قيثارة أنتَ
مُهداة إلى فضيلة الشيخ محمد السنراوي – عليه رحمة الله
كنت قد أعددتُ هذه القصيدة تحيةً للشيخ الجليل محمد السنراوي – رحمه الله – بمناسبة حضوره إلى ساقية الصاوي بالزمالك عام 2006 احتفالًا بذكرى وفاة الإمام محمد متولي الشعراوي، وذلك بحضور زوج ابنة الشيخ الشعراوي الدكتور عصام القطقاط، والحاجة حفصة ابنة الشيخ الشعراوي. وقد ألقيتُ القصيدة بين يديه في تلك المناسبة، ثم زدتُ عليها بعض الأبيات بعد وفاته.
الشيخ السنراوي من مواليد قرية سنرو بمحافظة الفيوم، حاصل على العالمية من كلية اللغة العربية بجامعة الأزهر، وعمل مديرًا لإدارة التعليم الأزهري بالفيوم، ثم أُعير إلى الجزائر حيث تعرّف هناك إلى الشيخ الشعراوي وقدّم لبعض كتبه، منها أسماء الله الحسنى الصادر عن مؤسسة أخبار اليوم، وهو الذي كان يكتب خواطر الشيخ الشعراوي رحمه الله الذي لم يكن يدوّنها بنفسه.
له الفضل في ربط الصلة بيني وبين أسرة الشيخ الشعراوي، كما ضمّني إلى لجنة الإخاء الديني بالمحافظة في عهد قداسة الأنبا أبرآم، وذلك قبل مغادرتي الفيوم في فترة الدكتور سعد نصار محافظ الفيوم آنذاك. كان يقيم في منطقة الفوال، ومتزوجًا من السيدة الراحلة فاطمة الروبي ابنة الشيخ الروبي القطب الصوفي، وقد تعرّفت عليه عن طريق صديقي العميد حاتم العراقي ابن قريتي، بمسجد الشبان المسلمين بالفيوم، حيث كان حينها رئيس الجمعية وخطيب الجمعة والمستشار الديني للمحافظ.
كان – رحمه الله – موسوعةً في الأدب والشعر واللغة، وامتلك مكتبةً عامرة في منزله بكيمان فارس الذي كان يسكنه ابنه خالد. أحبَّ الشيخ الشعراوي حدّ التوحد، فكان يقلده في لباسه وعمامته وحركاته، وتوفي رحمه الله في شهر نوفمبر عام 2008.
___
قيثارة أنتَ
مُهداة إلى فضيلة الشيخ محمد السنراوي – عليه رحمة الله
أنا لست أنسى ما حييتَ نداوةَ الصوت الجسور،
فيشدني للريِّ أُمتَحُ ماءَه العذبَ النمير،
وظلالُ حلمك في المسامعِ صوتُها مثلُ الغدير،
ويداك تحتضنُ المحبَّ حنانَها فيضُ القدير،
والبيتُ بيتُك واحةٌ تسعُ الكبيرَ مع الصغير.
أيْكٌ إليه العارفون صباحُهم صفوٌ ونور،
وعلى جناحِ الحبِّ جاءوا مثلَ رُفاةِ الطيور.
قيثارةٌ رنَّامةٌ طربتْ على وترِ المسير،
فيضٌ وبعضُ الفيضِ يوحي بانتشاءاتِ الزهور.
صوفيةٌ معطاءةٌ طافتْ بأنسامِ العبير،
عاشتْ بنورِ اللهِ عمرًا، إنَّهُ العمرُ الوقور.
تهوى الجمالَ وترتجيه، ولستَ بالغرِّ الغرير،
للَّيلِ يطوي راحتَيْكَ، ولا انصداعاتِ الصخور،
فالصدقُ صوتُك صادعٌ بالحقِّ في وجهِ الصقور،
وهو النديُّ يزيِّنه شعرٌ، فصاحتُه جرير.
أنتَ المفوَّهُ، سيِّدي، لا نِدَّ مثلكَ أو نظير،
واللهُ زادكَ رفعةً في حبِّ هادينا البشير.
بيدَيْكَ تختارُ الحروفَ متى تشاءُ كما تشير،
لغةٌ كنفحِ الطيبِ تُطربُ في حياءٍ لا تُثير.
دُم، سيِّدي، وأهنأْ بنا،
أنا بحبِّكَ في حبور.
—
أنا ما نسيتُكَ، إنما شعري على قلمي يدور،
في عالمٍ لا يعرفُ النورَ الوضيءَ ولا الشعور،
في عالمٍ فقدَ الشجاعةَ والمروءَةَ والسرور،
في عشقِ الجهالةِ والنذالةِ والغرور.
سنظلُّ نذكرُهُ وإن طالَ المدى، عهدٌ لعمري لا يحور،
سنظلُّ نذكرُ بيتَهُ المعطاءَ والوجهَ المنير.
—
الهوامش
جرير :
كانت الكلمة في الأصل “خرير” – وهو صوت الماء – وبعدما سمعها رحمه الله طلب مني أن أجعلها “جرير”، فوافقت.
أما “نفح الطيب في غصن الأندلس الرطيب” فهو للشيخ العلّامة أحمد بن محمد المقري (ت 1041هـ).
والقصيدة ضمن ديواني “ترانيم روح” – المجموعة الكاملة
شعر
(الجزء الثاني).