مقال
ضد الوجبات السريعة: دفاعا عن الأدب البطيء
مقدمة:
في زمن يتسارع فيه كل شيء،حيث تقدم لنا الخوارزميات محتوى جاهزًا للاستهلاك الفوري، يعلو صوتٌ جديدٌ ينادي ببطء الأدب. صوت يرفض “الوجبات السريعة” الثقافية، ويدعو إلى وجبة أدبية دسمة تُطهى على نار هادئة، بمقادير منتقاة من أعماق اللغة والوجود.
1. أدب الطبيعة: من الجنّة إلى المائدة
لا تقدم الطبيعة نفسها جاهزة.الثمرة تحتاج إلى جني، والمعادن إلى تنقيب، والعسل إلى تطفيل. والأدب الحقيقي كالعسل، ينتقل من زهرة اللغة إلى خلية القصيدة بعمل شاق وصبور. هذا هو الفرق الجوهري بين الأدب الجاهز والأدب العضوي: الأول يُصنع في معامل الاستسهال، والثاني يُقطف من جنان التأمل.
2. صراع الفلسفتين: الاستهلاك أم المشاركة؟
تقوم فلسفة الأدب الجاهز على أن القارئ مستهلك سلعي،يجب أن يُقدّم له كل شيء مكتملاً واضحاً. أما فلسفة الأدب البطيء فترى في القارئ شريكاً في العملية الإبداعية، عليه أن يشارك في صنع المعنى، أن يحفر في طبقات النص، أن يكتشف المسالك الخفية. إنه الفرق بين من يطعمك سمكة، ومن يعلمك كيف تصطاد.
3. لماذا نخاف من الغموض؟
يُتهم الأدب العميق بـ”التلغيز”و”الصعوبة”، لكن الحقيقة أن هذه الاتهامات تخفي خوفاً من الحرية. النص الجاهز يمنحك الأمان، يحدد لك الطريق. أما النص المتعدد الدلالات فيمنحك حرية التأويل، ويطلب منك أن تكون فاعلاً لا منفعلاً. الغموض هنا ليس عيباً، بل هو مساحة حرية.
4. أيقونة الصبر في زمن الاستعجال
الأدب البطيء هو تمرد على ثقافة”اللايك” والسريع والعابر. هو إصرار على أن الجمال الحقيقي يحتاج إلى وقت، كما تحتاج الشجرة إلى فصول حتى تثمر. الكاتب هنا ليس منتجاً، بل هو فلاح يعتني بأرض اللغة، يسقيها بتأمله، ويصبر على نضوج ثمارها.
5. من أجل جمهور جديد
ليس هذا الأدب للجميع،وهو لا يطمح إلى ذلك. جمهوره هم أولئك الذين ملّوا من السطحية، الذين يبحثون عن عمق حقيقي، الذين يعرفون أن أطيب الوجبات هي تلك التي تُعد باليد لا بالآلة، والتي تحمل نكهة جهد صانعها وإتقانه.
خاتمة:
في النهاية،المسألة ليست صراعاً بين الوضوح والغموض، بل هي اختيار بين أدب يخاطب اللحظة العابرة، وأخر يحفر في الأعماق. بين أدب يرضي الجميع، وآخر يبحث عن قارئه الخاص. بين وجبة سريعة تشبع الجوع، ووليمة دسمة تطعم الروح. فليكن اختيارك على مذاقك، ولكن اعلم أن الأطباق الشهية لا تُقدم إلا على موائد الصابرين.
حكمة
من أراد أن يأكل من نار اللغة ، فليصبر على احتراق المعنى.
بقلم الشاعر رضا بوقفة شاعر الظل
وادي الكبريت
سوق أهراس
الجزائر
الشعر اللغز الفلسفي والقصة اللغزية الفلسفية