فريدة توفيق الجوهري، شاعرة وأديبة لبنانية بارزة، من بلدة عرمون في قضاء عالية، زوجة وأم لخمسة أبناء، ومؤسسة منتدى الجوهري الثقافي. تشغل منصب الرئيسة القطرية لمنبر أدباء بلاد الشام في لبنان، وتتميّز بإنتاج شعري متنوع بين العمودي والتفعيلة والنثر وحتى الشعبي، إضافة إلى الكتابة في المقال والقصة القصيرة وقصص الأطفال.
صدر لها ديوان شعر نثري بعنوان “غربة”، وديوان إلكتروني بعنوان “مروج الأحاسيس”، كما لديها عدة دواوين قيد الطبع. تُرجمت بعض قصائدها إلى الإنجليزية والفارسية والفرنسية والإسبانية، وحازت على عدة جوائز وألقاب أدبية وشهادات تقدير من مؤسسات عربية وعالمية.
شاركت في العديد من الأمسيات الثقافية والمهرجانات المحلية والدولية، وأسهمت في توثيق وتعزيز الحراك الثقافي في لبنان والوطن العربي.وهي عضو بملتقى الشعراء العرب.
تُعرف فريدة بقدرتها على المزج بين التجربة الشخصية والانخراط في المشهد الأدبي، مع التركيز على وحدة اللغة والفكر، مما يجعلها شاعرة محلقة ومرفرفة تخط طريقها بثقة وثبات.
ومن هنا كان لمجلة أزهار الحرف معها هذا الحوار.
حاورتها جميلة بندر
……………………..
1.بداية، حدثينا عن رحلتك الأدبية منذ بداياتك الأولى، وكيف أسستِ منتدى الجوهري الثقافي لتكوني منبرًا للشعراء والأدباء في لبنان؟
ج1_بدأت رحلتي الأدبية منذ المراحل الدراسية الأولى،كانت الكتابة هي العين السحرية التي أطل منها على ما حولي ووسيلتي للتعبير عن الذات وعن الٱخر وعن الوجود .لم تكن خياراً عابراً بل ضرورة داخلية تولّدت من إحساس عميق بالحياة بالإنسان بالجمال الذي أبدعه الخالق.مع مرور الوقت تحول هذا الشغف إلى التزام ومسؤلية تجاه الكلمة بوصفها فعل وعي ورسالة إنسانية ولقد جاءت كتاباتي الأولى إنسانية واجتماعية محض.
ومن هذا الإيمان ولد منتدى الجوهري الثقافي ليكون مساحة تفاعل تجمع الشعراء والأدباء للتعبير الحر فالثقافة فعل بناء وتواصل قبل أن تكون ترفاً فكرياً.
2.بصفتك الرئيسة القطرية لمنبر أدباء بلاد الشام، كيف استطعتِ توحيد جهود الشعراء والأدباء وتعزيز الثقافة الأدبية بين الدول الشامية؟
ج2_تولي هذا المنصب لم يكن تكليفاً إدارياً بقدر ما كان التزاما ثقافياً وأنا أسعى لجعل منبر أدباء بلاد الشام ومنتدى الجوهري الثقافي مساحة حقيقية للتلاقي بين الكتاب والشعراء تتجاوز الحدود الجغرافية والإنتماءات الشخصية لنجتمع معاً حول ما يوحدنا جميعا وهي الكلمة ،من خلال مد جسور التواصل بين الادباء والشعراء في لبنان سوريا فلسطين والأردن عبر أمسيات وحوارات ثقافية أدبية ،فرسالتنا تقوم على الإيمان بأن الثقافة هي جسر للتفاهم يسمو بالروح ويقرب بين الشعوب مما يخدم المشهد الثقافي العام.
3.ما الذي ألهمك لكتابة ديوانك النثري الأول “غربة”، وكيف تناولتِ من خلاله مفاهيم الغربة المادية والمعنوية؟
ج3_ديوان غربة ولد من تجربة ذاتية ورؤية إنسانية تعكس حالات الاغتراب التي يعيشها الإنسان في داخله في مجتمعه وفي وطنه فالإغتراب الإنساني لا يقتصر على البعد المكاني بل يتجاوزه لغربة الروح والفكر في عالم تتصارع فيه القيم و المفاهيم وتضيع فيه البوصلة ،لم يكن غربة مجرد بوح بل لرصد وجوه الغربة التي يعيشها الإنسان المعاصر من مادية ومعنوية بين ما يريد وما يفرض عليه ،بين ذاته ومجتمعه،وبين الحلم والواقع .في غربة حاولت أن أوازن بين الألم والأمل ،بين الحنين والوعي لأبرز أن الإغتراب ليس نهاية بل بداية للبحث عن الذات وقولبتها من جديد في فضاء أوسع من الزمان والمكان.
