غادة الحسيني: بين الشعر والإنسانية
حوار: جميلة بندر – لبنان
المقدمة
غادة الحسيني شاعرة وقاصّة وأمينة سر ملتقى الشعراء العرب، ومديرة التحرير في مجلة “أزهار الحرف”. امرأة جمعت بين رهافة الكلمة وصلابة الموقف، وبين العطاء الأدبي والإنساني. عرفتها وزوجها الراحل المهندس رشيد التنير، وكانا معًا خير سند ودعم للملتقى منذ انطلاقته. هي في الجانب الإنساني “سيدة القصر” كما يقال، وأميرة الجميع، ولها من النجاح النصيب الأوفر. صدر لها مؤخرًا ديوانها الجديد “رحيق العمر” في معرض القاهرة الدولي للكتاب 2024، لتضيف إلى رصيدها الأدبي بصمة جديدة في مسيرتها.
من هنا كان لمجلة “أزهار الحرف” أن تحاورها، لتسلّط الضوء على مسيرتها، وأفكارها، وتجاربها، وما تحمله في جعبتها من مشاريع ورؤى للمستقبل.
—
١. كونك أمينة السر في ملتقى الشعراء العرب، ما هو دورك في الملتقى؟ وماذا قدمت له وقدم لك؟
دوري كأمينة سر هو إعداد الجلسات، وحفظ محاضر اجتماعات الهيئة الإدارية، وتبليغ الأعضاء بكل ما هو جديد، وإعداد الرسائل الخاصة بالملتقى.
أما ما أضافه لي الملتقى، فهو قبل كل شيء أسرة أدبية أجد معها واحتي وراحتي. فغاية الأدب التعارف والتآلف وشيوع الحب في زمن اللاحب.
وأما ما قدمته أنا للملتقى، فقد فعلت ما بوسعي، ولم أدخر وقتًا ولا جهدًا ولا مشورة، ولم أبخل على الملتقى بشيء، فهو بيتي الوثير.
—
٢. ماذا عن فكرة موسوعة “قصائد في رحاب القدس” ودورك في إعدادها؟
جاءت فكرة الموسوعة بسبب الأحداث التي يمر بها الشعب الفلسطيني، وليس بسبب “طوفان الأقصى” فحسب. فمنذ تأسيس ملتقى الشعراء العرب ونحن نحاول أن نواكب كل جديد، ونساهم بالكلمة في صناعة الوعي. فللكلمة دور لا يقل أهمية عن دور السلاح في الميدان.
أما دوري فكان مراجعة النصوص الشعرية التي تصل من أنحاء العالم، بالتعاون مع فريق عمل مميز، تحت إشراف الشاعر ناصر رمضان عبد الحميد رئيس ملتقى الشعراء العرب.
—
٣. كيف بدأت رحلتك في مجال الشعر والأدب؟ وما هو الأقرب إلى قلبك: الشعر أم القصة؟
بدأت منذ الصغر، حيث كنت أستمع لوالدي وأردد معه بعض ما ينشد، كونه كان شاعرًا. لكنني بدأت النشر الفعلي منذ حوالي ثلاث سنوات.
الأقرب إلى قلبي طبعًا هو الشعر، فهو أنس الروح ومرآة الوجدان، يعبر عمّا يجيش في الصدر، وهو حالة وجدانية لا يستقيم التعبير عنها إلا بالبوح الشعري.
—
٤. كتبتِ فن الومضة ثم النصوص القصيرة. هل ذلك متعمد أم جاء عفو الخاطر؟
نعم، كان ذلك متعمدًا. كتبت الومضة والنصوص الصغيرة لكون الجيل الحالي أقل إقبالًا على القراءة، إذ ينشغل الجميع بالإنترنت ووسائل التواصل. ومع ذلك، الومضة رغم قصرها قادرة على أن تختزل المعنى، وتوصل الفكرة بكثافة وجمال.
—
٥. ما هو تأثير تخصصك في الهندسة الداخلية على إبداعك الشعري؟
لم أمارس عملي في الهندسة إلا قليلًا، لكني أرى أن هندسة الكلمات لا تختلف عن باقي الهندسات. ففي الشعر نمد خطوطًا بين الأحرف والكلمات، وفي الهندسة نرسم خطوطًا ونكتب أرقامًا. كلاهما يوازن بين المنطق والإبداع. الشعر في جوهره عملية رياضية، لكنه يتلون بتجربة الشاعر وثقافته.
—
٦. ما هي مصادر إلهامك في كتابة شعر “متعب وجه الوطن”؟ وهل هو بسبب ما يمر به لبنان؟ وكيف تعكس مجموعة قصصك “رفيقة العمر” تجارب الحياة؟
الوطن بالنسبة للشاعر بيت وملجأ، ومن الطبيعي أن يحيا فينا ونحيا فيه. ما يمر به لبنان من أزمات كان مصدر إلهام لشعري، فالشاعر صوت وطنه، يعبر عن أفراحه وآلامه.
أما مجموعتي القصصية “رفيقة العمر” فهي انعكاس لتجارب حياتية ووجدانية مررت بها، وقدمتها في إطار قصصي يمس القارئ.
