عالم الأثار، وهو يحفر في صخر القصيدة، وتعرجاتها، وتربتها ليخرج منها الدرر، ويكشف ما فيها من سوء وضعف لغوي، وتركيبي، وشعري، ودلالي..
ــ “المــــرأة”: المرأة عندي هي الأرض بكل عطائها، وخصبها.. وهي البحر بكل أسراره، ودلالاته.. هي الشمس، والقمر، وهي الحب، والخطيئة في نفس الوقت، وهي الوطن الذي لا يرتقي في شأنه شيء..
ــ “انشغالاتي واهتماماتي”: أكثر ما شغلني في الكتابة؛ النصوص الروائية، والشعرية.. ولدي اهتمامات في كتابة الخاطرة، وتداعبني خواطر ونصوص متناثرة لكتابة رواية..وفي السابق كنت مهتما بكتابة السياسة في الصحف والتحقيقات الصحفية، والآن اهتمامي الأكبر هو في النقد الأدبي بخصوص الرواية، والشعر، والخاطرة الشعرية والأدبية، والاجتماعية..
ــ “يعجبني”: يعجبني كثيرا امرؤ القيس، فالمتنبي، فدرويش، إلى الكتاب والشعراء الشباب والمبتدئين.. وفي الآونة الأخيرة جل اهتمامي في الشعراء والكتاب الغير معروفين..
ــ “الوطن وحق العودة”: لقد تجرعت مرارات المنفى وأنا أطوف في بلاد العالم مشرقه ومغربه، والوطن سيزيفيا على كاهلي شوقا وحلما وحنينا وخوفا وجمرا من حروف ممتلئة بحقي بالعودة إلى وطني، أكتبها بحبر دموعي الحريّة وبالنحت في دمي المتجمد على صمامات قلبي.. أعشق وطني كعشق الغجر لكمنجات فرحهم، التي لا تكف نوافيرها عن إطلاق حلمي للمكاثي، وأشجار الزيتون، والتين، واللوز، والتوت، وإلى حصان درويش الذي تركه هناك في البروة.. حنيني إلى فراشات قمحي الذي لونني بلونه.. أؤمن بحلم شعبي القوي الذي يمنحني أسبابا للنظر إلى الأمام، ولاكتشاف بارقة نور.. وتبقى فلسطين الأرض والذاكرة والروح جرسا في القلب، ترنّ على الأفئدة وفي الآفاق.. وتبقى فلسطين يتيمة دون عودة طيورها المهاجرة إلى أشجارها، وخوابي بيوتها.. إننا هنا وهناك ناقصون دون أن نملأ فراغات وطننا بوحدته الوطنية، وبلم شمل أبنائه.. دمت الذاكرة والروح المتقدة بحب الوطن..
ــ “فضائي المتوحد”: كنت في الثانوية العامة وكانت مداعبات رومانسية ممزوجة بحس وطني عالٍ، فأنا فضائي المتوحد بالوطن والمرأة لم يفترقا منذ بكارة صباي، فالوطن هو الحبيبة والحبيبة هي الوطن..
ــ “مرجعيتي الشعرية والنقدية”: مرجعيتي الشعرية والنقدية هي آلام شعبي، ومرارات المرأة العربية في الحب.. ومراجعي النقدية والشعرية والروائية ممتدة في التاريخ الإنساني والعربي..
•
ــ “المشهد الإبداعي بالعالم العربي”: يقف المشهد الإبداعي العربي المعاصر أمام ما يشبه التكلس في مفاصله، فالكتابة بدأت تتحول إلى تكرار حول صيغ جاهزة، فصارت الكتابة جزءا من السلطة، أو بحثا عنها وفيها، وتحولت بالتالي إلى عالم يعيش فوق التجربة الاجتماعية – التاريخية وتحتها.
ــ “دور المبدع”: في الأعمال الكبرى التي تأتي كشكل للتجربة التاريخية يغيب الكاتب في النص، ويتحول النص إلى إمكانيات تأويل لا حدود لها، لأننا اليوم نشهد موت الكاتب وموت النبي – الشاعر.. من يستطيع أن يعبر أو يلتقط هذا الركام ؟؟ من يستطيع أن يبحث عن موضوع، أو عن فكرة، أو إطار لكتاباته ؟؟ والمواضيع مكدسة في طرقات المدن، والمخيمات، والقرى، والسجون، وفي عيون الكادحين والمسحوقين والمقهورين.. والكتابة عاجزة أن تكون شكلا، والكاتب ضائع بين أن يعيش في ماضيه، حيث أحلام أو أوهام الكتابة هي في أن تكون مبشرا وداعية، وبين أن يعيش هذا التراكم المدهش والقاتل لكثافة التاريخ المعاش ومأساويته، وكأننا أمام الأزمنة وهي تختلط وتتهيأ لتعلن شيئا آخر لن نألفه، وكأننا أمام الفوضى التي نعيش فيها في عالمنا العربي والتي يبدأ منها كل شيء، ونصبح نعيش اللحظة التي تقع بين الوعي واللاوعي، بين الممكن واللاممكن، والمحتمل بين الواقع والحلم، هي اللحظة التي تعلن الشهادة ونكتفي بإعلانها..
ــ “حقيقة برامج المسابقات الأدبية”: بكل أسف ما يحدث على الساحة العربية المعاصرة في المتديات الأدبية، والفنية، والغنائية؛ تتحكم فيها المزاجية، ولا تعتمد على المعايير النقدية، والعلمية، والأدبية النقية، بل تتدخل فيها الميولات الإقليمية، والمنطقية، وتتدخل السياسة والمال في النتائج النهائية، وحتى في جائزة نوبل العالمية. وتُظلم إبداعات لصالح أخرى بقصدية ومواربة ومحاباة فاضحة تفوح منها رائحةالفساد المعياري والعلمي. وإننا نفتقد إلى ريادة نقدية وأخلاقية في التجربة الشعرية العربية، وقد يكون ذلك جزءا من الأزمة الثقافية العربية. والساحة النقدية العربية ليست خالية تماما، وتفتقد الساحة العربية لوجود تيار نقدي كجزء من الحركة الثقافية العربية العامة، لدينا فوضى ومزاجية ونقص في المواكبة النقدية للتجربة الشعرية..
ــ ” لا حد لأحلامي ” : بالطبع المعرفة بحر بقدر ما غرفنا منه لا ينضب، ونموت ونحن نتعلم دون أن نكتفي ونحن نحفر حفرنا في أرض الكتابة والمعرف، فلا قاع ولا سماء لأحلامنا..
ــ “الوجه الآخر”: الوجه الآخر لأحمد دحبور هو الاستماع للموسيقى، والغناء، وتأمّل الطبيعة، والقراءة في الفكر والفلسفة والاقتصاد والسياسة..
ــ “كلمة شكر في حق ملتقى الشعراء” : كل التحايا والنجاح لمنتداكم الثقافي، وكان لي الشرف الكبير بأن حظيت باهتمامكم ورعايتكم، وأتمنى أن أكون قد توفقت في الإجابة على الأسئلة ، وأعتذر لمن لم تستوفيهم إجاباتي بالإقناع.. وعاشت فلسطين، وعاش الوطن العربي حلما لأبنائه الأحرار بكل رفاه وتقدم وحرية وديمقراطية ونقاء..