كنت أتوق لهذا السؤال منذ صدور غربة (فغربة) هو أنا هوكل امرأة كافحت لتصل في مجتمع منغلق على ذاته.وغربة سيبقى دوما الأقرب إلى قلبي وروحي.
4.ديوانك الإلكتروني “مروج الأحاسيس” يحمل طابعًا رقميًا حديثًا، كيف أثر هذا الأسلوب على طريقة تفاعل الجمهور مع قصائدك؟
ج4_إن الطابع الرقمي الحديث يفتح أمام الكاتب ٱفاقاً اوسع للتواصل مع القارئ فهذا الأسلوب يتيح للمتلقي التعبير الفوري عن انطباعاته وأحاسيسه مما يضفي الحيوية على النصوص في فضاء تفاعلي متجدد ،ويمنح القصائد انتشارا سريعاً للوصول إلى شرائح مختلفة من القراء لإثراء هذه التجربة الشعرية بٱراء وتفاعلات متعددة الثقافات .
فحضور القصيد في العالم الرقمي يمدها بنبض جديد مليئ بالحيوية .
5.لديك عدة دواوين قيد الطبع، هل يمكنك مشاركتنا رؤيتك الفنية وما الذي يميز كل ديوان عن الآخر؟
ج5_لكل ديوان من دواويني عوالمه الخاصة،ومناخاته الفكرية والوجدانية ،إذ أتعامل مع كل ديوان بوصفه تجربة جديدة قائمة بذاتها تعبّر عن مرحلة مختلفة من الوعي والرؤية لكنه في النهاية ينتمي لعالم الشعر نفسه الذي أعبّر من خلاله عن ذاتي ورؤيتي للوجود وأعبر من خلاله أيضا لعوالم اخرى أكثر صفاء ونقاء.
فالشعر طاقة روحية شعورية تحوّل التجربة الإنسانية إلى صوت ومعنى ،فأسعى في كل ديوان ان اقترب أكثر من التفاصيل الصغيرة التي تضج بها حياتنا اليومية من هدوء وصخب ،فرح ومعاناة ،وأمل..
وما يوجد بهذه الدواوين هو نبض المشاعر وصدق التفاعل لحظة ولادة القصيدة.
6.أنتِ تجيدين كتابة الشعر بأنواعه المختلفة: العمودي، التفعيلة، النثري، وأحيانًا الشعبي. كيف تختارين أسلوب الشعر المناسب لكل موضوع أو تجربة؟
ج6_أنا أؤمن أن الشكل الشعري يجب أن يكون خادما للفكرة لا مقيدا لها،وإن العطاء الحقيقي في صدق التعبير لا في الوزن والنوع والإيقاع،لذالك أترك للنص حريته في إختيار الشكل الذي يليق به .في بعض المواقف أجد نفسي لا شعوريا قريبة جدا من اللغة اليومية المتداولة لأكتب الشعر المحكي، فالشعر ولادة روحية ونحن لا نحدد نوعية المولود اوجنسه بل نصل بين نبضه ونبض الحياة.
7.كيف ساعدتك وسائل التواصل الاجتماعي، خصوصًا الفيسبوك، في نشر أعمالك والوصول إلى قراء من الجزائر وليبيا وسلطنة عمان وغيرها من الدول العربية؟
ج7_ساعدتني وسائل التواصل الإجتماعي وخصوصا (الفيس بوك) وغوغل على نشر أعمالي على نطاق واسع والوصول إلى قراء في مختلف الاقطار العربية والمهجر بسهولة وسرعة فلقد وفّرت لي هذه المنصات فضاءًمفتوحاًللتفاعل المباشر مع الجمهور وانتشارا كبيرا مما ساهم في صقل وتطوير موهبتي الأدبية ومكنتني من بناء شبكة تواصل مع نقاد ومترجمين ومهتمين بالأدب والشعر خارج نطاق الحدود الجغرافية الضيقة .