—
٧. ما هي فكرة “ثورة الشعر”؟ هل هي فكرة جمع الحوارات وإفادة القارئ؟ وما الهدف منها؟
فكرة “ثورة الشعر” جاءت لإبراز صوت الشاعر ودوره في التغيير والتجديد. هي محاولة لجمع الحوارات والمواقف والرؤى لتكون وثيقة تفيد القارئ، وتفتح أمامه آفاقًا جديدة لفهم الشعر ودوره في الحياة. الهدف هو كسر الجمود وإحياء روح الشعر كطاقة تغييرية وإنسانية.
—
٨. كيف تتعاملين مع التحديات التي تواجه الكتّاب والشعراء حاليًا؟ وما هي المواضيع التي تلهمك؟
التحديات كثيرة، أبرزها ضعف القراءة وغياب الدعم المؤسسي للأدب. لكنني أتعامل معها بالصبر والإصرار، وأعتبر أن الكلمة قادرة على اختراق الحواجز.
أستلهم موضوعاتي من قضايا الوطن، ومن التجارب الإنسانية، ومن الحب والفقد، فهذه كلها وقود للإبداع.
—
٩. هل تشعرين بأن لديك تأثيرًا في المجتمع الأدبي والثقافي؟ وما هي نصائحك للشباب الطموحين؟
أشعر أن لي أثرًا، ولو كان متواضعًا، من خلال الملتقى والمجلات والكتب التي أشارك بها.
أنصح الشباب بالقراءة أولًا، فالقراءة مفتاح الكتابة. وأقول لهم: اكتبوا بصدق، وابتعدوا عن التقليد، فالأدب مسؤولية قبل أن يكون موهبة.
—
١٠. كيف تتمكنين من الحفاظ على التوازن بين أدوارك كشاعرة وأمينة سر وكاتبة صحفية؟
الكتابة والصحافة عمل واحد من شطرين، لكل منهما خصوصيته. الشعر شغف وموهبة، والصحافة جهد ومسؤولية. أوازن بينهما بالحب الذي أكنّه للكلمة، وأعتبر أن لا مرآة لهما سوى الناس.
—
١١. هل هناك تواصل فعّال بين الأدباء والشعراء العرب؟ وكيف يمكن دعم الأدب العربي في ظل التحولات التكنولوجية؟
نعم، هناك تواصل، لكنه بحاجة إلى تعزيز عبر المنتديات والمبادرات الثقافية. يمكن دعم الأدب العربي باستغلال التكنولوجيا إيجابيًا، من خلال النشر الإلكتروني، وإقامة الندوات عبر الإنترنت، وتوسيع دوائر الحوار بين الأدباء.
—
١٢. كيف يمكن للمهتمين بالأدب التفاعل مع أنشطتك؟ وهل لديك خطط مستقبلية للمشاركة بأحداث إقليمية أو دولية؟
يمكن للمهتمين متابعة أنشطتي عبر الملتقى ومجلة “أزهار الحرف”، أو من خلال ورش العمل والندوات التي أشارك بها. نعم، لدي نية للمشاركة في فعاليات أدبية خارج لبنان، متى سنحت الفرصة.
—
١٣. هل تعتقدين أن الأدب وسيلة للتأثير الاجتماعي والتغيير؟ وكيف تحافظين على الإلهام على المدى الطويل؟
الأدب من أقوى وسائل التغيير، فهو قادر على صناعة وعي جديد. أحافظ على الإلهام بالقراءة المستمرة، والتأمل في الواقع، والتفاعل مع القضايا الكبرى للإنسانية.
—
١٤. هل لوفاة الزوج أثر في حياتك الإبداعية؟
وفاة زوجي رحمه الله لم تؤثر على إبداعي من ناحية العطاء، لكنها تركت في قلبي فقد السند. كان داعمي ومشجعي، وصار غيابه ملهمًا لنصوصي، فحضر بروحه في كل ما أكتب رغم الألم.
—
١٥. ما هو دورك في ندوات البث المباشر التي يقدمها الشاعر ناصر رمضان عبد الحميد؟ وكيف تعدين لها؟
دوري هو التقديم، فيما يتولى رئيس الملتقى إدارة الحوار. أحضّر للندوات عبر التنسيق معه لاختيار الضيف، ثم أبحث في نشاطه وإنتاجه. لا أجد في ذلك مشقة، بل أعتبره متعة ثقافية ومعرفية.
—
١٦. ماذا أفادتك وسائل التواصل الاجتماعي؟
وسائل التواصل الاجتماعي ساعدتني على الانتشار، والتواصل مع أدباء من مختلف البلدان، والتعرف على تجارب جديدة. لكنها سيف ذو حدين، وأحاول استغلالها إيجابيًا في خدمة الأدب.
—
١٧. صدر الجزء الأول من كتابك “شعراء لبنان”. هل سيرى الجزء الثاني النور قريبًا؟
نعم، بدأت التحضير للجزء الثاني “شعراء من لبنان”، لكنه لن يصدر في القريب العاجل نظرًا لانشغالاتي الكثيرة.
—
خاتمة
شكري العميق لمجلة “أزهار الحرف” على هذه الفرصة، وأتمنى أن أكون قد قدمت ما يفيد القارئ ويترك أثرًا طيبًا.
—
حاورتها من لبنان: جميلة بندر
عضو ملتقى الشعراء العرب – محررة بمجلة “أزهار الحرف”