8.لديك تجارب مهمة في النقد التحليلي رغم أنك لا تعتبرين نفسك ناقدة. كيف ساعدتك هذه التحليلات في فهم أعمال الشعراء العرب ونقد أعمالك الخاصة؟
ج8_رغم كوني لا أعد نفسي ناقدة بالمعنى الأكاديمي فإن تجاربي في النقد التحليلي كانت بمثابة مرٱة عميقة أتأمل من خلالها جوهر النصوص الأدبية والشعرية.منحتني هذه الممارسة قدرة على تفكيك البنية اللغوية والرمزية في أعمال الشعراء والكتاب العرب مما ساعدني في اكتشاف الطبقات الفكرية الخفية في نصوصهم ،تلك التي تتجاوز المعنى الظاهري إلى الإيقاع الداخلي والبعد النفسي والدلالة الثقافية .
أما على الصعيد الشخصي فقد ساعدني هذا الوعي النقدي في مراجعة أعمالي ونقدها بطريقة موضوعية فكانت التحليلات بالنسبة لي أداة وعي مزدوجة لتفهًم الٱخر بعمق،وتشكيل الذات بوعي ومسؤلية أكبر.
9.شاركتِ في عدة مهرجانات محلية ودولية وفعّلت حضورك الثقافي عبر الأمسيات والأمسيات المشتركة؛ ما أثر هذه المشاركات على تعزيز الأدب اللبناني في الوطن العربي؟
ج9_إن صوت الشعر اللبناني جزءاً فاعلاً في النسيج الثقافي العربي لا متلقيا فحسب بل مؤثراً ومشاركاً في صياغة الوعي الثقافي الجمالي العربي الحديث.أما عن تحربتي في المهرجانات والأمسيات فلقد كانت غنية وفعّالة إذ منحتني فرصة التفاعل المباشر مع الحمهور مما عزز ثقتي بما اقدم من أعمال شعرية في فضاء عام تختلف فيه الثقافات وتتنوع الٱراء.
ولقد ساهمت هذه اللقاءات في توطيد الروابط الأدبية بيني وبين العديد من الشعراء واكدت أن الكلمة الصادقة النابعة من الوجدان قادرة على اختصار المسافات ،وإن الادب قوة توحيد وبناء ،فالادب اللبناني برؤأه المتنوعة وعمقه الروحي والإنساني جزء لا يتجزأ من المشهد الثقافي العربي الكبير.
10.أنتِ مؤسِّسة وعضوة في منتديات أدبية عدة مثل منتدى شواطئ الأدب ومنبر أدباء بلاد الشام، وما دورك في تحكيم الأعمال الأدبية واكتشاف المواهب؟
ج10_بصفتي مؤسسة وعضو في العديد من المنتديات فطالما شاركت بأعمال التحكيم عبر تقيم النصوص وفق معايير تراعي الدقة في الاسلوب والعمق الفكري والقدرة على توصيل الفكرة ،وكنت أشجع أصحابها بالتوجيه والدعم والنقد البناء .
ويسعدني جدا ان أكون جسرا يربط بين الأجيال وان ارى اصواتاً وأقلاماً شابة تشق طريقها بثقة في عالم الادب فجوهر الرسالة الثقافية أن نمنح الضوء للغير كما منح لنا يوما.
11.بعض أعمالك تُرجمت إلى الإنجليزية والفارسية والفرنسية والإسبانية، كيف تختارين القصائد للترجمة، وما أثرها في إيصال الشعر اللبناني عالميًا؟
ج11_في الحقيقة أنا لا أختار القصائد التي تترجم للغات أخرى بل يقوم الكتاب والمترجمون بأخذها من صفحتي او من أحد المنتديات ويعيدون تقديمها مترجمة بإحدى اللغات مما يحمل لي معناً جميلاً بالود والتقدير ،إذ أشعر أن كتاباتي لامست وجدانهم وصافحت ارواحهم بطريقة ما .
وإن الشعر اللبناني يشق طريقه
للعالمية في رحلة الكلمات حيث تغادر حدود وطنها لتنبض في حدود بعيدة وجديدة.
12.حصلتِ على جوائز وشهادات تقدير عديدة، منها جائزة ليبيا للإبداع ودكتوراه فخرية من أكاديميات عربية. ما معنى هذه الجوائز بالنسبة لك، وكيف تعكس مكانتك الأدبية؟
ج12_الجوائز بالنسبة لي ليست غاية بحد ذاتها،بل هي رسالة تقدير تضيئ درب العطاء وتمنحه دفعة للإستمرارية ،كل تكريم اراه تحية ودعماً للكلمة النابعة من القلب وجهد متواصل في خدمة الأدب ،وهو في الوقت نفسه مسؤلية مضاعفة تلقى على عاتقي تدفعني للمثابرة والحفاظ على المستوى اللائق الذي أهلني لنيل التكريم
أما الدكتوراه الفخرية والأوسمة الأدبية فهي شهادة تقدير أعتز بها لانها تعكس إيمان هذه الجهات بقدرة اعمالي وبأن الإبداع الحقيقي لا تقيده حدود جغرافية .لكن الوسامةالأسمى يبقى في محبة الناس ودعمهم وصدق تفاعلهم مع الكلمة .
إنها الجائزة الأبهى والأجمل والأعز إلى قلبي.
13.بعض مشاركاتك تناولت تكريم فنانين لبنانيين مثل عمر ميقاتي وصلاح تيزاني. كيف ساهمتِ في الربط بين الشعر والفن الشعبي اللبناني؟
ج13_الفنةالشعبي جزء أصيل من هويتنا الثقافية هو الذاكرة الجماعية التي تُحفَظ في وجدان الناس وتعبر عن مشاعرهم وبساطتهم وعمق انتماءهم،وحين أشارك في تكريم رموز من بلدي فإنني أعبّر من خلال الشعر (وأفضله بالمحكي) عن انتمائي وامتناني لجيل اسس لثقافة الفرح والبساطة وأسهم في ترسيخ القيم الجمالية من ثقافية وإنسانية في المجتمع اللبناني.
فالشعر والفن كلاهما ينبع من عمق الرؤية ومن وجدان الناس ،ويعبر عنهم بلغتهم فيتواصل مع أحاسيسهم ومشاعرهم،والثقافة الحقيقية هي التي توحد بين الأصالة والتجدد.
14.ما الرسالة الأدبية والوجدانية التي ترغبين في إيصالها عبر دواوينك وإصداراتك لكل من يقرأك في لبنان والعالم العربي؟
ج14_رسالتي الأدبية والوجدانية تنبع من أن الادب والشعر مساحة للبوح الإنساني ،هو الضوء الذي يبدد العتمة في داخلنا ويجدد الامل،أكتب لألامس ما هو مشترك بيننا كبشر ،لأعيد إلى المشاعر دفئها وعاطفتها ،وإلى الروح قدرتها على التحليق وإلى الفكر والقلب قدرتهما على الحلم
رغم الخيبات ورغم الأجواء الخانقة ورغم الوجع.
وأطمح أن يجد القارئ في كتاباتي صدىً من ذاته،وأن يشعر ان الكلمة تبلسم وتواسي وتلهم ،وتفتح نوافذ جديدة على الجمال والحرية.
15.ما رأيك بالملتقيات الشعرية وخصوصًا ملتقى الشعراء العرب الذي يرأسه الشاعر ناصر رمضان عبد الحميد؟
ج15_أعتقد أن الملتقيات الشعرية بشكل عام ،وملتقى الشعراء العرب الذي يرأسه الشاعر ناصر رمضان عبد الحميد
بشكل خاص تمثل مساحة راقية لتلاقي الإبداع ،وتبادل الثقافات الأدبية بين الشعراء ونشرها، وهي تسهم في تعزيز الحضور الادبي والشعري وإيصال اللغة العربية في أبهى حللها ،كما تتيح للمبدعين فرصة التعبير عن ٱرائهم وقضاياهم وهموم أوطانهم من خلال الكلمة.
ويحسب لهذا الملتقى انه ان يجمع النخبة من الشعراء من مختلف الدول العربية في جو يسودهُ الإحترام والإبداع،مما،يجعله من أبرز الفعاليات التي تخدم الفكر العربي وتكرس قيم الوحدة الثقافية .
واخيراً أتقدم بخالص الشكر لمنتدى الشعراء العرب برئاسة الشاعر ناصر رمضان عبد الحميد
لمعدة الحوار المحررة الأستاذة جميلة بندر.
حاورتها جميلة بندر
عضو بملتقى الشعراء العرب
محررة بمجلة أزهار الحرف
